مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا يُعتبر إحصاء جرائم قتل النساء قضية عالمية الأبعاد

نساء يُوقدن الشموع خلال تجمع للتنديد بالعنف والقتل الممارس ضد النساء
تجمّع انتظم بمدينة لوزان يوم 25 نوفمبر 2016 تكريما لضحايا جرائم القتل المرتكبة بحق النساء في سويسرا. © Keystone / Leo Duperrex

لا تزال الجرائم التي تستهدف النساء ظاهرة لا تحظى بالاهتمام في معظم البلدان، وذلك لعدم وجود إحصائيات مُعتمَدَة. في بداية مارس، تبنَّت الأمم المتحدة توصيات لاعتماد إحصاءات هذه الجرائم التي تستهدف النساء بشكل خاص. وتتلخص الفكرة، التي تتبناها سويسرا، في أنه لا يُمكن مكافحة ظاهرة ما إلا إذا كانت قابلة للقياس.

في تغطيتها لجريمة ارتكبها أحد سكان جنيف، الذي تمت محاكمته بسبب طعنه لصاحبته حتى الموت، تناولت العديد من وسائل الاعلام السويسرية الناطقة بالفرنسية الحديث عن «الجرائم المرتكبة بحق النساء». ففي حين نقرأ عنوان «جريمة قتل بحق النساء أم انتحار؟» في صحيفة لوتونرابط خارجي (تصدر بالفرنسية في جنيف)، اختارت صحيفة ليمان بلورابط خارجي إعطاء القضية عنوان «جريمة قتل امرأة في شين بورغ». كما احتلت مطاردة «شرطي يُشتَبَه بارتكابه جريمة قتل بحق النساءرابط خارجي» في فرنسا عناوين الصحف مؤخراً.

يشق مصطلح «جرائم قتل النساء» طريقاً له بين المفردات اليومية منذ عدة سنوات. ودخلت كلمة (فيمينيسيد Féminicide) التي تعبّر عن هذا المصطلح لأول مرة في قاموسرابط خارجي فرنسي في عام 2015. قبل ذلك، كان من المحتمل أن تستخدم نفس وسائل الإعلام عنواناً مثل «مقتل امرأة من قبل صاحبها» أو حتى «جريمة عاطفية». فالتغيير اللغوي ليس أمراً عبثياً، فهو يشير إلى أنَّ الضحايا قُتِلن لأنهن نساء، وأنَّ هناك ظاهرة مجتمعية وراء قتلهن.

مصطلح «جرائم قتل النساء»، أي قتل النساء أو البنات المرتبط بصفتهن من الإناث، الذي كان يُنظَر إليه في السابق على أنه نضالياً، لأنَّ الحركات النسوية هي التي كانت تستخدمه، صار يُعرَّفُ اليوم من قبل الأمم المتحدة على أنه «الظاهرة الأكثر تطرّفاً ووحشية من أشكال العنف التي تتعرض لها النساء». وبالفعل، وضع المجتمع الدولي لنفسه هدف القضاء على هذه الظاهرة التي «تمسّ جميع الدول»، ولكنه يُواجه صعوبة في تحديدها وقياسها بشكل صحيح.

يعتبر الأشخاص الأكثر معارضة لهذا المصطلح أنه عبارة عن مفهوم فارغ وأنَّ كلمة «القتل» تكفي. وفي بعض الأحيان يتداخل تعريفه مع تعريف القتل العائلي. في حين تطالب بعض المجموعات النسوية، بدورها، بمنحه معنى واسعا جداً، بحيث يتم من خلاله اعتبار قتل النساء غير المتعمّد (كالوفيات الناجمة عن عمليات الإجهاض السرية على سبيل المثال) كجرائم قتل بحق النساء.

وقد أدت صعوبة الاتفاق على تعريف حتى الآن إلى عدم وجود إحصائيات دولية موثوقة ومنسقة، مع أنَّ جميع المنظمات المنخرطة في مكافحة العنف ضد المرأة تؤكد على أهمية وجود معطيات ذات نوعية جيدة. وفي هذا الصدد، ينوه المعهد الأوروبي للمساواة بين الرجل والمرأةرابط خارجي إلى أنَّ «معرفة الدوافع والظروف (…) تساعد الحكومات على توفير حماية أفضل للضحايا المحتملات، بالإضافة إلى معاقبة وردع الجُناة».

عندما تدفع الأحكام النمطية عن الجنسانية إلى القتل

تأمل الأمم المتحدة في تنظيم كل هذه الأمور. وقد وافقت لجنتها الإحصائية في الرابع من مارس 2022رابط خارجي على «إطار عالمي جديد لقياس جرائم قتل النساءرابط خارجي»، وهو ثمرة ثلاث سنوات من العمل الدؤوب. ولدى عرض الوثيقة، لخصت سيما سامي بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة التحديات كالتالي: «يُشكّل غياب المعطيات عقبة رئيسية أمام مكافحة [جرائم قتل النساء]. يُمكننا أن نعمل بشكل أفضل على ما يمكننا قياسه».

وهذا المعيار الجديد له عدة أهداف: «تعريف إحصائي لقتل النساء، بالطريقة الأكثر ما يمكن شمولاً» و«تشجيع السلطات الوطنية على تسجيل هذه المعطيات» و«تزويدهم بالإرشادات التوجيهية للقيام بذلك» وفقاً لما قاله رئيس قسم تطوير ونشر المعطيات في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمةرابط خارجي أنريكو بيزونيو لـ SWI swissinfo.ch. حيث طوَّر فريقه في العمل هذه التوصيات بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة.

ويرى هذا الإحصائي أنه من الضروري أيضاً الحصول على أرقام «صحيحة منهجياً»، لأنَّ التَّذرع بغياب المعطيات، أو نقص موثوقية المعطيات «هي طريقة سهلة للتشكيك بكامل القضية التي نريد تجاهلها».

المحور الأول، تعريف جرائم قتل النساء بشكل نهائي. ليست جميع جرائم قتل النساء والفتيات جرائم قتل بحق النساء، بحسب ما أكدت الأمم المتحدة منذ البداية. يجب أن يكون قتل المرأة عمداً وذو بعد جنساني في ذات الوقت. إنَّ «الدافع المرتبط بنوع الجنس» لا يشير إلى الدافع الخاص لمرتكب الجريمة فحسب، وإنما إلى أسباب عميقة مجتمعية أيضاً.

وتتطرق الوثيقة إلى «أيديولوجية (…) أفضلية الرجال على النساء، والأعراف الاجتماعية المتعلقة بالذكورة» أو حتى «الحاجة (…) لفرض احترام مهام الجنسين». «يُمكن أن تتسبّب هذه العوامل بعنف الجناة عندما يبدو سلوك المرأة غير مطابق للأعراف».

مؤشرات جرائم قتل النساء

المحور الثاني، وضع معايير تسمح بتقييم موضوعي للتأثير الجنساني. وهذه الخاصية الحاسمة في تحديد جرائم قتل النساء هي أيضاً الأصعب من حيث القياس. في الوقت الحالي، يقوم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بجمع أرقام العنف المنزليرابط خارجي من مختلف الدول، وتكون هذه المعطيات كمعايير مرجعية للمقارنات الدولية. وهي التي تسمح بالاقتراب الأكبر من تمثيل الظاهرة.

إنَّ معظم جرائم القتل المرتكبة بحق النساء في الفضاء الخاص هي، بحكم الواقع، جرائم قتل النساء. وتشير هيئة الأمم المتحدة إلى أنَّ تلك الجرائم التي تُرتكب في إطار علاقة زوجية «غالباً ما تكون مرتبطة بالحاجة إلى تأكيد سيطرة الرجل». وعندما تُرتكب من قبل أفراد آخرين من العائلة، فهي على الأرجح جرائم شرف أو جرائم قتل بسبب الإرث، التي تُعتبر أيضاً «راسخة في الأعراف المجتمعية والثقافية».

محتويات خارجية

إلا أنَّ مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يُقرُّ بسهولة بأنَّ معطياته محدودة. ففي الدول التي تحاول قياس جرائم قتل النساء، قد تختلف المؤشرات والمتغيّرات المستخدمة بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، تقدم بعض الدول بيانات غير وافية، والكثير من البلدان لا تقدم حتى أي احصائيات.

وتعليقاً على ذلك يقول أنريكو بيزونيو: «بالنسبة لبعض الدول النامية، يتطلب إجراء الإحصائيات، حتى بشكل جزئي، الكثير من الجهد. ومع ذلك، نحن نأخذها بعين الاعتبار، لأنَّه يجب علينا الموازنة بين المصالح المثالية، التي تتمثل بتطبيق معاييرنا من قبل جميع الدول، والواقع».

ويُشير الخبير في مجال الإحصاء إلى أنَّ هذه الأرقام تقلل، بشكل خاص، من شأن هذه الظاهرة لأنه على المستوى العالمي، 60% من جرائم قتل النساء فقط تُرتكب في الفضاء الخاص.

على المستوى العالمي، قُتلت 81 ألف امرأة وفتاة في عام 2020، 47 ألف منهن (58 %) في الفضاء الخاص، أي تمَّ قتل امرأة واحدة كل 11 دقيقة وفقاً لبيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

ولأنها تعتبر أنَّ احصائيات العنف الأسري تخفي جزءا كبيرا من ظاهرة قتل النساء، شرعت العديد من التجمعات النسوية ومجموعات البحوث ووسائل الإعلام في إعداد إحصائيات خاصة بها لهذه الجرائم.

في سويسرا، يتم نشر العمل الذي تقوم به جمعية Stop Femizidرابط خارجي منذ عام 2020 بانتظام في وسائل الإعلام. ودون الادعاء بأنَّ هذه القائمة شاملة، يمكننا أن نذكر الإحصائيات التي تقدمها Femicide Censusرابط خارجي في المملكة المتحدة، وتلك التي تُعدُّها صحيفة ليبيراسيونرابط خارجي في فرنسا، و Casa delle donne per non subire violenzaرابط خارجي في إيطاليا، و Feminicidio.netرابط خارجي في إسبانيا ومدونة Stop féminicideرابط خارجي في بلجيكا وFeminicid.netرابط خارجي في روسيا إلخ.

بيد أنَّ لكل واحدة من هذه المبادرات الخاصة طريقتها الخاصة بها. فمنها على سبيل المثال من تختار تسجيل جميع النساء المقتولات من قبل رجال في إحصاءاتها، بغض النظر عن ظروف الحادثة، وهو ما يراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة “غير دقيق”.

وتوصي التوجيهات الأممية الجديدة باستمرار اعتبار قتل النساء في الفضاء العائلي، بشكل افتراضي، كجرائم قتل بحق النساء. وفضلاً عن ذلك، تُوصي بالأخذ بعين الاعتبار بثمانِ سمات، متعلقة بظروف الجريمة أو بطريقة القيام بها، والتي تُعتبر كمؤشرات على البعد الجنساني للجريمة.

محتويات خارجية

إطار إحصائي جديد لقياس جرائم القتل بحق النساء

تأمل الأمم المتحدة أن تتبنى الدول، وكذلك المجتمع المدني، هذا المعيار الإحصائي. وتشجعهم بشدة على فعل ذلك، ولكن دون أي إلزام. وفي جميع الأحوال، يقول أنريكو بيزونيو: «لن يحدث ذلك بين عشية وضحاها».

ويتابع المتخصص في إحصاءات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة قائلاً: «نحن نعلم أنَّ الدول ستحتاج بعض الوقت للتأقلم وجمع الموارد، بما في ذلك الموارد المالية، لأنها ستضطر لتغيير الطريقة التي تجمع بها المعلومات من الشرطة وجميع العاملين في أجهزة القضاء الجنائي». وستقوم الهيئة بمساعدة الدول في مرحلة التنفيذ هذه.

كيف هو الوضع في سويسرا؟

تقع سويسرا، العضوة في اتفاقية إسطنبولرابط خارجي لمكافحة العنف الممارس ضد النساء منذ عام 2018، في منتصف المجموعة مقارنة بالدول الأوروبية من حيث العنف العائلي. ويعتبر معدل النساء اللاتي يتم قتلهن في إطار العلاقة الزوجية أو العائلية، بنسبة 0,48 لكل 100 ألف، أقل مما هو عليه في فنلندا وألمانيا، ولكنه أعلى مما هو عليه في فرنسا أو إيطاليا.

وعلى الرغم من أنَّ العدد المُطلق لجرائم القتل منخفض، إلا أنَّ نسبة الجرائم المرتكبة في إطار علاقة زوجية تعدّ كبيرة، حيث تبلغ حوالي 40%، بحسب سينا ليشتي، مسؤولة الاتصالات في المكتب الفدرالي للمساواة بين الجنسينرابط خارجي.

وأظهرت دراسةرابط خارجي حديثة أُجريت بتكليف من الحكومة السويسرية أنَّ الغالبية العظمى من جرائم القتل بين الزوجين تُرتكب من قبل الرجال (90 %) وتكون ضحاياها من النساء (96 %). وبقيت هذه المعدلات مستقرة على مدار الـسنوات الخمس والعشرين الماضية، على الرغم من انخفاض عام في جميع أنواع جرائم القتل الأخرى.

محتويات خارجية

في عام 2016، أشار «التحليل الجنساني للموت العنيفرابط خارجي»، الذي نشرته منظمة مسح الأسلحة الصغيرةرابط خارجي غير الحكومية في جنيف، إلى أنَّ سويسرا كانت واحدة من بين الدول المتقدمة النادرة التي لديها معدل كبير من جرائم قتل النساء ـ من جميع الأنواع ـ أعلى من معدل جرائم قتل الرجال. ولا يزال هذا الكلام صحيحا حتى اليوم.

وفي السنوات الأخيرة، أظهرت سويسرا أنها تلميذة نجيبة حيث تقوم بتقديم إحصاءات الشرطةرابط خارجي (التي تمَّ استنتاج الرسم البياني أعلاه منها) والتي تميّز بين جرائم قتل النساء التي حدثت داخل وخارج الفضاء الخاص، وتوضح جنس الضحايا، ومرتكبي الجرائم، وتذكر العلاقة التي تربط القاتل بالضحية. وبذلك، تتماشى هذه الإحصاءات مع معايير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة التي كانت سائدة حتى الآن.

أما بالنسبة للإطار الجديد، فالكنفدرالية «تؤيّده بشكل عامرابط خارجي»، معتبرة أنَّه «يجب تحديد نهج إحصائي مشترك ليسمح بإجراء مقارنات ويساعد على اتخاذ قرار يرتكز على أدلة». ولكن يبقى علينا معرفة كيفية الانتقال من المبدأ إلى الواقع. فالتوافق مع توصيات الأمم المتحدة تترتب عليه بالفعل آثار قانونية وعملية ينبغي تحليلها، بحسب ما أشارت إليه مختلف الأقسام المعنية في المكتب الفدرالي للإحصاء، الذي قامت SWI swissinfo.ch بالتواصل معه.

وأكد المكتب الفدرالي للإحصاء أنَّ «لدى كل من الكنفدرالية وشرطة الكانتونات حساسية من هذه المسألة وسيتعيّن عليهما إيجاد حلول تسمح بتحديد هذه الظاهرة والإبلاغ عنها في مجملها». وهو ما سيتطلب نشر التوعية واستخدام وسائل توصل إلى مسرح الجريمة، بهدف تكييف الطريقة التي تجمع بها الشرطة عناصر الخلفية المكونة لجرائم قتل النساء والتبليغ عنها. ولا زال من السابق لأوانه القول ما إذا كان ذلك ممكناً من الناحيتين التقنية والمادية، ومن المقرر القيام بدراسات حول هذا الموضوع خلال هذا العام.

وكانت سويسرا أطلقت في عام 2019 تحقيقاً إضافياً حول جميع جرائم القتل، والذي من المقرر أن يستمر لغاية عام 2024. والهدف منه هو معرفة المزيد عن ظروف حياة الضحايا والمُشتبه بهم، بالإضافة إلى ملابسات الجرائم المُرتكبة.

في هذا الإطار، تمَّ وضع استبيان خاص، يسمح للعاملين في الشرطة بجمع معلومات إضافية مختلفة ـ على سبيل المثال حول الوضع المهني للأشخاص أو حول العنف الذي تعرّضوا له من قبل. وأشارت المكاتب الفدرالية التي تواصلت معها SWI swissinfo.ch إلى أنه سيتم استخدام نتائج هذه الدراسة بشكل خاص للوقاية من جرائم قتل النساء. كما يُظهر هذا التحقيق في جميع الأحوال أنَّ جمع المعلومات حول الظروف الاجتماعية والثقافية للجرائم مُمكن وأنَّ الإرادة السياسية موجودة.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: بولين توروبان

برأيك، ما هي الإجراءات الفعالة لمحاربة ظاهرة قتل الإناث؟

هل يُمكنك التفكير في تدابير محددة من شأنها أن تُساعد على مكافحة “أكثر مظاهر العنف ضد المرأة تطرفاً”؟

2 إعجاب
32 تعليق
عرض المناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية