مأساة جديدة تبرز مصر كمحطة عبور رئيسية لقوراب الموت
في الذكرى الخامسة عشرة لانطلاق شرارة “الربيع العربي”، تتقاطع ثلاثة تقارير صحفية تعكس مشهدا عربيًا معقّدًا: في تونس، تتلاشى آمال الثورة بسبب أزمة اقتصادية. وفي البحر المتوسط، تبتلع الأمواج قوارب مهاجرين معظمهم مصريون.ات. بينما في القدس الشرقية، تواجه الأونروا قيودًا متزايدة واقتحامات لمقراتها، وسط جدل قانوني ودولي.
في تقرير نشرته صحيفة تاغيس انتسايغير، كُشف عن تفاصيل مأساة جديدة في البحر المتوسط، حيث قضى ما لا يقل عن 32 شخصًا حتفهم.نّ في حادث غرق قارب مهاجرين قرب جزيرة كريت اليونانية.
وتأتي هذه الفاجعة بينما كانت عاصفة خريفية عنيفة تضرب المنطقة، مصحوبة برياح تجاوزت سرعتها 90 كيلومترًا في الساعة، ما جعل عمليات الإنقاذ في غاية الصعوبة. وأعلنت السفارة المصرية في أثينا أن عدد القتلى والمفقودين.ات “أعلى بكثير مما أعلنته السلطات اليونانية في البداية”، مشيرة إلى أن معظم الضحايا من الشباب المصريين”.
رغم تراجع عدد القوارب المنطلقة من مصر، لا يزال البحر المتوسط يحصد أرواحًا جديدة كل أسبوع.
صحيفة تاغيس أنتسايغير
أعلن خفر السواحل اليونانية في وقت سابق أن عدد الضحايا كان 18 شخصًا، لكن السفارة المصرية كشفت لاحقًا عن الرقم الفعلي للوفيات.
ونشر خفر السواحل اليونانية صورة تُظهر عددًا من المهاجرين.ات وهم يتجمعون على سطح قارب صيد قديم، قبل أن ينقلب ويغرق. وتوضّح الروايات أن الظروف الجوية السيئة قد أعاقت جهود الإنقاذ، مما زاد من حجم الكارثة.
وصرح السفير المصري في أثينا، عمر عامر، بأن “الحادثة تعتبر مأساوية بكل المقاييس.”
ويضع التقرير هذه الكارثة ضمن سياق أوسع يتعلق بالهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط. فإلى جانب ليبيا وتونس، “تُعتبر مصر من أهم دول العبور للمهاجرين في طريقهم إلى أوروبا.” إذ تستضيف آلاف اللاجئين.ات القادمين.ات من دول مثل سوريا، والسودان، وبلدان أخرى في أفريقيا.
ورغم أن السلطات المصرية شددت منذ سنوات إجراءاتها ضد شبكات التهريب، فإن ذلك لم يوقف تدفق الراغبين.ات في الهجرة، بل دفع كثيرين وكثيرات إلى سلوك طرق أكثر خطورة عبر ليبيا أو شرق المتوسط: “منذ سنوات، تتخذ السلطات المصرية إجراءات صارمة ضد المهربين، ما أدى إلى تراجع عدد القوارب التي تنطلق من سواحلها.”
وتختتم الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى استمرار هذه المآسي، على الرغم من انخفاض التغطية الإعلامية: “على الرغم من تقلص عدد القوارب التي تغادر مصر، إلا أن البحر المتوسط لا تزال تُفقد فيه أرواح جديدة كل أسبوع.”، حسبما ذكرت الصحيفة.
(المصدر: صحيفة تاغيس أنتسايغيررابط خارجي، 17 ديسمبر 2025، بالألمانية)
من بن علي إلي قيس سعيد..هل عاد الزمن إلى الوراء؟
في الذكرى الخامسة عشرة لانطلاق الثورة التونسية، تنقل الصحفية آنه ألمِلينغ في تقرير موسّع من العاصمة تونس صورة قاتمة لبلدٍ يبدو، وكأنه عالق في دوامة من التراجع، حيث تلاشى الأمل الذي انبعث عام 2011، ليحلّ محله شعور طاغٍ بالخيبة والاختناق السياسي، كما تقول الكاتبة: “بعد خمسة عشر عاماً من الربيع العربي، تبدو تونس وكأنها عادت تقريبًا إلى زمن بن علي.”
تجعل البطالة المرتفعة الشبان أكثر انكفاءً عن العمل العام… فكيف يمكن لشاب عاطل أن يشارك في الحياة السياسية، وهو لا يجد قوت يومه؟
المؤرخة قمر بندانة، عن صحيفة نويه تسورخير تسايتونغ
فالثورة التي ألهمت العالم العربي، تحوّلت إلى ذكرى باهتة، والديمقراطية التي وُعد بها التونسيون.ات تبدو اليوم مهددة في جذورها، وفق الصحيفة.
وتبدأ الكاتبة المشهد من مقهى في شارع الحبيب بورقيبة، رمز ثورة 17ديسمبر/ 14 يناير، حيث يجلس محمد سالم، مخرج شاب شارك في احتجاجات 2011، يتحدث عن التراجع الذي أصاب بلاده: “اليوم يأتي الترام مرة في الساعة ، إن أتى أصلًا”.
وفي استعادة موجزة لتاريخ الثورة، تذكّر الصحفية بأن الشعب التونسي أطاح بحكم زين العابدين بن علي بعد 23 عامًا من الحكم السلطوي، لكن آمال التحوّل الديمقراطي سرعان ما اصطدمت بعقبات البطالة والفساد.
وترصد الكاتبة الانحدار التدريجي من الحلم الديمقراطي إلى الحكم الفردي. فالنخبة الحاكمة، التي وصلت إلى السلطة بانتخابات نزيهة عام 2019، “استأثرت بالحكم مستخدمةً بنود الطوارئ وحالة الاستثناء” كما توضح ألمِلينغ ، “لقد عادت بتونس إلى مناخ يذكّر بزمن بن علي”. وتنقل عن سالم قوله: “يجب أن ترحل… هذا الوضع كارثة للبلد.”
وفي خلفية هذا التحول، يبرز التقرير أرقامًا مثيرة للقلق: تونس تراجعت في تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” من المرتبة 73 عام 2021 إلى المرتبة 129 من أصل 180 بلداً عام 2025، في مؤشر على التضييق المتزايد على حرية الصحافة.
وتقول المؤرخة قمر بندانة، وهي من الأصوات القليلة التي لا تزال تعبّر عن آرائها علنًا: “تمنع السلطات الناس من التظاهر، وهم.نّ ييأسون بسرعة.” وتضيف كيف تجعل البطالة المرتفعة الشبان أكثر انكفاءً عن العمل العام…فكيف يمكن لشاب عاطل أن يشارك في الحياة السياسية وهو لا يجد قوت يومه؟”.
وتُظهر البيانات الرسمية أن واحدًا من كل ثلاثة أشخاص ممن تخرجوا.ن من الجامعات في تونس بلا عمل، وأن الحد الأدنى للأجور البالغ 165 يورو شهريًا مقابل 48 ساعة عمل أسبوعيًا، بالكاد يكفي للعيش.
وتعود الكاتبة إلى سيدي بوزيد، مهد الثورة ومكان انطلاق شرارة محمد البوعزيزي، موضحة أنه بعد خمسة عشر عامًا، لم يتغير الكثير في المدينة: الطرق متربة، والمرافق العامة غائبة، والشباب بلا أفق. ويقول سالم، أحد القاطنين في المدينة بمرارة: “في سيدي بوزيد، لا يمكن فعل أي شيء على الإطلاق.”
وسط هذا المشهد القاتم، تُبرز الصحفية قصة مروى بن شرادة، رائدة أعمال شابة عادت من باريس لتؤسس منصة رقمية للأمهات الشابات، وهي تقول: “أريد أن أُسهم في إنعاش الاقتصاد التونسي… فالبلد يملك طاقة هائلة.”
لكن هذا التفاؤل ليس المزاج السائد، فالمعلم حسن إبراهيم، أحد المشاركين في احتجاجات 2011، يختتم حديثه قائلا: “كان والدي يحاول دائمًا إبعاد أخي وأنا عن الاحتجاجات والمظاهرات”. ويضيف: “لو كان لدي أطفال، لفعلت العكس تمامًا، كنت سأقول لهم: انزلوا إلى الشارع!”
(المصدر: صحيفة نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي ، 17 ديسمبر 2025، باللغة الألمانية)
في القدس الشرقية، الأونروا تندد بـ”تدخل سياسي” من إسرائيل
تناولت الصحفية فاني ليونور كروزِه من القدس، اقتحام مقر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، حيث صادرت الشرطة الإسرائيلية وممثلو بلدية القدس حواسيب وهواتف وأثاثًا من داخل المقر. وتأتي هذه الحادثة في سياق التوتر المستمر بين الوكالة وإسرائيل، وتثير تساؤلات قانونية بشأن وضع الأمم المتحدة في القدس الشرقية.
ووفق ما نُقل عن الشرطة الإسرائيلية، فقد تمّت العملية في إطار “إجراء لتحصيل ديون ” تقول السلطات إنها مستحقة على الوكالة. لكن ما أثار ردود فعل حادة هو استبدال علم الأمم المتحدة بعلم إسرائيلي على سطح المبنى، الذي تم إخلاؤه في وقت سابق، بعد صدور قرار بحظر أنشطة الأونروا داخل إسرائيل.
وقال رولان فريدريش، مدير الأونروا في الضفة الغربية والقدس الشرقية: “ما حدث غير مسبوق، ويثبت بوضوح أنه ليس نتيجة دين مالي.”، مضيفًا: “حتى لو كان الأمر يتعلق بإجراء قانوني، فإن جامعي الديون لا يرفعون الأعلام الوطنية فوق مبانٍ رسمية.”
ووصف فريدريش الخطوة بأنها “إجراء سياسي جديد” من قبل إسرائيل ضد الوكالة، التي حُظر عملها في الأراضي الإسرائيلية أو التعاون مع مؤسساتها، منذ يناير 2025.
وتُشير الصحيفة إلى أن اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946، التي تُعد إسرائيل طرفًا فيها، تُعفي ممتلكات المنظمة الدولية من الضرائب أو الإجراءات المحلية. ولذلك، اعتُبر اقتحام مقر الأونروا انتهاكًا للقانون الدولي.
كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى أن مباني الأمم المتحدة تتمتع بحصانة مماثلة لتلك الممنوحة للسفارات، واصفًا ما جرى بأنه: “دخول غير مصرح به من قبل الشرطة الإسرائيلية”.
و تذكّر الصحيفة بأن هذا الاقتحام ليس الأول منذ دخول قرار الحظر حيّز التنفيذ. ففي 26 مايو الماضي، دخل نائب في الكنيست الإسرائيلي برفقة عدد من الأشخاص، ووسائل الإعلام إلى مقر الأونروا دون إذن، معلنين نيتهم: “تحرير المقر السابق للأونروا” بغرض تحويله إلى حي سكني إسرائيلي.
وفي ذلك الوقت، وصفت الأونروا التصرف بأنه: “استفزاز غير قانوني”. وشهد مقر الأونروا في الشيخ جراح عام 2024 حوادث عدّة، منها حرائق وتظاهرات.
وتواصل الصحيفة الحديث عن المسار القانوني المتمثل في دعوى مقدمة للمحكمة العليا الإسرائيلية تطالب بإلغاء قانونين يمنعان أنشطة الأونروا. وتنقل عن المحامية سهاد بشارة، من منظمة عدالة الحقوقية، قولها: “كان من المفترض أن تُعقد الجلسة في نوفمبر، لكنها أُرجئت إلى 2 فبراير، هذا كل ما نعلمه.”
وقد قُدّمت العريضة بالنيابة عن لاجئين.ات فلسطينيين.ات يعيشون في مخيمات شمال الضفة الغربية، حيث تُعد الأونروا الجهة الرئيسية التي تقدم لهم خدمات التعليم والصحة.
ذكرت الصحيفة أن الحظر الذي فرضته إسرائيل على أنشطة وكالة الأونروا جاء بعد اتهام بعض موظفيها في غزة بالمشاركة في هجمات 7 أكتوبر 2023. ومنذ ذلك الحين، اعتبرت الوكالة “منظمة إرهابية” من قبل إسرائيل. ومع ذلك، ردت محكمة العدل الدولية في 22 أكتوبر 2025 على هذه الادعاءات، موضحة أن: “إسرائيل لم تثبت أن نسبة كبيرة من موظفي الأونروا هم أعضاء في حماس […] أو فصائل إرهابية أخرى”.
وفي ختام التقرير، تنقل الصحفية عن رولان فريدريش تأكيده أن أي موظفين ثبُت تورطهم قد تم فصلهم فورًا، مشددًا على التزام الأونروا التام بالحياد المهني: “حتى لو ظهرت أدلة ملموسة، فإن الموظفين.ات المعنيين.ات فُصلوا بالفعل، ونحن نعمل على تطبيق ضمانات الحياد.”، وفق ما أفادت الصحيفة.
(المصدر: صحيفة لوتونرابط خارجي ، 13 ديسمبر 2025، بالفرنسية)
مقالاتنا الأكثر قراءة هذا الأسبوع:
صحيفة تكشف أسرار حياة بشار وعائلته اليوم في موسكو
هل ستغرق لحوم الأبقار الأمريكية المٌعالجة المتاجر السويسرية؟
نلتقي مجددًا يوم 9 يناير في العام المقبل مع تغطيات جديدة .
نتمنى لك عامًا جديدًا مليئًا بالسلام والخير.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.