The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

التبنّي غير القانوني: من أحضان الأمهات في تشيلي إلى أسر سويسرية

التبنّي غير القانوني العابر للحدود
سانتياغو دي تشيلي: امرأة تتأمل أحذية صغيرة لرُضّّع، تحوّلت إلى رمز لتخليد ذكرى أطفال تبنّتهم عائلات أجنبية، بطرق غير قانونية. Malte Seiwerth

حتى تسعينات القرن الماضي، ظلَّت عمليات التبنّي غير القانوني العابر للحدود حاضرة في تشيلي. وفي تلك الفترة، انتُزع أكثر من 20 ألف طفل وطفلة من أمهاتهم، ووصل المئات منهم إلى سويسرا بدعم من السفارة السويسرية في سانتياغو.

منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، تزايد عدد العائلات السويسرية المتبنية لأطفال أجانب، وغالبًا من بلدان وُصفت آنذاك بأنها “نامية”. وتنوّعت الدوافع وراء ظاهرة التبني، بين الرغبة في الإنجاب، وقلة الأيتام في سويسرا، والأمل في توفير حياة أفضل لأطفال فقراء. ووفقًا للإحصاءات، تبنَّت أسر سويسرية أكثر من 15،000 طفل وطفلة حتى عام 2000.

وكانت أفضلية التبنّي تعود إلى تشيلي، نظرًا “للون البشرة البيضاء”، بحسب ما كتبت السفارة السويسرية عام 1989. وقد تبنّت عائلات سويسرية ما لا يقل عن 384 طفلًا من تشيلي. ولإعداد تقرير لسويس إنفو (Swissinfo.ch)، اطّلعتُ على 34 ملفًا، في المحفوظات الكانتونية، لعمليات تبنّي أطفال مجهولي الهوية من تشيلي.

وبحسب التقديرات، سمحت تشيلي بتبنّي أكثر من 20،000 طفل وطفلة، بادعاء تخلّي العائلات عنهم. لكن في الحقيقة، انتُزع الكثير منهم من أمهاتهم، فيما كانت الجهات الوسيطة، عديمة الضمير، تجني الأرباح من عمليّات التبنّي. واليوم، يطالب الأشخاص المعنيون، بالحقيقة والعدالة.

المزيد
التبني غير القانوني

المزيد

التعاون الدولي

لماذا تحظر بعض الدول تبني الأطفال من خارج حدودها؟ 

تم نشر هذا المحتوى على تدعي الدول التي تحظر عمليات التبني الدولية أنها تفعل ذلك من أجل رفاهية الطفل، ولكن في بعض الأحيان يكون الأمر متعلقاً بحسابات جيوسياسية فحسب.

طالع المزيدلماذا تحظر بعض الدول تبني الأطفال من خارج حدودها؟ 

التخلي… جرح رافق الأطفال

تبنّت عائلة من فيفي أنجيلين-لوليتا ماسون، وهي في عمر ثلاثة أشهر. وتقول: “لطالما اعتقدت أن أمي تخلّت عني”. فقد أخبر محامٍ والديها بالتبنّي بترك إحدى العاملات في الدعارة المولودةَ، وإنقاذه إياها.

لكن قبل عامين فقط، وبعد بلوغها 37 من العمر، اكتشفت ماسون أن والدتها أُجبرت على التخلي عنها. ومن الراجح أن المحامي قد حقق أرباحًا من هذه الصفقة، بينما واصلت الأم، كليمنتينا روزا بيسيرا ليون، البحث عن ابنتها.

التبنّي غير القانوني العابر للحدود
أنجيلين-لوليتا ماسون خلال لقائها بوالدتها، في يناير 2025. Franziska Frutiger

وقد عاشت آلاف النساء المأساة نفسها. ففي مارس 2025، وفي إطار عمل رمزي لمنظمة “أبناء وأمهات الصمت” (HMS)، التي تجمع الأمهات البيولوجيات في تشيلي، وضعت الأمهات أمام متحف حقوق الإنسان في سانتياغو، جوارب محاكة يدويًا، على شكل مجسّم كرتوني يجسّد عملية خطف طفل.

كان العديد من هؤلاء النساء شابات، وغير متزوجات غالبًا، وينتمي بعضهن إلى أقليات من السكان الأصليين. وكنّ يعشن في مناطق ريفية، أو في أحياء فقيرة في المدن. وبعد الولادة، كان الطفل يُنتزع منهن. وفي بعض الحالات، قيل لهن إنه وُلد ميتًا. وفي حالات أخرى، كان بعض كوادر العمل الاجتماعي، أو أفراد العائلة، يُجبرون الأم على الانفصال عن مولودها.

دور المحاكم التشيلية

كشفت تحقيقات صحفية، كتلك التي أجراها الموقع الاستقصائي التشيلي “سيبر”، لعب أشخاصٍ على مقاعد القضاء، دورًا محوريًا في عمليات التبنّي غير القانونية. فقد كانوا جزءًا من شبكة تضم أشخاصًا من طواقم المستشفيات، ومكاتب المحاماة، ومؤسسات الخدمات الاجتماعية، ووكالات دولية للتبنّي. وكانت هذه الشبكة تحدد الأمهات المستهدفات في وقت مبكر، وتنتزع مواليدهن بالقسر أو الخداع، بهدف الربح المادي.

وفي يونيو 2025، أصدرت إحدى المحاكم في تشيلي أوامر توقيف أولية بحق قاضية، وأربعة أشخاص آخرين متورطين في القضية. ورغم أن الوقائع تعود إلى أكثر من 30 عامًا، فإنه ما زال من الممكن ملاحقتهم جنائيًا. وتعتبر العدالة التشيلية أن عمليات التبني غير القانونية، انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان؛ ما يسمح بملاحقة الجريمة رغم تقادمها.

وبلغت عمليات “تصدير” الأطفال ذروتها خلال فترة الدكتاتورية العسكرية (1973–1990). وكان من المستحيل الاعتراض على قرارات المحاكم. أما الأمهات اللواتي لم يصدقن مفارقة مواليدهن الحياة فورًا، فكنّ يتعرضن لتهديدات من الشرطة، وكان الاعتقال قد يؤدي بهن إلى التعذيب، أو حتى الموت.

وثائق تبدو قانونية

عند اطّلاعي على 34 ملفًا، لعمليات تبنّي أطفال مجهولي الهوية من تشيلي، لم أجد سوى معلومات قليلة جدًا عن هويات هؤلاء الأطفال. ففي بعض الحالات، لا يوجد سوى إذن قضائي بالسفر إلى الخارج، بينما تفتقر الملفات إلى أي وثائق تثبت موافقة الأم أو تخلّيها عن مولودها، وكانت هذه المعلومات إلزامية للمضي في إجراءات التبنّي في سويسرا.

وتتضمّن ملفات أخرى تفاصيل أكثر؛ ففي الكثير من الأحيان، كانت هناك إجراءات قضائية تمنح الوصاية لزوجين تمهيدًا لتبنّي الطفل في سويسرا. وتذكر محاضر الجلسات إن كانت الأم البيولوجية حاضرة ووافقت، أو إن كان المولود قد “تُرك” في المستشفى. كما زعمت بعض تقارير الخدمات الاجتماعية أنّ الظروف المعيشية الصعبة دفعت والدي الطفل البيولوجيين، إلى إعطاء طفلهما للتبنّي. ويبدو كل شيء قانونيًّا على الورق.

رغم ذلك، أشارت الأبحاث التي أجريتها لصالح صحيفة بيوباشتررابط خارجي، إلى أن بعض الوثائق القضائية كانت تحتوي على بيانات كاذبة؛ فكانت شهادات الوالدين البيولوجيين مختلقة، وموافقاتهما مزوّرة. كانت هذه العمليات تنتزع الأطفال من أحضان أمهاتهم، دون إبلاغهن أو إشراكهن في أي إجراءات.

دور السفارة السويسرية

التبنّي غير القانوني العابر للحدود
عرض فني رمزي، بمناسبة لقاء نظّمته منظمة “أبناء وأمهات الصمت” في سانتياغو دي تشيلي. Malte Seiwerth

كان بإمكان السلطات السويسرية التدخّل. فبحلول أغسطس 1988، نشرت صحيفة سونتاغس-زايتونغ تحقيقًا حول الاتجار بالأطفال في تشيلي. ووصف الصحفي نظامًا يقدّم أطفالًا “متروكين”، مقابل مبالغ تصل إلى 22،400 فرنك سويسري. وتستمد هذه “المافيا” قوّتها من الفقر، وغياب وسائل منع الحمل، والدكتاتورية العسكرية.

ويوجد هذا المقال أيضًا في الأرشيفات الفدرالية، ضمن وثائق السفارة السويسرية في سانتياغو. لكن بدلًا من التنديد بالمخالفات وإبلاغ السلطات السويسرية، واصلت السفارة نشاطها الترويجي لعمليات التبنّي من تشيلي. ويتضمن أرشيف مدينة برن رسائل، قدَّم فيها بعض كوادر البعثة الدبلوماسية نصائح للأزواج المهتمين بالتبنّي، وذلك حتى تسعينات القرن الماضي. وقدَّمت لهم عناوين وكالات، ومعلومات عن المناطق التي تضم أكبر عدد من الأطفال، المتاحين للتبنّي. بل، أبدى بعض أفراد الطاقم الدبلوماسي في دول أخرى، اهتمامهم الشخصي بالتبنّي.

وفي عام 2020، قدّمت الحكومة السويسرية اعتذارًا عن تقصيرها في الماضي، وأمرت بإجراء دراسات للتعمّق في حجم عمليات التبنّي غير القانونية.

نهاية التبنّي غير القانوني

بدأ قطاع التبنّي يخضع تدريجيًّا للتنظيم القانوني، مع عودة الديمقراطية في عام 1990. وخلال تسعينات القرن الماضي، أدخلت تشيلي إصلاحات لمكافحة الفساد في النظام القضائي، والحدّ من عمليات التبنّي الدولية. وفي عام 1999، انضمت البلاد إلى اتفاقية لاهاي بشأن حماية الأطفال، والتعاون في مجال التبنّي الدولي، أي قبل ثلاث سنوات من انضمام سويسرا. ومنذ ذلك الحين، أصبحت عمليات التبنّي ممكنة بين الدول الأعضاء فقط، ما أدّى إلى إنهاء عمليات التبنّي من تشيلي إلى سويسرا.

اليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عامًا، لا يزال آلاف الأشخاص يبحثون عن والديهم البيولوجيين، أو عن أبنائهم المفقودين. وتطالب منظمة “أبناء وأمهات الصمت” الدول المعنية بالتعاون في البحث عن أصول الأطفال. ويشكّل إنشاء قاعدة بيانات للحمض النووي الخطوة الأساسية في ذلك؛ إذ غالبًا ما كانت البيانات المسجلة أثناء التبنّي مزوّرة، أو ناقصة. وفي يونيو 2025، استجابت الحكومة التشيلية لهذا الطلب، وأعلنت عن إنشاء قاعدة البيانات.

وما زال العديد من الأشخاص، مثل أنجيلين-لوليتا ماسون، يشعرون بأن السلطات السويسرية قد تخلّت عنهم. وتقول: “كان اكتشاف الحقيقة عبئًا هائلًا”، وتعتبر أنها بحاجة إلى دعم أكبر، وأنه من الضروري اعتماد نهج يأخذ في عين الاعتبار احتياجات الضحايا.

وتضيف ماسون قائلة: “كان الاستقبال يتسم دائمًا باللطف، رغم الفوضى المؤسساتية الكبيرة”. ويؤدي هذا إلى أشهر من الانتظار، والتنقّل المستمر بين المكاتب. وتختتم قائلة: “أنا الآن أبحث أولاً عن تعويض معنوي، وعن فرصة لقضاء وقت مع عائلتي البيولوجية”.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: جولي هانت

ما هي في نظركم.نّ الأسباب الرئيسيّة لانخفاض معدلات الإنجاب؟

وصلت معدّلات الإنجاب في سويسرا إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، حيث انخفضت إلى 1.39 طفل.ة فقط لكل امرأة. فهل يقرّر المزيد من الأزواج والزوجات المحتملات عدم تكوين أسرة؟

47 إعجاب
41 تعليق
عرض المناقشة

تحرير: بنيامين فون ويل

ترجمة : إيفون صعيبي 

مراجعة: ريم حسونة

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية