The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

هل يملك المنتدى الاقتصادي العالمي خطة للنجاة؟

المنتدى الاقتصادي العالمي
شعار المنتدى الاقتصادي العالمي خلال القمة السنوية في دافوس، يناير 2024. The Associated Press.

تحت ضغط الفضائح والانقسامات، يواجه المنتدى الاقتصادي العالمي أخطر اختبار منذ تأسيسه. ومع اقتراب قمة دافوس 2026، يتوقف مصير المنظمة السويسرية على نجاح الاجتماع المرتقب العام المقبل.

في مطلع أغسطس، تسلّم مجلس أمناء المنتدى الاقتصادي العالمي تقريرًا سريًا من 37 صفحة. وجاء التقرير خاتمةً لتحقيق شامل امتد لعدة أشهر، وأثار اضطرابًا واسعًا داخل واحدة من أبرز المؤسسات على الساحة الدولية في مجالي السياسات والأعمال. إذ تمحور حول الرجل الذي أسّسها.

وبحسب التقرير، فحص فريق التحقيق، بقيادة مكتب المحاماة السويسري، هومبورغر (Homburger)، أكثر من 100 ألف رسالة إلكترونية. كما راجع 65 ألف وثيقة إضافية، واستجوب 59 شخصًا من الموظفين الحاليين والسابقين خلال 86 مقابلة.

محتويات خارجية
FT

وتناول التحقيق كلاوس شفاب، مؤسِّس المنتدى البالغ من العمر 87 عامًا، وزوجته هيلدي. وتحديدًا، بحث شبهات بتحويلهما المنتدى الاقتصادي العالمي ليس فقط إلى ما يشبه إقطاعية عائلية، بل إلى مصدر للربح الشخصي.

لكن، خرج التقرير بنتيجة واضحة: لا يمكن إثبات أي ممارسات جنائية. ولم تُرصد أيّ ممارسات غير قانونيّة رغم رصد بعض التجاوزات، كنفقات دون مبرر مهني واضح، وضبابية بين المصروفات الشخصية والمهنية، ورسائل إلكترونية محرجة، وسوء إدارة الموارد البشرية.

وبالنسبة إلى شفاب، مثّلت تلك النتيجة نوعًا من التبرئة. ففي الأسبوع نفسه، طالب بتعويض مالي، واعتراف علني بأن الاتهامات الموجهة إليه، وإلى زوجته كانت باطلة. وجاءت المطالب خلال اجتماع لمجلس إدارة المنتدى، ساده التوتّر، بحضور كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، ولاري فينك، رئيس بلاك روك، وشخصيات نافذة أخرى.

لكن رأى بعض الحضور في التقرير دلالة على مشكلة أعمق؛ إذ كشف نمطًا من الانفراد في اتخاذ القرار، وغموضًا في الحوكمة. وجذر المشكلة، بحسب هذا الرأي، هو المؤسِّس، مدير المنتدى لسنوات طويلة كما لو كان مشروعًا عائليًا.

وفي 15 أغسطس، أصدر المنتدى، من مقره في جنيف، بيانًا حذِر النبرة. فوفقًا له، “تكشف التجاوزات البسيطة، الناجمة عن الضبابية بين المساهمات الشخصية وعمليات المنتدى، عن التزام عميق، لا عن مخالفات مُتعمَّدة”.

كما تقرر تعيين لاري فينك، وأندريه هوفمان، نائب رئيس مجلس إدارة روش، كرئيسين مؤقتين للمنتدى. وعلاوة على ذلك، لم يمنح المنتدى شفاب لقب “الرئيس الفخري”.

وأضاف البيان: “سيسترشد المنتدى، في الفصل المقبل من مسيرته، بالمهمة الأصلية التي وضعها كلاوس شفاب ؛ جمع الحكومات، وقطاع الأعمال، والمجتمع المدني، لتحسين أوضاع العالم”.

وعلى مدى عقود، حملت تلك المهمة وزنًا كبيرًا. فقد تحوّل الاجتماع السنوي، في دافوس، إلى نقطة جذب لقيادات الدول، وعمالقة التكنولوجيا، وشخصيات من عالم الثقافة. وأصبح بمثابة منصة محايدة في قلب جبال الألب، تصوغ فيها النخبُ التوافقات، تحت مظلة الدبلوماسية السويسرية. كما كانت جلساته ترسم إطار النقاش في المراجعات الذاتية للرأسمالية العالمية، بينما تشهد ممراته حراكًا نشطًا لعقد الصفقات والتفاهمات الدبلوماسية.

ورغم رؤية البعض قمة دافوس مجرد ساحة للكلام، فقد حقَّقت، بين الحين والآخر، نتائج تتجاوز حدود بناء العلاقات. ففي عام 1988، استضافت القمة حدثًا جانبيًا مهد لإنهاء التوتر بين اليونان وتركيا، عندما وقَّع البلدان إعلانًا للسلام بينهما. وفي تسعينيات القرن الماضي، احتضنت حوارًا اقتصاديًّا بين شمعون بيريس، وعدد من القادة العرب عقب اتفاقات أوسلو. كما استخدم بيل غيتس منصة دافوس في العقد الأول من الألفية، لإطلاق مبادرات كبرى لتمويل اللقاحات.

لكنّ العالم الذي كان يتوافد إلى دافوس، آخذ في التغيُّر. واليوم، بات المنتدى يسير عكس التيار. فتتراجع التعددية الدولية، وتتصاعد النزعات الحمائية. كما تعيد المنافسة بين القوى الكبرى رسم نظام الحوكمة الدولي، والتنافس بين الولايات المتحدة والصين، وبين الغرب والجنوب العالمي تحديدًا.

وبدلًا من طيِّه صفحة سابقة، شكّل التقرير ذروة تفكك تدريجي ومؤلم، ليس فقط لإرث شفاب، بل للمؤسسة نفسها. فلم يفقد المنتدى مؤسِّسه فحسب، بل خسر أيضًا رئيسه المؤقت النافذ، بيتر برابيك ليتماتيه، الرئيس الفخري السابق لشركة نستله، بعد خلافه مع شفاب.

وبين اضطراب داخلي وتراجع في مكانته الخارجية، يمرّ المنتدى بلحظة مضطربة، بينما يستعد لاجتماعه المقبل في يناير 2026. وقد أُرسلت هذا الأسبوع الدعوات إلى الشخصيات المسجّلة لحضور الاجتماع السنوي في دافوس، تحت شعار “روح الحوار”.

ويقول جيمس برايدينغ (مؤلف كتاب صناعة سويسرية، القصة غير المروية لنجاح سويسرا): “قد يواجه المنتدى الاقتصادي العالمي التحدي الأكبر منذ تأسيسه عام 1971. فهو يواجه تحديات كبرى في آن واحد، من تراجع العولمة، إلى تزايد انعدام الثقة بالنخب، وصولًا إلى الانتقال المفاجئ من قيادة كلاوس شفاب.

ويضيف: “ليس الاجتماع المقبل مهمًّا فحسب، بل قد يكون اجتماعًا مصيريًّا للمنتدى”.

ففي مطلع أبريل، أبلغ شفاب مجلس المنتدى نيته التنحي، بعد أن ظلَّ وجه المؤسسة على مدى 54 عامًا.

وجاء التنحي بضغط من داخل المجلس، وخارجه. ففي العام الماضي، أمر المجلس، عقب تحقيق استقصائي لصحيفة وول ستريت جورنال، بإجراء تحقيق داخلي حول ثقافة العمل في المنتدى، خلص إلى عدم وجود مخالفات قانونية. لكنه كشف عن استياء واسع من أسلوب القيادة والإدارة.

ومع ذلك، لم يحدد شفاب موعدًا لرحيله. وبعد فترة وجيزة، سافر إلى فرانكفورت للقاء لاغارد، وبحث احتمال خلافتها له في رئاسة المنتدى. وكان من شأن هذا الترتيب، لو نجح، إبقاءه في موقعه حتى 2027، موعد انتهاء ولايتها كرئيسة للبنك المركزي الأوروبي.

وبعد أقل من أسبوعين، وصل إلى المجلس ملف من مُبلّغ مجهول الهوية يعمل في المنتدى. واتهمت الرسالة شفاب بإنفاق موارد المنتدى لأغراض شخصية، مثل جلسات تدليك في الفنادق، ورحلات عائلية، وسفرات دولية بلا غرض مهني واضح. وفي تقرير المنتدى الرئيسي، “تقرير التنافسية العالمية”، زعمت أيضًا وجود معاملة تفضيلية لبعض الدول. وادّعت اعتزام شفاب الاحتفاظ بعائدات حقوق نشر كتب، تكفّل المنتدى بإنتاجها، تقارب قيمتها 1،5 مليون فرنك سويسري.

وتضمَّنت الرسالة ادعاءات إضافية، منها إطلاق شفاب، متفرّدًا، مشروع “الميتافيرس”، باهظ التكلفة. كما ادَّعت فرضه وزوجته هيلدي، قيودًا على وصول الموظفات والموظفين إلى “فيلا موندي”، المنتجع الفاخر في جنيف الذي اشتراه المنتدى وجدّده. وزعمت أيضًا تحميل زوجته المنتدى تكاليف سفر خاص. كما اتَّهَمته الرسالة باستخدام طاقم العمل لدعم حملة شخصية من أجل حصوله على جائزة نوبل للسلام.

ويقول شخص من كبار الموظفين في المنتدى: “سأظل أتساءل إن كان اللقاء مع لاغارد هو ما أدَّى إلى التصعيد. إذ بدا لي، وكأن شخصًا استشاط غضبًا من نيته البقاء لعدة سنوات أخرى”.

وجاءت تلك الاتهامات كضربة قاضية. إذ تنحّى شفاب على إثرها. واستعان المنتدى بمكتب “هومبورغر” لإجراء تحقيق مستقل. وردًّا على ذلك، اتخذ شفاب مسارًا قانونيًا موازيًا لتبرئة اسمه. فرفع شكوى جنائية في جنيف ضد أطراف مجهولة. كما قدّم في يونيو دعوى مدنية، سمّى فيها المنتدى طرفًا في القضية، بحسب ما علمته “فايننشال تايمز”.

ووفقًا لشخص مطلع على القضية، “لم تكن هذه خطوة ضد المجلس. ولكنها تضمن قدرة شفاب على عرض قضيته أمام المحكمة، والحصول على معاملة عادلة”.

وتقول مصادر مطّلعة إنّ التحقيق الذي أجراه فريق المحاماة كان صارمًا، ولكنه منصف. ويضيف شخص خضع لكلا التحقيقين، الداخلي والمستقل: “كان [فريق المحاماة] دقيقًا للغاية. كانت التجربة في المرة الثانية مختلفة اختلاف الليل عن النهار. ففي التحقيق الأول، شعرتُ وكأنني مُتَّهَم. أما التحقيق الثاني، فقد ضمن لي السرية، ولن يتمكّن أحدٌ من اتخاذ إجراءات انتقامية ضدي. عندها شعرت، وشعر أشخاص آخرون خضعوا للمقابلات، ممن تحدثتُ إليهم، أنّ بإمكاننا قول الحقيقة”.

وعندما صدر تقرير “هومبورغر” في أغسطس، خلص إلى عدم إمكانيّة إثبات معظم الادعاءات، بما فيها الأشد خطورة.

وبحسب التقرير، الذي لم يُنشر للعموم، لكن اطلعت “فايننشال تايمز” على أجزاء منه، راجع فريق التحقيق 45 ألف بند مصروفات تخص عائلة شفاب. ووجدت شركة التدقيق الضريبي “BDO”، ما يقل عن خمسة آلاف فرنك سويسري من نفقات خاصة، تم تحميلها خطأً على المنتدى خلال 13 عامًا. وهي أخطاء قالت الشركة إنّ العائلة “لم تتعمَّد إخفاءها”. ولم يتمكن فريق التحقيق من تحديد ما إذا كانت هناك مبالغ أخرى. كما تبين أنّ تكاليف السفر كانت مرتفعة، لكن خلص التحقيق إلى أنّ لها مبرر مهني.

أمَّا الادعاءات المتعلقة بالتحرش الجنسي، والتمييز على أساس العمر، فقد رُفضت. كما لم تثبُت مزاعم سوء معاملة الموظفات والموظفين، رغم إشارة التقرير إلى وجود إجراءات مربكة وضعف في الإدارة.

وعن الجدل المتعلق بتقرير التنافسية العالمية، اعتبره التقرير مسألة إجرائية. فقد دفع شفاب نحو تحديث المنهجية لتأخذ مستوى الجاهزية الرقمية في الاعتبار، ما يغيّر ترتيب البلدان. فالهند، مثلًا، كانت ستتراجع إلى المركز 40 بعد أن كانت في المركز 40 في نسخة 2018-2017. وبسبب الخشية من أن يبدو التغيير اعتباطيًا، عاد شفاب إلى النموذج القديم، مع إضافة ملحق يشرح التعديل. كما عبّر عن قلقه من استغلال المعسكر مؤيد الخروج من الاتحاد الأوروبي، القفزةَ التي حققتها المملكة المتحدة من المركز السابع إلى الثاني.

وتبيَّنت أيضًا موافقة المجلس مسبقًا على مبادرة الميتافيرس، حاملة اسم “قرية التعاون العالمي”. وقد جاء تعيين أوليفييه، نجل شفاب، في دور قيادي بعد عملية اختيار تنافسية. وبالمثل، كان شراء “فيلا موندي”، وتجديدها بموافقة المجلس، الذي اختار المصمّم الداخلي الخاص بشفاب، لتقديمه سعرًا أقل من سعر السوق. ولم يثبت وجود أيّ تقييد غير عادل في الوصول إلى الفيلا.

ولم يمكن التحقق من ادعاءات أخرى، مثل هدية طقم شاي روسي أو أزرار أكمام من “تيفاني”. فقد تبيّن عدم احتفاظ المنتدى بأي جرد رسمي للهدايا. كما أشار فريق التحقيق إلى رفض هيلدي شفاب قبول لوحة باهظة الثمن في إحدى المناسبات، مراعاةً للأصول.

وفي النتيجة، لم يرقَ أي من الادعاءات إلى مستوى المخالفة الجنائية. ومع ذلك، رأى بعض أعضاء الفريق التنفيذي ومجلس الأمناء، كشفَ التقرير عن خلل أعمق في الحوكمة؛ سيطرة شفاب غير الخاضعة للمساءلة. كما كشف تقرير “هومبورغر” درسَه، دون عِلم أعضاء المجلس، نقل مقر المنتدى إلى دبي. ولكنه تخلى عن الفكرة لاحقًا.

ويقول شخص مقرّب من المجلس: “أدار شفاب المنتدى كما يدير المؤسِّس شركة ناشئة. وصحيح حظيت الكثير من القرارات بموافقة رسمية، لكن لم يضعه أحدٌ تحت المساءلة. وكان وجود الكثير من أعضاء المجلس مجرَّد مكافأة رمزية، وكانت قلة فقط مستعدة أو مهتمة بمواجهته”.

وأكّد التقرير وجود رقابة ضعيفة، وحدودًا غير واضحة بين المصالح الشخصية والمؤسسية. لكن وضع عدم توصّله إلى مخالفات جنائية المجلس أمام معضلة محرجة. فبدأت دعوى شفاب القضائية، والفضيحة التي لم تُطوَ بعد، تطغى على الاستعدادات لدافوس 2026.

ويقول أحد أعضاء مجلس الأمناء: “عندما عُرض التقرير على المجلس، صُدم بعض أعضائه فعليًا. فقد كان البعض يتوقَّع أن يكون مذنبًا، ولكن لم يتضمّن التقرير ما يدينه. عندها، أصبح واضحًا أنّنا بحاجة إلى تسوية للمضي قدمًا”.

ومباشرة بعد التسوية مع شفاب، تنحّى برابيك ليتماتيه، الرئيس المؤقت للمنتدى. وفي رسالة وجّهها إلى مجلس الأمناء والرئيس التنفيذي للمنتدى، بورغه برينده، أشار ليتماتيه إلى بيئة عمل “سامة”. وكان برابيك ليتماتيه في مقدمة الفئة الداعمة لشفاب، وشارك عن كثب في مسار المنتدى على مدى سنوات. لكن لم يعد الرجلان على تواصل اليوم.

وشملت التسوية ترتيبًا ماليًّا يتضمن مخصصًا تقاعديًّا، إلى جانب بيان رسمي يبرئ شفاب من أي مخالفة، وفصلًا واضحًا بين المؤسِّس والمنظمة. لكن أثار قرار عدم نشر التقرير للعلن اتهامات بمحاولة التستُّر.

وتقول إحدى الشخصيات الإدارية في المنتدى: “وصف البعض ما حدث بأنه تستُّر، لكنه لم يكن كذلك. كان شفاب صعب المراس، ومتغطرسًا أحيانًا، ويغيّر رأيه خمس مرات في اليوم. لكنه لم يكن يسعى للإثراء الشخصي. إنه ليس شخصًا سيئًا”.

ومع ذلك، لا تزال المعنويات داخل المنتدى هشّة. ويقول موظف آخر: “هناك تعبير لاتيني يقول: ‘Cui bono?’؛ من المستفيد؟ لا أعرف من استفاد فعلًا. فخسر شفاب، وخسر برابيك، وانقسم المجلس، وتضررت سمعة المنتدى. . . وإذا كان [هدف المُبلِّغ] هو إبعاد شفاب، فيبدو أنّ انتصاره كان باهظ الثمن”.

ويقول أشخاص مقرّبون من شفاب إنه يشعر بالحرمان من المكانة التي يعتقد أنه استحقها عن جدارة. فقد أسّس المنتدى من الصفر عام 1971، بأمواله الخاصة. وحوّله من ندوة إدارية متخصصة إلى مؤسسة عالمية ذات نفوذ شبه دبلوماسي، وإيرادات سنوية تتجاوز نصف مليار دولار. ويضيف هؤلاء أنه ربما كان منخرطًا في أدقّ تفاصيل إدارة المنتدى وفعالياته الكبرى، لكنه كان يعتقد أنّه يتصرف لصالح المؤسسة.

ووفقًا لشخص مقرَّب من شفاب: “لقد كرّس حياته للمنتدى. ولولاه، لما كان المنتدى الذي نعرفه اليوم. والآن، يسود شعور بحرمانه من إنجازه، ليس فقط المنصب، بل الإرث أيضًا”.

وعن المفارقة، يقول أشخاص مطّلعون إنّها تكمن في عكس الاضطراب داخل المنتدى مصير النظام التعددي، الذي كان يدافع عنه يومًا.

وعلى صعيد أوسع، تشير أزمة المنتدى إلى نهاية حقبة بأكملها، مرحلة ما بعد الحرب الباردة، المتّسِمة بالاندماج العالمي، والتفاؤل بالسوق، والمؤسساتية الليبرالية. فقد أنجبت تلك الحقبة دافوس، وظلّ يجسّدها لعقود.

لكن يبدو العالم اليوم مختلفًا تمامًا. فبات الاقتصاد العالمي مجزأً. وأصبحت السياسة المناخية تحدد الأجندات الوطنية. كما تزيد التقنيات الجديدة من تعقيد نظرة المجتمعات إلى المستقبل.

ويبدو أنّ فرضية تأسيس المنتدى، القائلة إن الحوار بين النخب يمكنه جسر الهوّات، لم تعد تعكس الواقع. وزادت الأمر تعقيدًا تغذية لغة المنتدى حول “إعادة ضبط” الرأسمالية وصياغة مستقبل العالم، مزاعم لا أساس لها، تتبنّاها جبهة نظريات المؤامرة، بتدبير المنتدى الأزمات بهدف توسيع سيطرة النخب على عامة الناس.

وفي ظلِّ تراجع دور المنتدى، دخلت جهات منافسة لملء الفراغ. فوسّع مؤتمر ميونيخ للأمن نطاقه ليتجاوز الدفاع، ليشمل نقاشًا جيوسياسيًّا أوسع. كما تطرح الرياض، عبر “مبادرة الاستثمار المستقبلي” المدعومة من الدولة، والمعروفة باسم “دافوس الصحراء”، بديلًا برَّاقًا. بدورها، تروّج الصين لحواراتها الخاصة، تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق.

ويقول تييري ماليري، المشارك في تأليف عدة كتب مع شفاب، ويحمل كتابه المقبل عنوان ‘موت دافوس’: “لقد كان دافوس دائمًا انعكاسًا لما يجري في العالم الأوسع. وقد نال مجده لأن الغرب كان مخمورًا بقوته، لكن ذلك انتهى. فالعالم يتجه نحو تعددية الأقطاب. وستظهر فعاليات في الصين، والرياض، وأسبن، بينما يتراجع دافوس الأوروبي ببطء إلى الهامش”.

ومن وجهة نظر أخرى، يرى ماليري، وغيره، أنّ بقاء المنتدى بات مرتبطًا بقدرته على إعادة ابتكار نفسه؛ على المستويات الهيكلية، والثقافية، والسياسية ليناسب عالمًا لم يعد يؤمن بتوافقات النخب. وسيتطلب هذا أكثر من مجرد تعيين رئاسة مشتركة جديدة. إذ سيحتاج المنتدى إلى مواجهة حدوده الذاتية، والتعامل مع الرفض المتزايد للعولمة المروّج لها.

أمَّا الاختبار الفعلي، فسيأتي في يناير. إذ قال شخص مطّلع على التحضيرات إنّ فينك انخرط شخصيًّا، وبشكل يفوق ما توقعه البعض، لضمان حضور شخصيات أمريكية بارزة.

في الأثناء، تتعرَّض أسماء كبرى من عالم الشركات، تجلس في مجلس إدارة المنتدى، لضغط من أجل التحرك للمساعدة في جلب قادة دول وعمالقة الصناعة إلى دافوس، لإقناع المشاركين بجدوى حضورهم المدفوع. أما برينده، فقد كان يسافر دون توقف خلال الأسابيع الماضية، بين أوروبا وأمريكا اللاتينية.

ويقول بعض أفراد الطاقم إن الرهانات كبيرة. ويضيف مدير في المنتدى: “هناك خشية من أنّ عدم قدرتنا على تقديم قمة ناجحة في دافوس، قد تدفع بعض الشركاء إلى إعادة النظر في علاقتهم بالمنتدى”.

وعلى صعيد الحضور، تتصدر شخصية مهمة قائمة الدعوات. ويقول برايدينغ: “يجب استهداف ترامب. فهو يملك قدرة على جمع الحضور، خاصة من وادي السيليكون”. وأكد أحد أعضاء مجلس الأمناء وجود نقاشات “واعدة” لضمان حضور الرئيس الأمريكي، الذي شارك مرتين شخصيًا في ولايته الأولى. ويضيف العضو: “ينصبُّ التركيز الآن على إنجاح الدورة المقبلة. ولاري فينك هو صاحب الفرصة الأفضل لتحقيق ذلك”.

وقال المتحدث باسم المنتدى، بلغ الإقبال على المشاركة “مستوى قياسيًا” في هذه المرحلة من التسجيل.

وعلى المدى الأبعد من دافوس 2026، يواجه المنتدى تحديًا أعمق يتعلق بجدواه، ومعناه. فوفقًا لأحد الأصوات المنتقدة، بات محتوى المنتدى سطحيًا، ويهيمن على جلساته التفكير التقليدي. وتقول شخصية شغلت سابقًا موقعًا قياديًا في المنتدى: “كان المنتدى يجازف، ويدفع الحدود. أما الآن، فأصبح الحرص السياسي يلازمه، وتسيطر عليه الجهات الراعية، مثل شركات الاستشارات. ولم يعد أحد مهتمًا بسماع ما يقوله ماكرون في دافوس”.

ويقترح البعض الانفتاح على مجالات كان شفاب يعارضها، مثل شركات السلاح. ويقول مسؤول سابق في المنتدى: “يُعاد تعريف قطاع الدفاع كمنفعة عامة في أوروبا، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وصعود ترامب. وقد يكون هذا أحد الاتجاهات الممكنة”.

ويرى البعض الآخر أنّ قيمة المنتدى تكمن في ما يجيده أساسًا، الجمع بين الأطراف وتنسيق الحوار. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما الذي تستطيع الإدارة الحالية إنجازه. فقد كان برابيك ليتماتيه أيضًا من الشخصيات المحورية في أنشطة المجلس وشؤونه.

ويقول أحد كبار المدراء: “بعد تجاوز يناير، يحتاج المنتدى إلى إعادة تفكير شاملة. لكنني لست واثقًا من تبنّي المجلس الحالي هذه الذهنية”.

ورغم كل ما سبق، هناك إدراك، حتى بين أعلى المناصب في المنتدى، لحاجة جوانب جوهرية إلى تغيير. ويقول أحد أعضاء مجلس الأمناء: ” ما زال للمنتدى سببٌ وجيه يبرِّر وجوده. بل هو اليوم أهم من أي وقت مضى. لكنّه انحرف عن مساره حين حاول التحوّل إلى ‘منتدى تأثير’. فقد كان هدفه التيسير، لا تحقيق النتائج بنفسه. ويتعيَّن على المنتدى مساعدة الأطراف الأخرى على تحسين حال العالم، لا ادّعاء القيام بذلك بمفرده “.

حقوق النشر محفوظة لفاينانشيال تايمز ليمتد 2025. 

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية