مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ســادة الـزّمـن

في البداية كان الزّمن، ثمّ جاءت الأغراض المبتكرة لترويضه. فنشأ المتحف العالميّ لصناعة السّاعات بلاشو دوفون، ليروي تاريخها.

هناك ساعات مخصّصة لأبراج الأجراس وأخرى بالرّقاص وللجيب وللمعصم، هناك أيضا ساعات صغيرة جدّا وأخرى عظيمة وأصليّة ومعقّدة أو بكلّ بساطة جميلة. أنها ساعات لجميع الأذواق.

عندما تستمع إلى الأصوات الصادرة عن السّاعات الدقاقة المعروضة في المتحف العالميّ لصناعة السّاعات بلاشو دوفون، لا تشعر بأنّها متزامنة نظرا لأنها آتية من عهد لم تكن فيه الدقّة موضع اهتمام وعناية، ولكنّ تكتكتها – وهي بمثابة جوقة أصوات ذات رنّات مختلفة – تصاحب بصفة ممتعة زائر المتحف.

يبدو أنّ “الكوكو”، (وهو العصفور الذي يُـطل من فتحة في أعلى الساعات التقليدية)، هو الوحيد الّذي يتخلّف عن إعلان السّاعة في المتحف، و”هذا صحيح”، كما يشرح مبتسما جان ميشيل بيغي، أحد المشرفين على المتحف، ويضيف، “لا نملك ولو ساعة واحدة بالكوكو، ولكن سنتحصّل في يوم من الأيّام على واحدة من هذا النّوع، وغالبا ما تطلَـب من قبل النّاس، ولكن من الضّروريّ أن نكون واضحين، هو ابتكار من منطقة الغابة السوداء، فالكوكو ألمانيّ الجنسيّة، وليس سويسريّا.

وادي السّـاعات

حتّى بدون كوكو، تظل المجموعة المعروضة في متحف لاشو دو فون فريدة من نوعها في العالم. ويلاحظ بيغي أنه “توجد متاحف أخرى خصّصت فضاءات للعلاقة بين الإنسان وقيس الزّمن، ولكن متحفنا هو الوحيد من هذا الحجم، الّذي يسخّر كليّا لتاريخ صناعة السّاعات”.

وبالفعل، ليس من المدهش أن يوجد هذا المتحف في لاشو دوفون، لأنّ المدينة توجد في قلب القوس الجوراسي – الفرنسي السّويسري، وهي منطقة ارتبط اسمها بتطوّر صناعة السّاعات، وكانت مرصّعة بورشات كبيرة وصغيرة تتألّف من أسماء بارزة، ابتداءً من باتاك فيليب إلى أودمار بيغي ومن زينيت إلى أوميغا ومن تيسّو إلى لونجاينس، فهي منطقة توجد بين جنيف ونوشاتيل وبازل، وقد سميت منذ فترة طويلة بوادي السّاعات.

ويلاحظ جون ميشيل بيغي بشيء من الاعتزاز أن “50% من السّاعات التّي تروّج في السّوق العالميّة أو على الأقلّ جزء منها، صُـنع في أحد مصانع المنطقة”.

وفي هذا الإطار، تحتلّ لاشو دوفون مكانة استثنائيّة. فعلى أنقاض القرية الّتي اندثرت من جرّاء حريق سنة 1794، نشأت بلدة شيدتها صناعة السّاعات، وتحولت الحياة فيها إلى إيقاع مرتبط بعمل المصانع. وإلى سنوات قليلة خلت، كانت طرقات البلدة، التّي تعتبر أجمل مثال معماري لأبنية للقرن التّاسع عشر، تُـقفر عندما تغلق المصانع أبوابها في فترات العطل ويصبح من المستحيل العثور على محل لبيع الخبز أو مطعم مفتوح.

من التّأخّر الميكانيكي إلى الدّقّة الذرية

منذ ملايين السّنين، كانت المراحل الشّمسيّة والقمريّة هي الّتي تحدد إيقاع حياة الإنسان. فيما بعد، أدّت ضرورة تجزئة الأيّام بصفة أفضل إلى ابتكار السّاعة الرّمليّة والهاجرة والمائية، وعدّة طرق أخرى غير ميكانيكيّة لقيس الزّمن. ويؤكّد جون ميشيل بيغي متوقّفا أمام ساعة برج فخمة، “هنا تبدأ القصّة الحقيقيّة لصناعة السّاعات، فالّذي اخترع عجلة مضرّسة تنظّم الحركة المسنّـنة داخل السّاعة بثقّالات، هو مبتكر عبقريّ مجهول”.

إثر ذلك، ومنذ القرن الثّالث عشر، أصبح بالإمكان قراءة السّاعة بعقرب واحدة فقط على أبراج الأجراس. ففي ذلك الحين، كان “لا زال من السابق لأوانه ابتكار عقرب الدّقائق لعدم ضروريّتها، ولأنّ السّاعات لم تكن دقيقة تماما”. في الواقع، كانت هناك فوارق زمنيّة كبيرة تصل إلى فارق ساعة في اليوم، ولتعديل السّاعة يتمّ الالتجاء إلى الهاجرة العتيقة والمعهودة.

من خلال العارضات الكرويّة للمتحف، الّتي تذكّر شيئا ما بالكواكب في مداراتها، تتوضّح بقيّة الحكاية. وبالفعل، تمّ في القرن الخامس عشر اكتشاف الزّنبرك، الّذي مكّن من نمنمة آلات السّاعة واستعمالها كنظام مرتّب يؤدّي إلى ازدياد في الدقّة. فمن خلاله، تمّ الوصول في القرن العشرين، إلى الحركة بالصّوّان وإلى السّاعة الذّريّة.

ويقول بيغي: “في الحقيقة، إنّ السّاعات بالصّوّان لم تحلّ محلّ السّاعات الميكانيكيّة، إذ أن سحر الحركة المعقّدة الّتي ترنّ بالتّيك تاك، لا يزال ينال إعجاب النّاس”. وفيما يخصّ السّاعات الذّريّة، الّتي أحدثت ثورة في مفهوم الدّقيقة، فحوّلتها عام 1967 إلى جزء من اليوم الشّمسيّ إلى تواتر إرسال مادة السّيزيوم 133، “فهي لا تهمّ الإنسان العاديّ، الذي ليس بحاجة إلى ساعة تُـخطئ بثانية واحدة كلّ مليون سنة”، على حد تعبير السيد بيغي.

فــــنّ الإدهاش

علاوة على جانبها العمليّ، فإنّ السّاعة هي أيضا عمل فنّيّ. فالقطع المعروضة في لاشو دوفون تشهد على العمل المرهق والدّقيق للنّقّاشين والنّحّاتين والمزخرفين. فقد أعطى هؤلاء الحرفيون السّاعة أشكالا مختلفة، مثل المشبك أو التّحفة أو الحلية. ويقول ميشيل بيغي، “منذ القديم كانت الزّخرفة تشكّل جانبا أساسيّا لفنّ صناعة السّاعات. في ذلك الوقت، تحلّت النّماذج الأولى لساعات الطّاولة بفخامة زخرفتها، الّتي كانت توفر متعة للعين – سواء كانت داخلية أم خارجيّة – عندما يحين أوان تدوير عقاربها”.

كما كانت علب السّاعات الدقّاقة، الّتي كانت تصنع من طرف قرويّي المنطقة أثناء فصل الشّتاء، مزخرفة أيضا، كما أن الأجزاء المختلفة للسّاعات “المعقّدة”، الّتي لم تكن تشير فقط إلى الوقت، بل أيضا لأوجه القمر ولتاريخ اليوم ولكثير من الأشياء الأخرى، رُكّـبت بطريقة جمالية.

من خلال الآليات، الّتي يملك المتحف منها مجموعة هائلة، أصبحت السّاعة ذريعة تستعمل تطبيقاتها على أغراض تتوفر على تقنية بسيطة تتيح للعصافير أن تزقزق أو تسمح للسّاحر بإلقاء مفردات حكمته. هذه التطبيقات يعود تاريخها إلى ما قبل عهد التّلفاز، ولكنّها لا زالت محتفظة بجاذبيتها.

من المعروضات المثيرة للإعجاب في المتحف، قطعة تسمى “أستراريوم”، ابتكرها جوفانّي دوندي. هذه القطعة نسخة عن المثال الأصلي المفقود، الّذي صنع ما بين عامي 1365 و1380. وبفضل دقّة الأوصاف، الّتي بيّنها دوندي وهو عالم أصيل مدينة بادوفا الإيطالية، كان من الممكن إنجاز بعض النّسخ، واحدة منها توجد في لاشو دوفون.

إنّ “أستراريوم”، ليس مجرّد ساعة فقط، بل هو يستنسخ أيضا حركة الكواكب في الفضاء ورزنامة بأسماء القديسين، كما يحتوي على مِـزولة تتيح إمكانية التكهّن بمواعيد الكسوف.

المفارقة، هو أن هذا العمل الرائع اعتمد على تصوّر نظريّ باطل، فقد كانت نظريات بطليموس لا زالت رائجة في عصر دوندي، ومثل “أستراريوم” تجسيدا ميكانيكيّا لنظريّة مركزيّة الأرض، التّي أصبحت لاغية اليوم. في المقابل، فإنّ علاقة الإنسان بالزّمن تظلّ معاصرة، وهي العلاقة التي تعتبر المحور الرئيسي للمتحف الدولي لصناعة السّاعات.

سويس أنفو دوريس لوتشيني – لاشو دوفون

يوجد المتحف الدولي لصناعة السّاعات في مبنى من الإسمنت المسلّح يعود تاريخه للسبعينيات من القرن العشرين.

بفضل هندسة معماريّة وتصوّر عصريين، أمكن لمبنى المتحف أن يحافظ على اهتمام الجمهور به حتّى اليوم.

بالإضافة إلى مختلف فضاءات العرض، يحتوي المتحف على ورشة تصليح للساعات القديمة (يمكن للزّائر مشاهدتها من خلال جدار زجاجيّ يفصلها عن المتحف) ومكتبة ثريّة ومختصّة.

تزيّن ثلاث قطع ضخمة من الفسيفساء، صممها الفنّان السّويسريّ هانس هيرني، جدران المتحف، وهي تصوّر تاريخ وتقنية وفلسفة قيس الزّمن. كما تعتبر السّاعة المصلصلة العملاقة المنتصبة في الحديقة، تحفة أخرى من التحف التي يزدان بها متحف لاشو دوفون.

1902: انطلاقا من مجموعة مدرسة صناعة السّاعات بلاشو دوفون، تم إنشاء أوّل متحف.
1974: تدشين المتحف الدولي لصناعة السّاعات.
3000 أغراض معروضة وأكثر من 6000 محفوظة في المخازن
يزور المتحف سنويا 35000 شخص يقدمون من القارات الخمس.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية