مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استهلاك القات في اليمن: معضلة تنموية واجتماعية لا حل لها؟

ألمرأة والقات فى اليمن swissinfo.ch

جلسة قات!! عادة اجتماعية قد لا تسترعى اهتماما كبيرا وربما هي مجهولة للكثيرين خارج المشرق العربي. لكن أثار تعاطى نبات القات في اليمن لها انعكاسات مباشرة ليس فقط على مستهلكيه أو على اقتصاد البلاد بل وعلى دور المرأة اليمنية السياسي. فما هي أصول مضغ نبات القات في اليمن ؟

كيف دخلَ القات إلى اليمن؟ تشير إحدى الروايات الشائعة أن نبات القات، الذي كان متواجدا منذ زمن بعيد في جبال اليمن، كان مجهولا لدى سكان اليمن. ثم حدث أن لاحظ الرعاة أن النشاط يدب في أغنامهم بعد تناولهم لأوراق نبات القات، فبدءوا في تجربة النبات واكتشفوا بالفعل أن رؤوسه الصغيرة كفيلة بخلق شحنة من التنبيه واليقظة أثناء العمل. ومن هنا بدأت عادة تناول القات في اليمن الخضراء …. هكذا تقول الرواية.

لكن الدراسات التاريخية والاجتماعية اختلفت في أصول هذه العادة الحقيقية. المعروف، هو أن القات نبات له مفعول تنبيهي قوى ترجع أصوله إلى إثيوبيا التي منها أنتشر إلى اليمن وإلى العديد من بلدان إفريقيا، ككينيا، وملاوي، وأوغندا، وتنزانيا، والكونغو، وزيمبابوي، وزامبيا، وجنوب إفريقيا. أما الكيفية التي تم بها البدء في مضغ أوراقه وتعاطيه فتتضارب الروايات في هذا الشأن، فمنها أن المسلمين قبل زمن بعيد كانوا يتناولون القات كبديل عن الكحول؛ أو أن البعض كان يتعاطاه كي يتمكن من البقاء مستيقظا طوال الليل لأداء الصلوات. كما تشير بعض المصادر التاريخية إلى قيام الأطباء في القرن الثالث عشر بوصف القات للجنود للتغلب على الإعياء والإجهاد.

انتشار القات

وإذا كان هناك خلاف حول التاريخ الدقيق لدخول القات إلى اليمن، البعض يرجع جذور هذه العادة إلى ما قبل القرن الرابع عشر الميلادي، فإن المؤكد هو أن انتشار القات وتحوله إلى عادة اجتماعية متأصلة في الواقع اليمنى بدأ فعليا خلال السبعينات من هذا القرن، وبالتحديد منذ منتصف السبعينات. لماذا؟؟ تقول الباحثة والإعلامية اليمنية المعروفة، الدكتورة رؤوفه حسن، عضوة جمعية مكافحة القات، إن هذه الفترة الزمنية ارتبطت بالحقبةِ البترولية، وبهجرة دفعات كبيرة جدا من العاملين اليمنيين إلى البلدان الخليجية المجاورة. فنتيجة لزيادة العائدات المالية التي قاموا بإرسالها إلى اليمن، ولغياب وعى عام بالاستثمار، ازدادت نسبة الاستهلاك في اليمن. إحدى مظاهر الاستهلاك هذه كانت عادة تناول القات، والتي أدى توافر السيولة المادية لدى المستهلك اليمنى إلى زيادة الإقبال على شراءه.
عادة إجتماعية ولها فوائد

انتشار استهلاك القات اتخذ مع الوقت شكلا اجتماعيا. فقد أصبح لازمة للمناسبات العامة كالأعراس والأعياد ومناسبات الولادة والخطوبة والوفاة، ليتحول إلى ضرورة يومية، يجتمع عليه الرجال والنساء، كل جماعة على حده، في مقايلها ومجالسها الخاصة. طغيان هذه العادة الاجتماعية أدى، كما تقول الدكتورة رؤوفه حسن، إلى أن الكثير من المثقفين عندما يرغبون في اللقاء والاندماج الاجتماعي أو في التعرف على مصادر القرار السياسي وأساليبه يذهبون إلى مجالس القات، داخل القرية أو المدينة على حد سواء.

وتلفت إحدى الدراسات إلى أن ازدياد شعبية القات في الأوساط اليمنية باختلافها يتعلق أساسا بكونه الوسيلة الرئيسية للالتقاء والاجتماع بين الأفراد في مجتمع تقل فيه وسائل الترفيه مقارنة بالمجتمعات الأخرى؛ هذا إضافة إلى مفعوله التنشيطي القوى لمن يتعاطاه من العاملين والطلاب والتجار. وعلى صعيد أخر، ينوه بعض الباحثين بفوائد القات التنموية. فاعتماد زراعة القات على الماء، تؤكد إحدى دراسات الحالة، ساهم في تطوير وسائل الري وتوزيع المياه في المناطق التي يتم فيها زراعة القات، هذا ناهيك عن المبالغ المالية الكبيرة التي يتحصل عليها المزراعون من زراعته والتي ساهمت بصورةٍ أساسية في رفع مستويات حياتهم وتحسينها.

أضرار القات

رغم ذلك، فإن أضرار القات تفوق بمراحل شاسعة فوائدة. فعلى المستوى الفردي، وبغض النظر عن أثار تعاطى القات الصحية المختلف عليها، يشكل استهلاك القات عبئا كبيرا على ميزانية الأسرة، حيث تنفق معظم الأسر اليمنية اكثر من ثلث ميزانيتها على شراء القات. كما أن الطابع اليومي لاستهلاك القات يؤدى إلى قضاء الفرد ساعات عديدة بدون عمل، ورغم أن هذه الساعات يتم تقضيتها في إطار اجتماعي فإن انعكاساتها العامة على اقتصاد البلاد تظل سلبية.

انتشار زراعة القات، في المقابل، أثر بصورة واضحة على إنتاج المحاصيل الزراعية الأخرى. فالتقديرات تظهر أن نحو نصف إلى ثلثي الأراضي الصالحة للزراعة تحولت إلى إنتاج القات خاصة وأن عوائد بيعه تفوق بخمسة أضعاف أرباح أية محاصيل زراعية أخرى. ويذكر تقرير للبنك الدولي أن القات يساهم بصورة أساسية في الاقتصاد اليمنى، فهو يشكل 25% من قيمة الناتج القومي الإجمالي، ويوفر فرص عمل لنحو 16% من القوة العاملة اليمنية. لكن فوائد هذه المساهمة تظل محدودة، على الأقل بالنسبة لعوائده من العملةِ الصعبة، نظرا لأن إنتاج القات في اليمن يتم لتغطية الطلب الداخلي لا لتصديره.

وألاخطر من كل هذا، أن زراعة القات المتواصلة على مدى العام تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه الأمر الذي ساهم بشكل جوهري في تفاقم وتصعيد مشكلة شح المياه في اليمن. فمن جهة، تستحوذ زراعة هذا النبات على 30% من المياه المستخدمة في البلاد. ومن جهة أخرى، فإن المزراعين، في المناطق التي يتم فيها أستخدم المياه الجوفية في الري، دأبوا على حفر المزيد من الآبار الجوفية بصورة عشوائية وذلك لتلبية الطلب الصاروخي المتصاعد لإنتاج القات. بل إن نسبة المياه الجوفية التي تستهلك في إنتاج القات، تقول الدكتورة رؤوفه حسن، أصبحت تساوى نحو 90% من كمية المياه الجوفية لكل المزروعات الأخرى.

المرأة والقات

كل هذه السلبيات النابعة عن استهلاك وإنتاج القات تؤثر على أفراد المجتمع اليمنى ككل. لكن هناك فئة نوعية محددة في اليمن، وهى المرأة، تعانى اكثر من غيرها من عواقب استهلاك القات. كيف؟ ترد الدكتورة رؤوفه حسن بالقول:”على مستوى النوع، الرجال يتناولون القات بمفردهم والنساء بمفردهن. وفى الماضي لم تكن هذه المسألة هامة لأن عددا قليلا من النساء كن يعملن في الحياة العامة، سواء في القطاع العام أو الخاص. أما ألان فقد زاد عدد النساء اللواتي يعملن.. وبسبب أن جلسات القات يتم فيها تناول مواضيع العمل، فإن إقصاء النساء من المشاركة في صنع القرارات تؤثر أيضا على النساء.”

هذا الإقصاء له انعكاسات كبيرة على دور المرأة السياسي في اليمن. تضرب الدكتورة رؤوفه حسن، مثلا باللقاءات الحزبية:” يلتقي قادة الأحزاب السياسية والأعضاء الهامين في الحزب السياسي خلال جلسة القات ويتناقشون في الأيديولوجيا الفكرية أو في النظرية المطروحة أو في الخط العملي الذي سينفذونه. ولن يكون من المقبول اجتماعيا أن تحظر العضوات في مثل هذه الجلسات… ومن يتم تعيينهم ورفعهم إلى مستوياتٍ أعلى يكونون في الغالب من رفاق جلسةِ القات لا رفاق الجلسات العملية الأخرى.” وينطبق هذا الوضع أيضا على المرأة العاملة في المؤسسات العامة والتي في الغالب تظل مقصية عن قنوات صنع القرار بسبب الاتجاه الاجتماعي لمناقشة قضايا العمل في جلسات القات والذي ينسف عمليا نصوص الدستور والقوانين اليمنية التي كفلت للمرأة حقوقها السياسية والوظيفية.


إلهام مانع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية