مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المجتمع مسؤول أيضا عن المدرسة!

Keystone

يجتهد السويسريون للإستفادة من النتائج التي كشف عنها تقرير "بيزا" الدولي حول قدرة التلاميذ على التحصيل في ختام المدرسة الإجبارية.

ويقترح المشرفون على التعليم في الكانتونات خطة عمل تشمل اتخاذ عدة إجراءات وتحث على مزيد إدماج الآباء والشبان والأطفال الأجانب في المجتمع

بعد مرور أكثر من عام على نشر نتائج دراسة دولية مُخيبة للآمال كشفت عن تدهور المستوى العام للتلاميذ السويسريين في نهاية المدرسة الأساسية، عقد المسؤولون عن التعليم في الكانتونات السويسرية ندوة صحفية في برن استعرضوا خلالها خطة مقترحة لتدارك الوضع.

وكانت النتائج المُذهلة التي كشف عنها التقرير الدولي لمتابعة تحصيل التلاميذ المعروف باسم “بيزا” (PISA) الصادر في شهر مارس من عام 2002، قد أحدثت ما يُشبه الزلزال في الأوساط التربوية والسياسية في سويسرا.

فقد اتضح أن الكنفدرالية من بين البلدان المنتمية إلى منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (يبلغ عددها 30) التي لا يتمكّن فيها النظام المدرسي من تقليص الفوارق القائمة بين التلاميذ المتحدّرين من أوساط اجتماعية وثقافية متباينة.

كما كشف التقرير عن تدهور المستوى فيما يتعلق بتعلم القراءة حيث اتضح أن خُمُس التلاميذ في السنة التاسعة (أي في نهاية ما يُعرف هنا بالمدرسة الأساسية الإجبارية) لا يقدرون إلا على فهم نص بسيط جدا.

ونوّه التقرير إلى أن هذه الظاهرة تهمّ بالخصوص أبناء المهاجرين الذين يتحدثون لغة أجنبية. وهو ما يعني أن مستوى تكوين ومهنة الآباء تؤثر على مؤهلات وتحصيل الأبناء في سويسرا أكثر مما هو الحال في بقية بلدان العالم المتقدم.

التشخيص والعلاج..

ونظرا لأن مسؤولية التعليم تقع في النظام الكنفدرالي على عاتق السلطات المحلية في الكانتونات الست والعشرين التي تتألف منها سويسرا، فقد كان من المنطقي أن يُجيب مُدراء التعليم في كل دُويلة على تساؤلات الرأي العام، ولو بعد .. حين.

فقد اتضح – من خلال خمس دراسات معمقة أمرت بإجراءها “ندوة مُدراء التعليم العمومي في الكانتونات السويسرية” بالتعاون مع المعهد الفدرالي للإحصاء على إثر نشر نتائج تقرير “بيزا” – أن بعض الصعوبات التي تواجه التلامذة في معظم الدول التي شملها التقرير تتسم بطابع أكثر حدة في سويسرا مُقارنة مع بلدان متقدّمة أخرى تضم نسبة عالية من المهاجرين.

وبعد نقاشات مستفيضة امتزجت بقدر “كبير” من النقد الذاتي حسب تعبير أحد المسؤولين، توصلت الندوة إلى أن الطريق السالكة إلى مدرسة أكثر نجاعة تُخرّج شبانا مُؤهلين بشكل أفضل تمرّ عبر الإستفادة من دروس الماضي وتطوير خمس مجالات محددة أربعة منها تشمل المدرسة ومحيطها القريب وواحد يشمل المجتمع برمته.

خمس محاور

تؤكد خطة العمل المعتمدة على أنه لا بد من الحرص الشديد على تقديم الدروس في إحدى اللغات الرسمية للبلد (أي الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش) وتجنب اللجوء إلى اللهجات المحلية مثلما يحدث في معظم الأوقات في المناطق المتحدثة بالألمانية.

في نفس الخانة، تندرج التوصية بتعزيز الكفاءات اللغوية لجميع التلاميذ في كل مستويات الدراسة واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك من تشجيع على المطالعة وتجديد العناية بالمكتبات في المدرسة والبلدة والحي والمدينة وتمويل المزيد من الأبحاث العلمية في المجالات اللغوية والألسنية.

كما تم التأكيد على أنه لا مفر من إيلاء سنيّ الدراسة التحضيرية التي تسبق المدرسة الإبتدائية اهتماما خاصا من خلال وضع حد نهائي للفوارق القائمة بين الكانتونات وتقديم عُـمُر التحاق الأطفال بها إلى سن الرابعة أو الخامسة على أقصى تقدير وإضفاء الصبغة الإجبارية عليها.

ومع الدعوة إلى إضفاء المزيد من المرونة على الهياكل المشرفة على التسيير المدرسي ومنح كل مؤسسة تربوية المزيد من الإستقلالية في عملها، أوصت اللجنة – التي تمثل مرجعا رئيسيا فيما يتعلق بالخيارات التربوية في سويسرا – بتعزيز وسائل وإمكانيات المساعدة والرعاية المدرسية خارج أوقات الفصل.

مسؤولية المجتمع

لكن أهم توصية على الإطلاق تمثلت في تذكير السلطات العمومية بالدور الرئيسي الذي يمكن أن تلعبه سياسات الإدماج الإجتماعي والرعاية العائلية المرتبطة بالمهاجرين بوجه خاص في تحسين الأداء العام للمدارس السويسرية.

فقد اتضح – من خلال الدراسات العلمية المعمّـقة التي أُنجزت – أن المدرسة لن تتمكن لوحدها من تكوين أطفال يُجيدُ كل واحد منهم القراءة.

ففي سويسرا، وعلى غرار عدة دول معنية بتقرير “بيزا” ترتبط كفاءة التلميذ وقدرته على القراءة إلى حد كبير بالوضع المهني للوالدين. فالطفل الذي تخرّج أبواه من مؤسسة جامعية يتمكن بشكل شبه أكيد من الإستمرار في الدراسة والوصول إلى الجامعة على عكس أقرانه الذين وُلدوا في عائلات لم يتجاوز المستوى التعليمي للوالدين فيها سني التعليم الإجباري التسع.

لذلك شدّد هانس أورليخ شتوكلينغ رئيس “ندوة مُدراء التعليم العمومي في الكانتونات السويسرية” على أهمية سياسات الهجرة والإندماج لمواجهة هذه الأوضاع. وذهبت آن كاترين ليون وزيرة التعليم في حكومة كانتون فُـو المحلية إلى أنه “يجب بلورة استراتيجية في مجال السياسة العائلية تتسم بالوضوح الشمولية”. وهو ما لن يتحقق دون إدماج الكهول (أي الآباء والأمهات الأجانب الذين لا يُجيدون التحدث بإحدى اللغات الوطنية) مثلما يحدث في كندا التي تُمارس سياسة هجرة انتقائية وبمسؤولية تامة.

ملف الهجرة

لذلك لا يتردد بعض المشرفين على الهياكل التربوية في سويسرا في تحميل السياسيين ومؤسسات المجتمع المدني عموما قدرا من المسؤولية عن النتائج السلبية التي كشف عنها تقرير “بيزا”.

فسويسرا، التي تبلغ نسبة الأجانب المقيمين فيها حوالي 20 في المائة من إجمالي عدد السكان، تحولت – حسب رأيهم – منذ فترة غير قصيرة إلى بلد هجرة (على غرار أستراليا وكندا والولايات المتحدة)، لكن لا أحد يُريد تحمل مسؤولية هذا الواقع الجديد وتبعاته.

ومن هنا جاءت مقترحات “ندوة مُدراء التعليم العمومي في الكانتونات السويسرية” الداعية إلى تطوير سياسة الهجرة من خلال التشجيع المادي والمعنوي على تعليم المهاجرين لإحدى اللغات الوطنية وحث الآباء على استعمال حقهم في التجميع العائلي لجلب أبنائهم إلى سويسرا قبل سن الثانية عشرة وإلا فإنهم سيفقدون ذلك الحق.

وفي الأخير، تظل كل الحلول البيداغوجية والإجرائية المقترحة رهينة اتساع الوعي في صفوف أصحاب القرار ومؤسسات المجتمع المدني والمواطن العادي على حد السواء بأن مُواجهة الإختلالات وتحسين المستوى الدراسي العام للطلاب في المدارس السويسرية مرتبط أيضا بكيفية التعاطي مع ملف الهجرة.

يُشار أيضا إلى أن مشروع “بيزا” لا زال مستمرا. ففي حين تركزت المرحلة الأولى منه على القراءة وفهم المعاني، أجريت المرحلة الثانية منه خلال العام الجاري وتركزت على الرياضيات أما في عام 2006 فسيتحول الإهتمام إلى العلوم الطبيعية.

كمال الضيف – سويس إنفو

أجريت المرحلة الأولى من اختبارات برنامج “بيزا” للتأكد من كفاءة الطلاب في عام 2000:
شارك فيه 250 ألف شاب في سن الخامسة عشرة ينتمون إلى 31 بلدا موزعا على القارات الخمس
حققت فنلندا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية أفضل النتائج
عدد الشبان السويسريين المشاركين في اختبار “بيزا”: 10 آلاف
متوسط المعدل في القراءة في بلدان منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية: 500 نقطة
أفضل نتيجة حققتها فنلندا التي حصلت على 546 نقطة
بلغ هذا المعدل في سويسرا: 494 نقطة
يبلغ مجموع الإنفاق السويسري في مجال التكوين: 23 مليار فرنك

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية