مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تركيا بين مطرقة القضاء و”مطرقة” الجيش

رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان رفقة كبار قادة الجيش في صورة من الأرشيف AFP

لم يتوصل بعد طرفا الصراع في تركيا، حزب العدالة والتنمية والمؤسسة العسكرية والمتشددين من العلمانيين، إلى ما يسمى"كيمياء" المساكنة بينهما. فبعد مرور أكثر من ثماني سنوات على وصول الحزب ذي الجذور الإسلامية إلى السلطة، لم يقتنع العلمانيون بعدُ بتصور الحزب لمستقبل البلاد ولا سيما على الصعيد الداخلي.

وإذا كان معظم الأطراف يرون مكاسب جمة في سياسات تركيا الخارجية تجلب المزيد من الإستثمارات وتساهم في الاستقرار الأمني للبلد، فإن الأجندة الداخلية لطرفي المعادلة هي موضع شكوك قوية متبادلة.

ويبدو أن الجانب العسكري-العلماني يحمل نظرة سلبية راسخة تجاه حزب العدالة والتنمية لم تبددها تجربة السنوات الثماني الماضية. والدليل على ذلك هي توالي إعداد الخطط داخل رئاسة أركان الجيش التركي منذ العام 2003 وحتى الآن للإطاحة بحكومة العدالة والتنمية. وإذا كانت الظروف المتعددة ومنها الشعبية الكاسحة للحزب قد حالت دون المضي في تنفيذها إلى حد اليوم، فإن الجيش لا يزال يأمل في إتاحة الظروف لخلع رجب طيب اردوغان ورفاقه بشتى الطرق.

وإذا كان عهد الانقلابات العسكرية المباشرة قد طوي من حيث المبدأ، إذ يجب عدم الإستبعاد الكامل لهذا الإحتمال إذا ما وصلت الأمور لدى القادة العسكريين إلى حد الجنون، فإن أساليب مواجهة سلطة العدالة والتنمية تتغير. ويبدو أن المؤسسات القضائية ذات الثقل مثل المحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى باتت الآن هي واجهة أو رأس حربة تعطيل أو التشويش على حكم العدالة والتنمية، و”من لم يستطع السيف قطع رأسه كان قوس العدالة له بالمرصاد”، لكن الصراع بين الطرفين وصل الى درجة تجاوزت القوانين بل الدستور نفسه.

حرب الوثائق

فعلى مدى الأعوام والشهور الماضية، لم تكتف المحكمة الدستورية بالنظر في المسائل المطروحة أمامها ضمن صلاحياتها بل نصّبت نفسها في الكثير من الأمور مكان البرلمان نفسه ما أتاح لها إبطال التعديل الدستوري حول محاكمة العسكريين أمام محاكم مدنية، وإبطال التعديل الدستوري الآخر بالسماح للمحجبات بدخول الجامعات. وهي أمور أكد خبراء ومحللون أنها تتعلق بالسلطة التشريعية وتقع فعليا وقانونيا خارج نطاق صلاحياتها.

إثر ذلك، انتقلت العدوى إلى مجلس القضاء الأعلى عندما أقدم على نزع الصلاحيات من أحد المدّعين العامين بسبب أن هذا المدّعي أمر باعتقال مدّع عام آخر بتهمة الانتماء لمنظمة ارغينيكون الإرهابية التي ينتمي اليها عدد كبير من الجنرالات المتقاعدين والصحافيين ورجال الأعمال وغيرهم، وهو الأمر الذي فُسّر على انه تدخل لصالح قاض يُشتبه في انتمائه إلى منظمة إرهابية من دون الإنتظار لاستكمال التحقيق مع القاضي المتهم.

وبما أن تجاوز القانون والدستور أصبح عادة لا يُوجد من يُحاسب عليها في بلد يخوض منذ سنوات مرحلة مفاوضات عضوية مباشرة ومضنية مع الإتحاد الأوروبي، اتخذ الإتحاد موقفا رسميا يُعرب عن “القلق مما يجري” في تركيا ويدعو “لإصلاح قضائي شامل”.

مؤامرات التخطيط لانقلابات على الحكومة كانت الورقة الأقوى التي أمسك بها حزب العدالة والتنمية عبر بعض القضاة الذين أتيحت لهم إمكانية “الإمساك بملف قوي” كما يقال من الناحية القانونية. ذلك أن معظم وثائق الخطط التي اكتشفت وكان متورطا فيها كبار ضباط سابقين من بينهم قادة القوات الجوية والبحرية والبرية ورئيس ثان للأركان وقائد القوات الخاصة سابقا وقائد للدرك وما شابه ذلك، كانت أصلية بالكامل. وفي كل مرة كانت رئاسة الاركان تنفي وجود مثل هذه الوثائق ثم لا تلبث أن تلوذ بالصمت.

“حرب الوثائق” التي يشنها بصورة غير مباشرة حزب العدالة والتنمية على رموز أو نظام الوصاية العسكرية أسقطت بيد الجيش وأحرجت موقعه وأساءت الى صورته بحيث تراجع التأييد الشعبي له من 80-90- في المئة على مدى السنوات الماضية إلى 63 في المئة في استطلاع جرى مؤخرا وهذا غير معهود في تاريخ تركيا التي يحظى فيه الجيش بنفوذ واسع وسمعة كبيرة.

من جهة أخرى، كان توالي الأحداث في تركيا في الأيام والأسابيع الأخيرة سريعا وخطيرا بحيث أن رئيس الأركان نفسه اضطر إلى أن يلغي زيارة مقررة إلى مصر لثلاثة أيام.

صراع “المطارق”

“خطة المطرقة” التي اعدها ضباط كبار في الجيش التركي تقابلها “عملية المطرقة” التي نفّذها قضاة ضد المتورطين في الخطة.

كانت ردة فعل القضاة الذين يحاكمون افراد ارغينيكون قوية جدا وغير مسبوقة في تاريخ الجيش التركي. بدا المشهد لدى الاعتقال قويا لدرجة ان صورة الجيش كلها وتاريخ الجيش كله بدت داخل اطار الاعتقال وبالتالي الشبهة بل بدا أن تاريخا بكامله أضحى قيد المحاكمة.

رئاسة الاركان تدرك ان عملية الاعتقالات الحالية ليست عادية ولا تشبه سابقاتها بل شملت حوالي الخمسين جنرالا متقاعدا وبعض الحاليين دفعة واحدة. لذا فقد جمع رئيس الاركان ايلكير باشبوغ جميع الضباط البريين والبحريين والجويين رفيعي المستوى في القيادة وتدارس معهم الوضع “الخطير”.

والسؤال اليوم: ما الذي يمكن ان يفعله الجيش؟

الاعتقالات تتم في اطار القانون. ومن تثبت عليه التهمة يحاكم ويودع في السجن.هذه قاعدة معروفة في القضاء. لكن العسكر التركي لا يريد اذلالا اكثر من ذلك ويريد ان يوقف هذه العملية بل اعادة عقارب الساعة الى الوراء.

كل الظروف الداخلية تغيرت وكل الظروف الخارجية تغيرت لذا فإن احتمالات تحرك العسكر محفوفة بصعوبات جمة، لكن قرع باشبوغ لجرس الانذار يضع كل الاحتمالات واردة على الطاولة بما فيها الانقلاب العسكري. في المقابل، لا تبدو النتائج مضمونة تماما.

إن حدوث أي انقلاب عسكري في ظل التاييد الواسع لحزب العدالة والتنمية وفي ظل التنمية الإقتصادية وفي ظل تعاظم الدور التركي إقليميا ودوليا سيطيح بكل هذه المكاسب ويعيد تركيا الى نقطة الصفر في علاقاتها مع العالم وفي إعادة صياغة نظامها في الداخل الذي لا يمكن – واقعيا – أن يستمر على حاله أو يعود إلى مربع الاستبداد والدكتاتورية العسكرية لا المباشرة ولا المقنعة.

وربما يكون البديل لدى المؤسسة العسكرية في هذه المواجهة هو الإيعاز للمدعي العام التركي برفع دعوى لحظر حزب العدالة والتنمية، وهنا أيضا قد يكسب العسكر بعض الوقت لرفع سيف القضاء عنه لكن النتائج قد تكون أخطر عليهم لجهة احتمال استفتاء الشعب من جديد لصالح حزب العدالة والتنمية وضد استمرار ذهنية الإتحاد والترقي الإنقلابية التي لا يزال العسكر يتبناها وجرّت على تركيا الكثير من الويلات.

المشكلة في تركيا ان العسكر وجماعات المتشددين من العلمانيين لم يقرأوا بصورة صحيحة أو انهم لا يريدون ان يقرأوا شروط النهوض الجديدة في ضوء المتغيرات الاقليمية والدولية والتي قرأها قادة العدالة والتنمية جيدا ونجحوا في نقل تركيا من “جمهورية موز” الى قوة اقليمية لها تأثيرها في كل محيطها الاقليمي.

واذا كان للأزمة القائمة في تركيا اليوم أن تجد حلا فلا مناص – مثلما يؤكد قطاع عريض من النخبة السياسية والثقافية والإعلامية والفكرية في البلاد – من إرساء ديموقراطية حقيقية كاملة لا شبهة فيها ومن أن يكون العسكر كما سائر الدول الأوروبية في موقعه الطبيعي على الحدود وداخل الثكنات وأن تُمنح الثقة كاملة لخيار الشعب وصوته والتحرر تاليا ونهائيا من نظام الوصاية العسكرية على سكان تركيا.

د. محمد نور الدين – swissinfo.ch – بيروت

اسطنبول (رويترز) – اتهمت محكمة تركية يوم الاربعاء 24 فبراير 2010 سبعة ضباط بارزين كبار بالجيش بتدبير مؤامرة للإطاحة بالحكومة في خطوة من المرجح أن تزيد من التوتر في الاسواق المالية.

وأمرت المحكمة بحبس الضباط المتهمين الى حين محاكمتهم.

وزاد التحقيق من التوتر بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وبين الجيش الذي أجرت قيادته محادثات طارئة يوم الثلاثاء 23 فبراير لبحث ما وصفته “بالوضع الخطير”.

وذكرت وكالة الاناضول الرسمية للانباء أن المتهمين هم أربعة ضباط برتبة أميرال منهم اثنان متقاعدان اضافة الى ضابط متقاعد برتبة بريجادير جنرال وضابطين متقاعدين برتبة كولونيل.

والى حين كتابة لائحة الاتهام يواجه السبعة اتهامات مبدئية هي الانتماء لجماعة ارهابية ومحاولة الاطاحة بالحكومة باستخدام القوة.

وتراجعت الليرة التركية يوم الثلاثاء لادنى مستوياتها منذ سبعة أشهر وازدادت هبوطا يوم الاربعاء. وانخفضت أيضا أسعار السندات والاسهم.

واعتقلت الشرطة نحو 50 ضابطا خلال حملة شنتها فجر الاثنين في عملية غير مسبوقة ضد ضباط بالجيش الذي أبعد أربع حكومات عن السلطة خلال الخمسين عاما الماضية لكن سلطاته ضعفت بسبب اصلاحات تهدف لتسهيل انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي.

وحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يشتبه العلمانيون في أنه يحاول تقويض النظام العلماني في البلاد باضفاء الطابع الاسلامي على المجتمع تدريجيا يخوض غمار خلاف عميق مع القضاء العلماني.

وكان قادة متقاعدون من القوات الجوية والبحرية ونائب سابق لقائد القوات المسلحة بين المحتجزين في مقر الشرطة بانتظار استجوابهم.

وأخلي سبيل ستة ضباط يوم الثلاثاء بعد استجوابهم.

وقالت هيئة الاركان العامة في بيان في موقعها على الانترنت ان قيادة الجيش برمتها بما في ذلك قادة افرع القوات المسلحة اجتمعت يوم الثلاثاء “لتقييم الوضع الخطير الذي نشأ”. ولم تذكر مزيدا من التفاصيل.

وجاءت عملية الشرطة بعد تقرير نشرته صحيفة (طرف) الشهر الماضي حول ما يسمى بخطة “المطرقة” التي يقال انها وضعت عام 2003 . وقال الجيش ان الخطة ليست سوى سيناريو وضع من أجل ندوة عسكرية.

ونشرت الصحيفة نسخا من وثائق قالت انها تظهر ان ضباطا خططوا لاستفزاز مقاتلات يونانية وحملها على اسقاط مقاتلة عسكرية تركية ولزرع قنابل في مساجد باسطنبول.

وكان ضباط متقاعدون بالجيش بين نحو 200 شخص اتهموا بالتخطيط لمؤامرات منفصلة نظمتها جماعة (ارجينيكون) اليمينية المتطرفة.

ويقول منتقدون للحكومة انه يجري استغلال قضية أرجينيكون لاستهداف معارضين سياسيين وهو ما تنفيه الحكومة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 24 فبراير 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية