مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جدل في سويسرا حول “الخلايا الأصلية”

Keystone

يتوجه الناخبون يوم 28 نوفمبر للتصويت على 3 موضوعات، اثنان منهما يتعلقان بالشأن المالي، مثل إعادة توزيع ميزانية الكانتونات والحكومة، وتأمين مداخيل الكنفدرالية من الضرائب.

أما الملف الثالث الذي يتعلق بالموافقة على إجراء الأبحاث على “الخلايا الجذعية الأصلية”، فقد أثار تساؤلات مختلفة وجدلا واسعا في مختلف الأوساط.

يؤيد أغلب العلماء السويسريون فكرة استخدام “الخلايا الجذعية الأصلية” في أبحاثهم البيولوجية، لمعرفة إمكانية التعامل معها كبديل للخلايا والأنسجة المريضة في حالات مثل السرطان أو الشيخوخة أو استبدال أنسجة العضلات التالفة.

وترى الحكومة الفدرالية وأغلبية من البرلمانيين، أنه يجب وضع الأطر القانونية التي ترتب التعامل مع تلك الأبحاث، حتى لا تقف سويسرا بعيدا عما تشهده المراكز العلمية الدولية في هذا المجال من جهة، ولمنع أي استغلال غير سليم لتلك الأبحاث من جهة أخرى.

من جانبه، تحدث حزب الخضر السويسري عن وجود بعض الإشكاليات الفكرية والأخلاقية والأدبية التي تصاحب هذه النوعية من الأبحاث، وطالب الناخبين بشكل مبكر (بالتضامن مع الأوساط الكنسية) برفض هذا القانون، بل ساهم في طرح الملف على الناخبين السويسريين للتصويت عليه في استفتاء شعبي.

اهتمامات اقتصادية … وعلمية

التيار البرلماني المؤيد للقانون، وأغلب أعضائه ينتمون إلى الأحزاب الليبرالية أو إلى قطاعات معنية بصناعة الأدوية والمستحضرات الصيدلانية، ينظرون إلى القانون على انه قد يساعد البحث العلمي في التوصل إلى علاج للأمراض المستعصية، والتي وقف أمامها البحاثة مكتوفي الأيدي منذ عقود طويلة.

وفي حديث خاص مع سويس إنفو، قال النائب البرلماني يوهانس رانديغر الذي يمثل اهتمامات مصانع وشركات صناعة الأدوية، “إن القانون الجديد سيساعد الجامعات ومراكز البحوث السويسرية على البقاء دائما على قدم المساواة مع آخر ما توصل إليه العالم في هذا الصدد، وليس من المستبعد أن يتفوق السويسريون على الآخرين في مجال تقنيات أبحاث التطور البيولوجي”.

أما على الصعيد العلمي، فقد أكدت ماريسا جاكوني، أشهر متخصصة سويسرية في مجال “الخلايا الجذعية الأصلية”، أن نتائج أبحاث فريقها العلمي سمحت بعلاج قلب فأر مريض باستخدام خلايا مستوردة من الولايات المتحدة، مما يفتح الأمل أمام المرضى بإمكانية الوصول إلى شفاء الحالات الجراحية الصعبة أو المعقدة.

ورأت السيدة جاكوني التي تترأس فريق بحث علمي كلية الطب بجامعة جنيف في حديث خاص مع سويس إنفو بأن استخدام “الخلايا الجذعية الأصلية” في الأبحاث يساعد في الإجابة على تساؤلات كثيرة، مثل التكوين الحقيقي للأجنة ومتى تدب فيها الروح، بل من هو الإنسان، وهو حسب رأي الباحثة “سؤال محوري يربط الأخلاقيات بتطور العلم”.

بنود صارمة

وينص مشروع القانون الفدرالي، على أن تخضع جميع الأبحاث التي يتم فيها استخدام “الخلايا الجذعية الأصلية” المستخلصة من الأجنة للمعايير الأخلاقية للبحث العلمي، والتي تمنع أي استغلال سيئ لمثل تلك الخلايا أو الأبحاث المستخدمة فيها.

كما يشترط القانون الجديد الحصول على موافقة المكتب الفدرالي لشؤون الصحة قبل إجراء أي بحث علمي جديد في هذا السياق، وللحصول على مثل هذا التصريح، فلابد من الحصول على تفويض كتابي من والدي الجنين، الذي سيتم استخلاص “الخلايا الجذعية الأصلية” من نسيجه، حيث يجب عليهما الإقرار بأن التخصيب لم يتم من أجل استخدام خلايا الجنين في الأبحاث، إضافة إلى وجوب موافقة “لجنة الأخلاقيات العلمية” السويسرية على مشروع البحث قبل البدء فيه.

إلى جانب ذلك، ينص القانون المطروح على الاستفتاء على أن يكون البحث الذي سيتم فيه استخدام “الخلايا الجذعية الأصلية” ذو قيمة علمية هامة، وأن من بين أهدافه المساعدة على فهم بيولوجيا الإنسان بشكل أعمق وأوسع، أو التعرف على الأمراض المستعصية والمعقدة بطريقة أسرع، للمساعدة في علاجها أو تفاديها إن أمكن.

وفي الوقت نفسه، يطالب نص القانون الجديد، بتقديم ما يثبت بأن موضوع البحث المزمع إجراؤه لا يمكن أن يتم إذا تم استخدام خلايا حيوانية أو نسيج خلوي من البالغين، أي أن استعمال “الخلايا الجذعية الأصلية” شيء أساسي وضروري لنجاح موضوع البحث.

أخيرا، ويحظر مشروع القانون السويسري بيع وشراء “الخلايا الجذعية الأصلية”، حتى بعد انتهاء استخدامها في مشروع البحث.

وفي معرض دفاعها عن القانون، أكدت الحكومة الفدرالية أن نص القانون صارم بشكل “يحول دون وقوع أية تلاعبات أو سوء استغلال لتلك الخلايا البشرية، بشكل يتنافى مع أخلاقيات البحث العلمي المتعارف عليها سويسريا ودوليا”.

مخاوف على “أخلاقيات العلم”

وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة، اعتبرت السيدة روت باومان هوتسليه المتخصصة في أخلاقيات البحث الطبي من منظور ديني، في حديثها إلى سويس انفو بأن التطور الطبي يرتبط باحترام آدمية الإنسان حتى في مراحل تكوين خلاياه الجنينية، وعبرت عن تعجبها لأن “ما قام به المجتمع المتحضر حتى الآن لاحترام حقوق الإنسان، يتم التنازل عنه بشكل كبير من خلال العبث بخلايا الأجنة” على حد تعبيرها.

كما رأت الباحثة السويسرية في الموافقة على استخدام خلايا الأجنة في البحث العلمي نوعا من “ثقافة الاستغلال”، التي تستخدم حاجة المرضى وأملهم في العثور على العلاج من خلال الأماني فقط، ونوهت إلى أن اعتماد مثل هذا القانون “يمكن أن يتحور بمرور الوقت إلى تحقيق مصالح وفوائد أخرى، قد تصل إلى حد سوء الاستغلال مثل الاستنساخ، أو التدخل في عملية نمو الأجنة، الذي سينعكس بدوره على مراحل ما بعد ولادته، وربما أيضا في مسار حياته” على حد قولها.

في الوقت نفسه، اعتبر حزب الخضر بأن القانون الذي يسمح باستخدام “الخلايا الجذعية الأصلية”، ليس إلا “مساهمة في اختراق القواعد الأخلاقية في البحث العلمي”، كما أكدت رئيسه الحزب روت غينر في حديث مع سويس انفو، بأن “البدائل متاحة، من بينها استخدام الخلايا البشرية للبالغين في تلك الأبحاث، بدلا من البحث عنها في الأجنة، كما رأت بأن آمالا كبيرة، قد تم تعليقها على استخدام خلايا الأجنة، دون أي سند علمي أكيد يضمن نجاحها” حسب تعبيرها.

الفضول العلمي أم الحرص الأخلاقي؟

أما نقطة الخلاف التي ينتصر فيها المعارضون على المؤيدين، فتكمن في أن استخراج الخلايا الجذعية الأصلية، قد يؤدي ببساطة إلى وفاة الجنين. أما المؤيدون فيرون أن تلك الخلايا ليست مراحل تكوين الجنين الأولى ولا تدب فيه الروح، وبالتالي فلا يمكن تسمية استخلاصها بالوفاة أو الموت، فضلا على أن تلك الخلايا ليس لها تأثير على نمو الجنين أو علاقة به ككائن بشري، لأنها (من وجهة نظرهم) تحتوي فقط على المواد المنشطة لتكوين الخلايا، وبالتالي فليس هناك مانع أخلاقي من استخدامها لتنشيط عمل أنسجة الخلايا في جسم غريب.

ويعترف المؤيدون بأنه من غير المعروف إن كان استخدام الخلايا الجذعية الأصلية مفيدا فعلا في العلاج أم لا، كما يعترفون أيضا بأن إمكانية سوء استخدام تلك الخلايا واردة، رغم القيود الصارمة التي يفرضها القانون الجديد، وهو ما يجعل موقفهم أمام الرأي العام حرجا للغاية.

ويشير المعارضون إلى أن نمو تلك الخلايا من عمليات تخصيب، هو في حد ذاته حياة، ولا يجب استغلال ذلك في جسم غريب، ويرفضون المقارنة مع عمليات نقل الأعضاء، حيث أن تلك الأخيرة تتم بموافقة مسبقة من طرف صاحب المتبرع بالعضو الحي، أما هذه الخلية، فمن سألها إن كانت ترغب في الانتقال إلى جسد غريب؟

أخيرا، من الصعب التكهن بتوجهات الرأي العام السويسري حول هذا الاستفتاء، إذ ليس من السهل تبسيط الشق العلمي في مثل تلك الموضوعات ليتفهمها الجميع، وهو ما جعل المؤيدين للمشروع يلعبون على ورقة “علاج الأمراض المستعصية” وإغفال إضافة كلمة “احتمال” عليها، أما المعارضون فيثيرون بحديثهم حول قيم وأخلاقيات البحث العلمي مخاوف كامنة في قلوب السويسريين من العبث المحتمل بأسرار الحياة.

سويس انفو

يتم استخلاص الخلايا الجذعية الأصلية من الأجنة الناجمة عن عمليات التلقيح الإصطناعي، إذ يقول الأطباء بأن هذا النوع من التلقيح يعطي عددا من الخلايا، قد ينجح واحد منها في التحول إلى جنين، والبقية تبقى للخلايا الجذعية الأصلية، اي أنها ليست أجنة حية.
كما يمكن الإستفادة من المواد الحيوية في تلك الخلايا في محاولة تنشيط بعض الخلايا المصابة أو التالفة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية