مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جنيف تعيش تجربة حوار فلسطيني إسرائيلي

النائبة الإسرائيلية ناعومي شازان تتوسط السيدة ليلى شهيد، ممثلة فلسطين لدى الإتحاد الأوربي وشيرين الصاوي من فلسطين. swissinfo.ch

تم في جنيف تنظيم 5 ايام من الحوار الفلسطيني الإسرائيلي، تحت شعار "نحو نمط فني في خدمة السلم".

التظاهرة التي سهر على تنظيمها تجمع “لومانيفاست” و “كوميديا جنيف” جمعت سياسيين ومدنيين من الطرفين وتميزت بمعرض لجنود إسرائيليين يدينون التجاوزات التي يرتكبها زملاؤهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بمبادرة من تجمع ” لومانيفاست” الذي يضم مثقفين عربا وإسرائيليين وسويسريين يؤمنون بإمكانية الحوار بين طرفي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وبمشاركة من مسرح “كوميديا جنيف”، انتظمت في مدينة جنيف من الخامس إلى التاسع من شهر أبريل الجاري أيام حوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحت شعار “نحو نمط فني في خدمة السلم”.

شهادة لكسر جدار الصمت

هذه التظاهرة التي أريد من خلالها تقديم عينات عن إمكانية استمرار الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين رغم تعثر المسار السلامي وبروز مظاهر التطرف من الجانبين، بلغت ذروتها في معرض الصور المصاحب لها تحت عنوان “كسر جدار الصمت”.

هذا المعرض أقيم من طرف جنود إسرائيليين أنهوا الخدمة العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجمعوا شهادات وصورا عن تصرفات زملائهم تجاه الفلسطينيين. يقول أحد هؤلاء الجنود، يهودا صاوول “إنها تعكس انحرافا خلقيا لطبيعة هذا الاحتلال وتأثيراته السلبية على المجتمع الإسرائيلي من جهة، وتسببه في معاناة الشعب الفلسطيني من جهة أخرى”.

وعلى غرار الجنديين الإسرائيليين اللذين حضرا إلى جنيف وسهرا على تقديم الشروح لزوار المعرض، يهودا صاوول وأفشاي شارون، والمصور من صحيفة هاآرتس الذي ساعدهم ميكي كراتسمان، هناك العديد من المجندين الإسرائيليين المنخرطين في تجمع “كسر جدار الصمت” وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية تقدم شهاداتها لأول مرة خارج إسرائيل من أجل “التعريف بما فعلوه وشاهدوه في الأراضي المحتلة وذلك من أجل إطلاع الرأي العام الإسرائيلي عن حقيقة ما يتم هناك”.

صور وأحاسيس

إذا كان المعرض يتكون في غالبيته من صور تعكس واقع المجندين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة من جهة وسجل صور الإهانة التي يتعرض لها الفلسطينيون يوميا فإنها تتعدى ذلك لتعكس نفسية وأحاسيس هؤلاء الجنود تجاه ما يرتكب من تجاوزات.

وهذا ما عبرت عنه التعاليق المختلفة التي ترافق صور المعرض التي جاء من بينها شهادة جندي يصف علاقته بالمستوطنين اليهود الذين يسهر على حراستهم، يقول فيها: “في الأخير توصلت إلى قناعة من أنه لا يمكنني اعتناق إيديولوجية المستوطنين. وما كان يقلقني بالدرجة الأولى هي تلك الكراهية التي كانوا يبدونها تجاهي رغم أنني هنا لحمايتهم”. نفس الجندي اختتم رسالته بالقول: “لقد تحولت إلى مدافع عن أناس يشكلون تهديدا لي”.

وقد عكست محتويات المعرض مرارة الواقع والمعاناة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ما بين صور النصر الملتقطة لجنود إسرائيليين أمام جثث فلسطينيين، مرورا بصور الإهانة اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون في نقاط التفتيش وحتى داخل منازلهم، وانتهاء بعينات لما يصادره الجنود الإسرائيليون من ممتلكات الفلسطينيين كهذه “المجموعة من مفاتيح السيارات الفلسطينية المصادرة”.

مأساة الآخر وإنسانيته

الشهادة التي رغب منظمو هده التظاهرة تقديمها ولأول مرة لجمهور جنيف لم تقتصر على شهادة الجنود الإسرائيليين الغاضبين من طريقة تصرف زملائهم أثناء تأدية الخدمة العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل تعدتها لكي تشمل شهادة سيدتين، الأولى فلسطينية والثانية إسرائيلية أدى فقدان أحد أفراد عائلتيهما إلى تغيير مجرى حياتهما.

فالشابة الفلسطينية شيرين الصاوي، ذات الستة والعشرين ربيعا تحدثت عن فقدان عدد من أفراد عائلتها لا لسبب سوى أنهم تواجدوا في دوامة هذا الصراع في المكان غير المناسب وفي الوقت غير المناسب، أوفي مسار قذيفة أو طلقة جندي إسرائيلي محتل لأرضها وقامع لشعبها.

أما الإسرائيلية طال كفير ذات الثمانية والعشرين ربيعا، فقد فقدت شقيقتها في انفجار انتحاري فلسطيني استهدفها ومجموعة من الجنود الإسرائيليين وهي تقضي آخر أيام خدمتها العسكرية.

وفي حديث ملئ بالحزن، شرحت السيدتان للجمهور الغفير الذي تابع مداخلاتهما ما أحدثته تلك التطورات من زلزال في حياتهما وحياة ما تبقى من عائلتيهما، ولكن بدون أي انفعال أو تجريح للآخر.

أما الذي جمع كلا من شيرين وطال، فهو أنهما عضوتين في تجمع لعائلات مستها أحداث عنف من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. هذا التجمع الذي يحمل اسم “فوروم” يجمع حوالي 500 عائلة من الجانبين تؤمن بضرورة الحوار مع الآخر وخصوصا مع الآخر الذي تعرض لنفس المآسي في نفس الصراع.

تساؤلات السياسيين

على هامش شهادة السيدتين شيرين وطال، تدخلت كل من ممثلة فلسطين لدى الاتحاد الأوروبي ليلى شهيد، والنائبة السابقة لرئيس الكنيست الإسرائيلي ناعومي شازان للإشادة بجرأة وشجاعة الشابتين، وللتذكير بأسباب عجز السياسيين في التوصل إلى حل لهذا الصراع.

كما ناشدت السيدتان المجموعة الدولية والرأي العام تحمل مسؤولياتهم في هذا الصراع الذي قالت عنه ناعومي شازان إنه “يتعدى حدود صراع فلسطيني إسرائيلي نظرا لكونه صراعا دينيا وثقافيا ذا أبعاد دولية وبالتالي على الجميع أن يتحمل جانبا من المسؤولية للبحث عن حل”. وبما أن النقاش يدور في جنيف مقر المنظمات الدولية ومعقل حقوق الإنسان، فإن السيدتين ركزتا على “ضرورة تحرك الرأي العام فيها قبل غيرها”.

السيدة ليلى شهيد تطرقت إلى آخر عقبة توضع في طريق الشعب الفلسطيني بقولها “لقد طلبوا منا تنظيم انتخابات ديمقراطية، واعترفوا لنا بأنها كانت ديمقراطية، ولكنهم قالوا إن النتائج لم تعجبهم”، في إشارة إلى فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية. وحذرت السيدة ليلى شهيد من مغبة “إرغام الشعب الفلسطيني على العودة إلى انتظار المساعدات المقدمة له كشعب لاجئ”.

أما ناعومي شازان، فحذرت من مخاطر الخطوات الأحادية التي تتخذها إسرائيل مثل الانسحاب من قطاع غزة قائلة: “إن ذلك ليس بالحل لأنه يلغي الآخر ويتجاهله”.

وترى السياسية الإسرائيلية أنه “إما أن نبقي الأوضاع على ما هي عليه، من احتلال وطمس للحريات ومضايقات، وهذا سيقود الى تدهور الأوضاع، أو أن نبحث عن حل عادل ودائم عبر الحوار وهذا ما نطمح إليه”، وفي هذا السياق ذكرت ناعومي شازان بسلسلة المشاورات التي جمعتها بالسيدة ليلى شهيد والتي قادت الى اتفاقات أوسلو.

وسواء جاءت على لسان السياسيتين أو الشابتين من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، ترددت في الأجواء عبارات ربما يسمعها جمهور جنيف لأول مرة ، كمحاولة إضفاء صفة “الإنساني” على الآخر أو التعبير عن المأساة بدون مساس بالآخر مع التركيز على محاولة البحث عن حل ودفع الجميع، رأيا عاما ومجتمعا دوليا ومؤسسات أممية، إلى تحمل جانب من المسؤولية في البحث عن هذا الحل.

ومن هذا المنطلق يكون المنظمون من تجمع “المانيفيست” قد نجحوا في إسماع أصوات قلة معتدلة من الطرفين لا تجد لها صدى هذه الأيام في وسائل الإعلام اليومية.

سويس انفو – محمد شريف – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية