مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“كـونـوا سُـفـراء للإسـلام”

يبلغ عدد أعضاء رابطة مسلمي سويسرا المسجلين نحو 150 شخصا (في الصورة: جانب من الحضور في الملتقى الرابع عشر لرابطة مسلمي سويسرا في بولاخ بكانتون زيورخ يوم 19 سبتمبر 2004) swissinfo.ch

"يتعرض المسلمون لحملة تشويه شرسة، وعليهم لذلك أن يردوا عليها من خلال اندماجهم بصورة إيجابية في المجتمع".

هذه الرسالة التي بعثت بها رابطة مسلمي سويسرا في ملتقاها السنوي تأتي في وقت تشعر فيه الجالية المسلمة في سويسرا بالتهديد، لكن طريقة عرضها تثير بعض التساؤلات المشروعة.

“الاندماج الإيجابي للجالية المسلمة، والخطر الذي يهددها”، عبارتان تكررتا كثيراً على مسامع الحاضر في اليوم الثاني من الملتقى السنوي الرابع عشر لرابطة مسلمي سويسرا، الذي عقد يوم 19 سبتمبر في بولاخ بكانتون زيورخ.

رابطة مسلمي سويسرا، التي يوجد مقرها في نيوشاتيل، هي جمعية يبلغ عدد أعضاؤها نحو 150 عضواً. ورغم حجم عددها الصغير، إلا أن ملتقاها السنوي يجذب إليها عادة أعداداً كبيرة من الحاضرين تزيد عن الألف شخص.

وعلى غرار الأعوام السابقة اختارت الرابطة لملتقاها هذه السنة موضوعاً يدور حول مسألة اندماج الجالية المسلمة في المجتمع السويسري، وحددت عنواناً لملتقاها بـ “دور المسلمين في صناعة الحياة في المجتمع السويسري”.

ما كان جديداً هذه السنة هو ذلك الانطباع الذي يخرج به المراقب لبعض فعاليات الملتقى ولأحاديث المشاركين فيه من أن الغالبية العظمى من الحاضرين تشعر بأنها “جالية معرضة إلى التهديد”.

إشهار سياسي يستهدف المسلمين

ذلك الشعور ليس مفتعلاً. يأتي في وقت أثيرت فيه ضجة سياسية كبيرة بسبب نشر إعلان سياسي للجنة تسمي نفسها “اللجنة المعارضة للتجنيس بالجملة”، طالبت فيه الناخب السويسري بالتصويت بلا على مبادرة تدعو إلى تسهيل إجراءات تجنيس الجيلين الثاني والثالث من الأجانب، بدعوى أن نسبة المسلمين في الكنفدرالية تتضاعف، وأن تلك الأقلية ستصبح أكثرية (بنسبة 72%!) مع حلول عام 2040.

وإذا كانت كل الأحزاب الرئيسية السويسرية الكبرى، باستثناء حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد، قد اعتبرت ذلك الإشهار مزيفاً للحقائق ومثيرأ لمشاعر الكراهية والعنصرية، فلا غرابة أن تشعر الجالية المسلمة بالألم لاستهدفها تحديداً.

“هي حملات مغرضة، والحملات هذه في العادة تصدر من الناس المتعصبين، الذين ينظرون دائماً إلى المهاجر على أنه حامل لثقافة أخرى ودين آخر وعادات وتقاليد أخرى… وأنه يضر بهذا البلد”، هكذا عقب السيد غريب العربي رئيس جمعية الشباب والطفولة بسويسرا وأحد المشرفين على ملتقى الرابطة.

السيدة إيمان من الحاضرات في الملتقى (والتي طلبت عدم ذكر اسمها كاملاً) أعربت عن أسفها لصدور ذلك الإعلان قائلة: “شئ مؤسف أن الإنسان في وقتنا هذا يخاف من أناس آخرين لسبب واحد هو أنهم مسلمين(…)”. وتستغرب أن يصدر هذا الإعلان خاصة وأن “ما نعرفه ونحسه عن المجتمع السويسري أنه مجتمع منفتح على كل الديانات وكل المجتمعات”.

أما السيد جمال الخطيب مسؤول الملتقى والمسؤول الثقافي في الرابطة فقد وضع ذلك الإشهار في إطاره السياسي قائلا “أحياناً (في) بعض هذه الفترات الخاصة بالحملات الانتخابية قد تتاجر بعض الجهات ببعض المواضيع، مثل موضوع المسلمين”.

ويلفت إلى أن ما تتعرض له الجالية المسلمة تعرضت له غيرها في أوقات ماضية ويقول “التاريخ السويسري يثبت أنه زماناً في التاريخ كانت الجالية الإيطالية هي أكبر الجاليات، وكانت تتعرض لنفس الضغوطات”.

الرد من خلال الاندماج!

كيف يكون الرد إذن على مثل هذه الحملة؟ كلمات السيدة إيمان كانت مختصرة لكنها أصابت المرمى حيث قالت: “بالعمل، لأنه مهم جداً، وبالعقلية كذلك. (..) هنا الناس لديهم عقلية أخرى وثقافة أخرى للأشياء، يعني من الطبيعي أن يحتاج الإنسان إلى قليل من الوقت لفهم العقلية والثقافة”.

بنفس النسق، ركزت الآنسة سارة محمد الأسود على أهمية التحاور قائلة “إنه من المهم إفهام الطرف الأخر، الرافض لوجودها في مقر عملها بسبب دينها، والتوضيح له، وتقول “نحن نعيش في بلد واحد، وسواء كانت لدي الجنسية أو لا، فأنا موجودة هنا، إذن يجب أن أندمج معهم”.

ما الذي يعنيه الاندماج؟

رد السيد سليمان عبد القادر رئيس الرابطة كان واضحاً: “سمعت من بعض المؤسسات السويسرية أنه (أي الاندماج) هو إتقان اللغة واحترام القوانين. نحن نرفع شعارا أخر: إتقان اللغة واحترام القوانين، ثم لابد من واجب على المسلم أن يؤديه في هذا المجتمع، واجب لصالح هذا المجتمع”.

هذا ما يسميه السيد جمال الخطيب بالاندماج الإيجابي أو الاندماج المسؤول، أي “أن يكون المسلم، وهذا من مبادئ الدين، أن يكون نافعاً أينما وُجـد،(…) حتى وأن أقام بعض الوقت في هذا البلد، لا بد أن تكون إقامته إقامة إيجابية، ومشاركته تكون مشاركة إيجابية، ودور يكون حيوياً”.

الملتقى وطريقة عرض رسالة الاندماج

رسالة الاندماج كانت دائماً مرفوعة كشعار لملتقى الرابطة منذ تأسيسها كجمعية عام 1992. هذا أمر معروف ولا جدال حوله.

لكن، يحق للمراقب أن يتساءل كيف يتم تقديم تلك الرسالة للحاضرين في الملتقى السنوي. كان لافتاً على سبيل المثال أن أغلب المحاضرين في بولاخ قرب زيورخ كانوا من العرب غير المقيمين في سويسرا، ممن تغلب عليهم صفة “الدعاة”، أكثر من المختصين القادرين على التعليق على طبيعة المشاكل المحددة التي يتعرض لها المسلم أو المسلمة في المجتمع السويسري.

يرد السيد سليمان عبد القادر على هذا التساؤل بأن لفت إلى وجود بعض المتحدثين من المقيمين في سويسرا “يعني مثلاً الأستاذ خلدون ضياء الدين، هذا سويسري الأصل، وموجود، وهو أعطى محاضرة بالأمس وكانت بالفرنسية، واليوم إن شاء الله سيعطي محاضرة أيضاً”.

ثم يردف قائلاً “ما نطرحه من برنامج يدخل في السوق، سوق العرض والطلب، والناس لابد لها من أسماء تجذبها إلى هذا. فلو أتيت ببعض الأساتذة هنا من المسلمين في سويسرا فقط، ربما لا تقبل عليها الجالية كما لو أتي إليها بأسماء مشهورة تجذبهم، ومن خلال هذا الجذب أتحدث إليهم ببرنامج الرابطة”.

هذا صحيح. لكن لو قارنا بالمنتديات التي تعقدها الأطراف السويسرية المدنية حول موضوع اندماج المسلمين في سويسرا، نجدها تدعو عادة خبراء وأكاديميين ومسؤولين سويسريين إضافة إلى ممثلين عن الجاليات المسلمة، وتقسمهم على ورش عمل محددة، تخرج بعدها بنتائج يمكن البناء عليها مستقبلاً. شتان إذن ما بين الحديث الذي يدخل في إطار الوعظ والإرشاد، ومرادفه المتفحص للمشكلة في إطارها، والباحث عن حل لها.

انفصال عن الواقع!

هذا لا يعني أن الرابطة لا تفكر مستقبلاً في دعوة ممثلين عن المؤسسات السويسرية للمشاركة في ملتقاها السنوي.

فقد أوضح السيد سليمان عبد القادر في معرض رده على السؤال السابق قائلا:ً “سنسعى إن شاء الله في المستقبل أيضاً، وهذا ساعين فيه أيضاً ولكن الظروف مازالت تمنع، أن نجلب أيضاً من المؤسسات السويسرية من وضع نصب عينيه قضية الاندماج للأقليات في هذا المجتمع لكي يُدلو بدلوهم أيضا ولكي يعطوا الاطمئنان لهذه الجالية”.

السيد عبد القادر لم يجانب الصواب في التأكيدعلى أهمية بل وضرورة توافر دور للمؤسسات السويسرية في تسهيل عمل الرابطة، أو أعمال الجمعيات ذات الطابع الإسلامي والديني بصفة عامة. لكن سيكون من الصعب على تلك المؤسسات القيام بذلك عندما تجد أن من ضمن فعاليات برنامج الملتقى السنوي للرابطة فقرة أناشيد دينية، يدعو أحدها بل ويحث على إقامة “الدولة الإسلامية”.

ورغم حرية المنشدين وبعض المستمعين إليهم في الإيمان بقيام دولتهم المثالية في أي صورة كانت، وهي حرية يكفلها الدستور السويسري، إلا أن السؤال يظل مشروعاً: “دولة إسلامية”؟ حسناً. ولكن أين؟ هنا في سويسرا؟.. ومادامت الإجابة ستكون حتماً بالنفي القاطع، فأين موقع مثل هذا النشيد إذن من ملتقى يدعو المشاركين فيه إلى الاندماج إيجابياً في المجتمع السويسري؟

إلهام مانع – بولاخ – سويس إنفو

رابطة مسلمي سويسرا:
تأسست عام 1992.
يبلغ عدد أعضائها المسجلين نحو 150 شخص.
اعتادت على عقد ملتقاها السنوي في مخيم على مدى 3 أيام في منطقة البحيرة السوداء في كانتون فريبورغ.
عقدت ملتقاها هذا العام يومي 18 و19 سبتمبر في كانتوني فريبورغ وزيورخ.
فسر رئيس الرابطة ذلك التغيير بالرغبة في التوجه إلى الأقلية المسلمة في مواقعها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية