مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزمة سكانية في الأهواز أم رسالة انتخابية؟

مرة أخرى، سلّـطت الأحداث الجارية في إقليم خوزستان، جنوب شرقي إيران، الضوء على الأقلية العربية في إيران.

وفيما نفت السلطات الإيرانية وجود “الوثيقة” التي أطلقت شرارة المظاهرات، يُطالب سكان الإقليم بالحصول على حقوقهم الدستورية كاملة.

سلّـطت الأحداث الجارية في إقليم خوزستان، جنوب إيران، الضوء، ولو قليلا، على الأقلية العربية في إيران، والتي يتجاوز عددها الخمسة ملايين من العرب الأقحاح، الذين لا زالوا يتمنّـون أن يحصلوا على حقوقهم الدستورية وأن يُـنصفوا في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، الذي قدّموا من أجل قيامه، الكثير من التضحيات.

ومع أن دستور الجمهورية الإسلامية ينظر إلى عرب إيران على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى، يحق لهم ممارسة طقوسهم الثقافية باللغة العربية، إلا أنهم يشكون من أن البنود المتعلقة بهذه الحقوق معطلة، رغم أنهم ممَـثـلُـون في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، وفي مجلس الخبراء المكلف بعزل أو تعيين قائد النظام (الولي الفقيه)، وحتى في الحكومة.

ويُعد الأميرال علي شمخاني (التميمي)، وزير الدفاع الحالي، أعلى مسؤول عربي في الحكومة، ولكن هذا لايكفي لإزالة الشعور القوي بالغبن والإحباط الذي يشعر به سكان الإقليم النائم، على مُـعظم احتياطي إيران من النفط والغاز.

ويتكلم شمخاني العربية بطلاقة، لكنها ليست اللغة العربية النقية التي يعرفها العرب (من خارج إيران). فقد مارس نظام الشاه السابق سياسة “التفريس” بكل قوة مع سكان الإقليم، الذي ضمه بشكل رسمي لإيران عام 1925، وفرض عليهم اللغة الفارسية، وحاربهم بكل ما أُوتي من قوة لمنعهم من التحدث بالعربية، فاختلط على القوم استخدام المصطلحات، وهم يعضون على لغتهم الأصلية بالنواجذ دون أن يمنعهم ذلك من الاحتفاظ بكل تقاليد وأخلاق العرب، وحتى عاداتهم العشائرية القبلية.

وثيقة وتظاهرات

يوم الجمعة 15 أبريل الماضي، نظم عدد من عرب إيران، وتحديدا في الأهواز، مركز إقليم خوزستان، مظاهرات سِـلمية، إثر نشر رسالة طالبت وزارة التخطيط التابعة للرئاسة الإيرانية، بتعديل التركيبة العرقية في الإقليم، وقد نسبت الرسالة إلى حُـجة الإسلام، محمد علي أبطحي، المدير السابق لمكتب الرئيس محمد خاتمي.

وكالعادة في أية مظاهرات تجري في إيران، فإن الذين يتصيّـدون لإيران لإيقاعها في أزمة قوميات وأقليات، نجحوا في إيجاد اضطرابات باتت السمة البارزة لجميع مظاهرات الاحتجاج في البلاد.

وبات واضحا أن التطوّرات الجارية في العراق المجاور، بعد انتخاب زعيم كردي رئيسا للبلاد، تركت بصمتها بقوة على تحرّك القوميات الإيرانية، التي يتواجد فيها من يُـخطط أو يُـفكّـر بالانفصال، خصوصا وأن الولايات المتحدة التي أصبحت تُـحاصر إيران من جميع الجهات، والتي تدعَـم أو تؤيّـد على الأقل أي تحرك ضد النظام، تنظر الى “تفكيك إيران، وتفجيرها من الداخل”، بأنه السلاح الأنجح لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، والتخلص منه بعيدا عن الحرب وورطة قوية على شاكلة ما حصل في العراق.

أبطحي ينفي

نفى أبطحي على موقعه على شبكة الإنترنت، أن يكون قد صاغ تلك الرسالة التي أصبحت لدى الأهوازيين تُـعرف بـ “الوثيقة”، واصفا الحدث بأنه “غير منطقي”، مؤكّـدا أنه لم تكن له يوما القُـدرة على تعديل التركيبة العرقية، ومعتبرا أنه لا أحد سيكون قادرا على القيام بذلك.

ولا يحتاج أبطحي إلى النفي لتوضيح موقفه، اللّـهم إلا لأن مثل هذا النفي يُـصبح ضروريا للرد على أولئك الذين يريدون الإيقاع بين الإصلاحيين وسكان الإقليم على أعتاب الانتخابات الرئاسية، المقررة في يونيو المقبل، بعد أن صوّت العرب في خوزستان لصالح الرئيس الحالي سيد محمد خاتمي في الانتخابات التي جاءت به إلى سـدّة الحكم عام 1997.

ومن يعرف أبطحي وحبّـه لعرب إيران، ولعموم العرب في العالم وصداقاته الواسعة الممتدة بالطول والعرض، سواء داخل إيران أو خارجها، لا يحتاج إلى هذا النفي، خصوصا وأن أبطحي، المستشار للرئيس، ومساعده السابق للشؤون القانونية والبرلمانية، يَـعتبر نفسه عربيا أولا، لأنه يُـصر على التحدث بالعربية التي لا يُـحسنها، في كل المقابلات التي يُـجريها له الإعلام العربي، وثانيا، وهو الأهم، فلأن أبطحي وكل (السادات) في إيران، بدءأ من مُـرشد الجمهورية الإسلامية سيد علي خامنئي، ومرورا بالرئيس خاتمي. وصولا إلى أبطحي، هم ممن تعود نِـسَـبهم إلى آل الرسول (ص).

والسبب الثاني، أي النسبة إلى قريش، هو من رجّـح كَـفة خاتمي في رئاسيات عام 1997 التي نافسه فيها رئيس البرلمان الأسبق، علي أكبر ناطق نوري، وهي الإنتخابات التي رمى المحافظون فيها بكل ثقلهم ولكن دون جدوى.

وكان العربي من سكان الأهواز وباقي المدن والقصبات العربية في إقليم خوزستان، يُـجيب بعفوية على السؤال: لمن أدليت بصوتك في تلك الانتخابات التاريخية؟ بقوله: “للسيد”، ويُقصد به العربي خاتمي.

رسالة انتخابية

وقبل أبطحي، نفى محافظ إقليم خوزستان، فتح الله مُـعين، وجود مثل هذه الرسالة، وقال إن الرسالة التي نُـسبت إلى أبطحي “مُـزوّرة”، مشيرا إلى أنها ترمي لـ “زرع الفتنة وإحداث اضطرابات”. كذلك، تعهّـد المتحدث باسم الحكومة، عبد الله رمضان زاده، بأن تتعقب وزارة المخابرات والمجلس الأعلى للأمن القومي، مروجي الرسالة وستُـلقي القبض عليهم.

ونفى الإصلاحيون من خارج الحكومة وجود هكذا رسالة، بل ذهب محمد رضا خاتمي، زعيم جبهة المشاركة الإسلامية، أكبر الأحزاب الإصلاحية (وهو شقيق الرئيس)، إلى أبعد من النفي، حين اتهم جهات من المحافظين بتزوير “الرسالة” والترويج لها للتأثير في المعركة الانتخابية القادمة على الرئاسة، واعتبر في تصريحات مُـثيرة أن المحافظين يقِـفون خلف افتعال هذه الأزمة، بعد أن تأكّـد لهم أن مُـرشح الإصلاحيين (وزير التعليم العالي مصطفى معين)، سيحصد أصوات العرب في الانتخابات.

ملف العرقيات

سكان الأهواز وعموم سكان خوزستان، لا يبدون مكترثين بالسجّـال الدائر بين المحافظين والإصلاحيين حول سبب الأزمة الأخيرة، لأنهم يعتقدون أساسا أن المظاهرات هي للاحتجاج على سياسات الحكومة المركزية الرامية إلى تنفيذ مخططات تعديل التركيبة السكانية، ويؤكّـدون أنها “موجودة على الواقع، كبناء المستوطنات، وتهجير العرب إلى مناطق أخرى، وعدم تدريس اللغة العربية بالمدارس الابتدائية”.

ويرفض هؤلاء تعليق أسباب الأزمة وكل ما يعانونه على شماعة الخارج، بالرغم من أن بعض التنظيمات التي تدعو إلى الانفصال، تتّـخذ من الخارج مقرّا لها، ويقيم بعض زعمائها في الولايات المتحدة، والتقى عدد منهم مسؤولين أمريكيين، طالبا الدعم.

وفي الغالب، فإن مطالب عرب الإقليم كانت تتلخّـص (بُعيد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979) في منحهم العدالة والإنصاف من قِـبل السلطات، وتطبيق بنود الدستور الذي شاركوا في صياغته، بعد أن ساهموا بفاعلية في إسقاط نظام الشاه،إلا أن التراخي في تحقيق هذه المطالب طيلة ربع القرن الأخير، من شأنه أن يعجِّـل في تطبيق خُـطة أمريكية لرسم خارطة شرق أوسطية جديدة عبر تحريك ملف العرقيات في المنطقة، خصوصا داخل إيران لتفكيكها وتغيير النظام القائم فيها.

خطة مبيتة

من جهة أخرى، اعتبر مصدر وثيق الصّـلة بالنظام في إيران، أن ما جرى كان “خطة مبيتة منذ شهور، بمشاركة قناة الجزيرة الفضائية” حسب زعمه، مشيرا إلى أن أحد مراسلي القناة ترك إيران هاربا إثر توجيه تحذير جدّي للقناة في شهر رمضان الماضي، وبعد سلسة من التقارير بثتها الجزيرة عن الإقليم، وذهب المصدر إلى حد الحديث عن “مثلث” يتشكّـل من قناة الجزيرة والجامعة العربية والولايات المتحدة”، حسب قوله.

وبغض النظر عن صحة هذه الإتهامات من عدمها، فمن المؤكد أن السلطات الإيرانية لا تتهاون في التعاطي مع هذا الملف الدقيق، وكانت طردت في السابق أحد مراسلي قناة أبوظبي من الإقليم عندما كان يصوّر تقارير عن موقف السكان من الحرب التي شنتها الولايات المتحدة قبل عامين لإسقاط النظام العراقي السابق.

الحوار المفقود

ويعتقد عارفون بالشؤون الداخلية الإيرانية أن هذه الأزمة يُـمكنها أن تتفاقم وتصل إلى مرحلة تفكيك إيران، إذا لم يحسن الإيرانيون التعاطي معها بعيدا عن الضغوط النفسية والتأثيرات الخارجية، وما لم يبادروا بفتح حوار مُـصالحة ومكاشفة مع سكان الإقليم لحلّ مشاكلهم، وتحقيق مطالبهم الدستورية، لغلق منافذ “الفتنة” الخارجية.

وعُلم في هذا السياق، أن الرئيس محمد خاتمي أرسل وفدا من وُجهاء العرب، ومن أعضاء البرلمان، لتهدئة الأوضاع وتطييب الخواطر، وهي مهمّة صعبة في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد.

فقد تحدّثت المعلومات عن استمرار ما أصبح البعض من عرب إيران في الخارج يُطلِـق عليها اسم “الانتفاضة الشعبية”، في أغلب مدن الإقليم في الأهواز، ومعشور، والحميدية، وعبد الخان، وشيبان، والشيبة، والزويّة، وعبادان، أكبر مصفاة للنفط في المنطقة.

وقالت مصادر، إن خرمشهر “المحمرة” وعبادان، شهدت أيضا احتجاجات أكثر سلمية، حيث اجتمع المحتجّـون في المساجد والحسينيات، لمتابعة حالة الاحتقان الشديد، بعد ورود أنباء عن سقوط قتلى في صفوف المتظاهرين.

نجاح علي محمد – دبي

في العشرين من ابريل 1925 تم احتلال إقليم الأحواز (عربستان) من قبل نظام الإيراني الشاهنشاهي، بعد أن تم استدراج الشيخ خزعل الكعبي حاكم البلاد إلى فخ نُصب له من قبل قائد الجيش الإيراني الجنرال زهدي.
تقع الأحواز إلى الجنوب الشرقي من العراق، وهي تتصل معه اتصالاً طبيعياً عبر السهول الرسوبية وشط العرب، بينما يفصلها عن إيران حاجزً طبيعيً يتمثل في سلسلة جبال زاغروس ويحد الأحواز من جهة الشمال والشرق إيران، ومن جهة الجنوب شط العرب ومن جهة الغرب العراق، وقد أطلق الفرس على بلاد الأحواز اسم عربستان أي بلاد العرب.
تبلغ مساحة الأحواز 185000 كم مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي الخمسة ملايين نسمة، غالبيتهم العظمى من العرب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية