مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أمريكا في الشرق الأوسط.. بين فقدان الاحترام وضياع الهيبة

يرى الدكتور ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية والمدير السابق لتخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية وجود "نظام عالمي جديد مختلف" Keystone

في عنفوان الانفراد الأمريكي بزعامة العالم وخاصة مع نظرية القرن الأمريكي التي روج لها المحافظون الجدد قبل سنوات كان من أهم أهداف الهيمنة الأمريكية خلق شرق أوسط جديد تهيمن فيه الولايات المتحدة على المقدرات والأوضاع، ولو عن طريق إشاعة مناخ من "الفوضى الخلاقة" لإعادة رسم خريطة المنطقة.

ولكن جاءت الرياح بما لا يشتهي السّـفنُ وأخفق غرور القوة في تحقيق مآربه في المنطقة، بل وأخذت أمريكا تفقد احترامها شيئا فشيئا كما أدى اضطلاع أطراف إقليمية بإدارة مشاكل المنطقة إلى ضياع قدر كبير من هيبتها.

ولعل اتفاق الدوحة الذي أنهى الأزمة الرئاسية اللبنانية وحال دون تحقيق الهدف الأمريكي بعزل حزب الله وتقليص نفوذه منذ عام 2004، والوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل رغم سنوات من الضغط الأمريكي على إسرائيل لكي لا تتفاوض مع سوريا، والوساطة المصرية بين حماس وإسرائيل والتي انطوت على الإقرار بأنه لا تهدئة بدون حماس، التي تواصل واشنطن حصارها ومحاولات عزلها، هي مجرد أمثلة على النمط الجديد لديناميكية العلاقات الدولية في الشرق الأوسط بعيدا عن ماما أمريكا.

ويرى الدكتور منذر سليمان، خبير شؤون الأمن القومي الأمريكي أن الأطراف الإقليمية في الشرق الأوسط تشعر بأن الولايات المتحدة في حالة من الانكفاء والتراجع الاستراتيجي، رغم مكابرة إدارة الرئيس بوش، وتتجسّـد تلك الحالة في حالات التعثر والإخفاق للمشروع الأمريكي من أفغانستان إلى الصومال، مرورا بالعراق والسودان وفلسطين ولبنان، مما فتح المجال أمام بعض القوى الإقليمية للشعور بأنها متحررة نسبيا من الالتزام المطلق بالهوى الأمريكي، خاصة في ضوء العجز الأمريكي عن الوفاء بالوعود التي تقدمها لحلفائها والإخفاق الأمريكي في تحويل الأزمة الرئاسية الأمريكية إلى اختبار لقدرة واشنطن على تأليب الأطراف لتنفيذ مآرب أمريكية، استهدفت تقليص نفوذ حزب الله وعزل سوريا من خلال النهج التصعيدي الذي استهدف إما تجميد تسويات ممكنة لا تتماشى مع هوى أمريكا أو بفرض تسويات لصالح الطرف الأمريكي، وهكذا شهدت الشهور الأخيرة التي تزامنت مع العد العكسي لنهاية رئاسة بوش نشاطا إقليميا من كل الأطراف الإقليمية ذات النفوذ لتحسين أوضاعها، وفي نفس الوقت محاولة التكيف مع بيئة إقليمية جديدة لم تعد فيها الولايات المتحدة تحتل مقعد من يقرر مجريات الأمور في الساحة الإقليمية.

وفي المقابل، نرى ضغوطا لإبقاء تجسيد لنوع من نفوذ واشنطن في المنطقة من خلال السباق الأمريكي المحموم لإبرام صفقة مع حكومة المالكي، توفر غطاء قانونيا لبقاء أعداد ضخمة من القوات الأمريكية في العراق لأجَـل غير مسمى.

وقال الدكتور منذر سليمان، إن بوش يحاول قبل أن يرحل من البيت الأبيض توريث وضع لمن يخلفه، ينطوي على إسباغ الصيغة الشرعية على الاحتلال الأمريكي للعراق، بعيدا عن الغطاء المصطنع الذي وفره تفويض الأمم المتحدة الذي ينتهي بنهاية العام الحالي، وذلك لإجبار الرئيس القادم، سواء كان باراك أوباما أو جون ماكين، على الاستمرار الأمريكي في العراق، وبحيث يكون الاتفاق الأمني المنتظر توقيعه مع حكومة المالكي هو الهدية التي يمكن لبوش تقديمها للمرشح الجمهوري جون ماكين لتثبيت أن سياسة الولايات المتحدة، رغم الصعوبات والإخفاقات، تحقق بعض النجاح من خلال إقامة نظام حكم حليف في بغداد وإبرام اتفاق ثنائي لا يحتاج تدخل الكونغرس.

وردا على سؤال لسويس إنفو عن تفسيره لإصرار سوريا وإسرائيل على المشاركة الأمريكية في المفاوضات بينهما، في ظل ما وصفه الدكتور منذر سليمان بالتراجع والانكفاء الاستراتيجي الأمريكي قال: “طالما أن الأطراف الأساسية فيما يسمى بعملية السلام التي أصبحت مجرد سراب تعتمد على المرجعية الأمريكية، فسيكون هناك بالتأكيد دور للولايات المتحدة، خاصة كضامن لأي اتفاق يتم التوصل إليه، ولا يعني فقدان الولايات المتحدة لاحترامها بسبب ممارساتها في مجال العلاقات الدولية أنها قد انسحبت كليا من المسرح، وإنما يعني أنها أجبرت على التراجع في حالة المفاوضات السورية الإسرائيلية بعد فشل جهودها لعزل سوريا ونجاح دمشق في اجتذاب قوتين إقليميتين إلى جانبها إيران أولا ثم تركيا، في ظل غياب موقف عربي رسمي موحد، ومسارعة فرنسا في ظل قيادة ساركوزي إلى البحث عن دور له وزن في المنطقة من خلال البوابة السورية والمسرح اللبناني، كما أن الولايات المتحدة أخفقت في تأمين جبهة من الدول العربية المعتدلة، مثل السعودية وبعض دول الخليج ومصر والأردن ضد إيران”.

الانتقال من الأحادية القطبية إلى التعددية

أما الدكتور ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية والمدير السابق لتخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية، فيرى أن العالم بصدد نظام عالمي جديد مختلف. فبعد أن انفردت الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة بزعامة العالم، تصاعدت حدة المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في أنحاء العالم وتصاعدت الشكوك في حكمة وشرعية السياسات الخارجية للولايات المتحدة، وخاصة مبدأ الضربات الاستباقية والانفراد بقرار غزو العراق، بشكل جعل أطرافا دولية عديدة تنظر إلى الولايات المتحدة، ليس كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم، بل كتهديد لمصالحها القومية.

ولكن فيما تتنامى قوة الصين والاتحاد الأوروبي واليابان، وتحاول روسيا استعادة مكانتها الدولية، لا تبدو أي من تلك القوى الدولية في وضع يؤهلها للانتقال بالعالم إلى التعددية القطبية في الوقت الراهن. لذلك، يخلص الدكتور ريتشارد هاس إلى أن العالم سيدخل عصرا خاليا من الزعامة الأحادية القطبية للأسباب التالية:

أولا، الاعتبارات التاريخية: وتفضي إلى أنه مع نمو القوة البشرية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية في مناطق مختلفة من العالم، سيزداد عدد القوى الفاعلة والمؤثرة في النظام العالمي في المستقبل.

ثانيا، اخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية، والتي ساعدت خلال فترتي رئاسة بوش على ظهور مراكز قوى دولية جديدة، فيما أضعفت من هيبة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم.

ثالثا، العولمة: التي باتت ترسخ نظام غياب الأقطاب وتزيد من تأثير وقوة ونفوذ أطراف لا تنضوي تحت وصف الأمم أو الدول.

ويقول الدكتور هاس: “إن هذا التحول في النظام الدولي من شأنه أن يلحق الضرر بمكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى في ضوء تعدد مراكز القوى في العالم في المستقبل، ومحاولة تلك القوى ممارسة نفوذها على الساحة الدولية، مما سيجعل من الصعوبة بمكان التوصل إلى التوافق الدولي الذي اعتادت واشنطن تحقيقه من خلال انفرادها بالأحادية القطبية”.

وينصح الدكتور ريتشارد هاس الإدارة الأمريكية بتبني أسلوب جديد في العلاقات الدولية، يعتمد التعددية في اتخاذ القرار الدولي من خلال منظمات المجتمع الدولي لكي يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على ما تبقى لها من هيبة في عالم اليوم.

ويتفق الدكتور منذر سليمان إلى حدٍّ ما مع تحليل ريتشارد هاس، فيرى أن المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة كإمبراطورية تعتمد على نشر القواعد العسكرية في أكثر من ثمانين دولة في أنحاء العالم وتأمين تدفق البترول لها وللغرب من خلال تأمين نظم حكم صديقة أو حليفة للولايات المتحدة، خاصة في منطقة الخليج، هو أن متطلبات الحفاظ على مكونات تلك الإمبراطورية أصبحت باهظة التكاليف مع التورط في مغامرات عسكرية مكلفة دفعها إليها مجمع الصناعات العسكرية والنفطية الأمريكية والمحافظون الجدد واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

ومع تنامي أطراف دولية أخرى، بدأ طموح مراكز قوى دولية جديدة في الظهور على مسرح الزعامة العالمية، غير أن الدكتور منذر سليمان يرى أن الولايات المتحدة لا زالت تتصرف وكأنها رئيس مجلس إدارة النظام العالمي وتجعل من الأطراف الدولية الأخرى، حتى الحليفة منها، نوعا من الشركاء الثانويين.

غير أنه يرشح الصين وروسيا والهند واليابان والاتحاد الأوروبي لقيادة التحول نحو صياغة نظام عالمي جديد قد يبدأ بجهود حقيقة لتغيير وضع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والذي لا يزال يعكس أوضاع وتوازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يعكس الثقل الجديد لأقطاب صاعدة في أفق النظام العالمي اليوم، ولعل انكشاف نقاط ضعف الإمبراطورية الأمريكية في العراق وأفغانستان يُـغري تلك القوى على استغلال الإفلاس السياسي والعسكري والمعنوي للولايات المتحدة في الدفع بالنظام العالمي بعيدا عن الأحادية القطبية للولايات المتحدة.

وردا على سؤال لسويس إنفو عما إذا كانت الولايات المتحدة قد فقدت الاحترام أم تعاني من ضياع هيبتها كقوة عظمى، خاصة في الشرق الأوسط، قال الدكتور منذر سليمان: “الولايات المتحدة لا تزال تشكل قوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية مهيمنة على المسرح الدولي، لكنها فقدت انفرادها بالتحكم الكلي في مجريات الأمور في العالم من خلال سياساتها الفاشلة، الأمر الذي شجع قوى عالمية وإقليمية على انتزاع ما تستطيع انتزاعه من أدوار على الساحة الدولية، خاصة في ظل عجز إدارة بوش، وفقدان الهيبة لمكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم، حتى على المسرح الأوروبي، وبالتالي، لم تعد أمريكا تحظى بالهيبة المعنوية التي كانت تدفع خصومها إلى الشعور بالرهبة من تحديها والتي كانت تجبر الحلفاء على الالتزام الكامل بكل ما تريده منهم واشنطن، حتى ولو جاءت في شكل إملاءات أمريكية، مما فتح أمام كل من الخصوم والحلفاء هامشا أوسع من المناورة وهم يراقبون فقدان الولايات المتحدة للاحترام وتعرض هيبتها للضياع”.

محمد ماضي – واشنطن

واشنطن (رويترز) – واشنطن (رويترز) – قال ضابط بارز في الجيش الامريكي مسؤول عن تدريب القوات العراقية يوم الاربعاء 9 يوليو 2008 ان القوات البرية الامريكية في العراق ستنجز معظم عملياتها القتالية بحلول منتصف عام 2009.

وقال اللفتنانت جنرال جيمس دوبيك أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الامريكي “القوات البرية ستنجز معظم مهامها بحلول منتصف العام القادم.” وأضاف دوبيك ان ذلك يمكن أن يحدث بين شهري أبريل نيسان وأغسطس اب.

وقال دوبيك انه لازالت هناك حاجة للقوات الامريكية في الوقت الراهن لتقديم الدعم الجوي والتدريب. ورفض التحدث عن الموعد الذي ستنجز فيه جميع القوات الامريكية عملياتها القتالية في العراق. وقال ان ذلك يتوقف على الوقت الذي ستنجز فيه الحكومة العراقية بعض الاعمال ومنها شراء الطائرات الخاصة بها.

وقال دوبيك ردا على سؤال من ايك سكلتون وهو نائب ديمقراطي عن ولاية ميزوري يترأس اللجنة بأن يحدد موعدا لاكتمال عمليات كافة القوات الامريكية في العراق انه لا يمكنه تحديد موعد معين.

وتأتي تصريحات دوبيك في الوقت الذي يثير فيه مسؤلون عراقيون امكانية وضع جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية في اطار مفاوضات حول اتفاق أمني جديد مع واشنطن. وقال مسؤلون أمريكيون انهم يعارضون تحديد تواريخ للانسحاب.

وقال دوبيك ان عدد أفراد قوات الامن العراقية ارتفع الى 566 ألفا في مايو ايار 2008 من 444 ألفا في يونيو حزيران 2007. وأَضاف أن كفاءة هذه القوات تحسنت أيضا على الرغم من أن القيادة غير منتظمة ولاتزال هناك جيوبا طائفية.

وأضاف أن المكاسب الامنية في العراق “مثيرة لكنها من الممكن أن تنتكس..” وأردف “شكل ما من الشراكة والمساعدة … برأيي لازال ضروريا.”

وقال دوبيك ان القوات العراقية تسيطر حاليا على تسع محافظات من 18 محافظة في العراق. وقال في يناير كانون الثاني ان بامكان القوات العراقية تولي مسؤولية الامن في جميع محافظات العراق بحلول نهاية عام 2008

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 يوليو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية