مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أي بديل لعرفات؟

Keystone

يبحث الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله جاهدا عن أي موقف يسانده ويخفف عنه ثقل الحصار الذي يفرضه عليه رئيس الحكومة الاسرائيلية ارئيل شارون ويكسر طوق العزلة السياسية الذي تفرضه عليه ادارة الرئيس جورج بوش في واشنطن، لكنه يدرك ان قوته الحقيقية هي حيث يحاصر في رام الله بين ابناء شعبه

الرئيس عرفات بعد ان اوفد كبار مسؤولي سلطته الى العواصم العربية، وعادوا اليه خالي الوفاض افكارا و مبادرات، اوفد مسؤولين اخرين الى انقرة وبكين، لعل وعسى يأتي منهما او من احداهما الفرج.

ولقد استلم الرئيس عرفات نهاية الاسبوع الماضي كلمة العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس في دورتها التاسعة عشر وبيانها الختامي وسمع التصريحات التي ادلي بها في عمان والقاهرة والرياض وكل ذلك يتضمن دعما له وتمسكا بشرعيته رئيسا للسلطة الفلسطينية وقائدا للشعب الفلسطيني.

من بكين على الضفة الغربية للمحيط الهادي الى مراكش على الضفة الشرقية للمحيط الاطلسي تبقى عين عرفات متجهة الى واشنطن واذنه تنتظر سماع كلمة لعل وعسى تحمل له جديدا اقل عداء مما رآه وسمعه من الادارة الامريكية خلال الاسابيع الماضية.

لكن الروح السياسية لعرفات، أدرك ذلك ام لا، مرهونة حيث جسده،هناك في رام الله. فلاول مرة منذ آب – اغسطس من عام سبعة وستين وتسع مائة وألف، يحاصر على ارض فلسطين وبين ابناء الشعب الفلسطيني.

فبعيد حرب حزيران، وحين كان لا يسمع به الا قلة من رجال المخابرات في هذه العاصمة العربية او تلك، كان “يعقوب” او “الحاج محمد”، يعد لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية، وفي الجبال المحيطة بمدينة نابلس حاصرت القوات الاسرائيلية ياسر عرفات، لكنه خاض معركة واستطاع الافلات من قبضة محاصريه.

حظ عرفات..

منذ ذلك التاريخ وعرفات، ناطقا رسميا لحركة فتح او رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية او للدولة الفلسطينية او للسلطة الفلسطينية، يحاصر عسكريا اكثر من مرة وفي جغرافيات متعددة، لكنه في كل تلك الحصارات، من مخيم الكرامة وعمان وجبال جرش في الاردن الى بيروت و طرابلس في لبنان الى دمشق في سوريا، كان عرفات يجد سندا عربيا ودوليا يشد من عضده ويحميه حتى في اكثر لحظات الحصار قسوة، لكنه كان خارج فلسطين و يشعر في بعض الاحيان انه يحمل عبئه لمواطنين هم في النهاية ليسوا شعبه، حتى لو كانوا يتوحدون مع شعبه بالدم والتاريخ والمستقبل. فيضطر للانسحاب.

لهذا فإن للحصار في رام الله نكهة اخرى، تشجعه، رغم قساوة الحصار، على الصمود والمناورة، خاصة حين يسمع المواطنين الفلسطينيين عبر لقائه او الهتافات التي يرددونها على مسامعه على اسوار مقر قيادته او عبر الاذاعة والتلفزيون الفلسطيني يعلنون تمسكهم به زعيما لهم او حين يستقبل قيادات الفصائل الفلسطينية بكل توجهاتها يؤكدون له وقوفهم خلفه وعدم التخلي عنه.

لكن هل شعارات مواطنيه وكلمات قادة الفصائل كافية لحمايته وافشال مخطط ارئيل شارون المدعوم امريكيا بإنهاء دوره السياسي في ظل عجز عربي ودولي عن لعب أي دور في دعمه ومساندته؟

من حظ عرفات انه، وهو محاصر بين جدران مقر قيادته، أن يجد أمامه ارئيل شارون المحاصر هو الآخر في مخططه وقراره بإنهاء عرفات جسديا وسياسيا. هذا القرار الذي لا يمكن تنفيذه الا بترك القدر يلعب دوره او قيام فاعل فلسطيني بإعلان انتهاء عرفات. فشارون الذي كان يريد القضاء على عرفات خلال حصار بيروت عام اثنين وثمانين وفشل، لا يستطيع تحقيق حلمه الان في رام الله لانه سيكون اغتيالا بشعا ووقحا لن يقبل في ظل حملة عالمية تشن ضد الارهاب.

غياب البديل المقبول…

ويبقى امام شارون والادارة الامريكية الخيار الثاني وهو ما يفتقدون حتى الان ادواته. فمنذ فشل قمة كامب ديفيد طرحت تل ابيب، وكذلك فكرت واشنطن في مسألة البديل عن عرفات. واذا كانت الاسماء التي تطرح سرعان ما تنفي مجرد التفكير في هذه المسألة، فإن عرفات كان يسرع الى تقليص صلاحياتها وابعادها عن دائرته في صناعة القرار.

لقد استطاع الرئيس الفلسطيني منذ نهاية السبعينات ان يمسك كل خيوط اللعبة الفلسطينية بيده وأن يتحكم بإدق تفاصيل الفعل السياسي الفلسطيني وعطل قيام مؤسسات تشريعية وتنفيذية حقيقية،حتى لو كان يجري انتخابها “بشكل ديمقراطي”.

من جهة أخرى، غيب القدر العديد من رفاقه القدامى الذين مثلوا رموزا وطنية تلقى اجماع الشعب الفلسطيني وقواه السياسية مثل خليل الوزير ( ابو جهاد) او صلاح خلف (ابو اياد).

هذا الغياب للبديل الوطني المقبول فلسطينيا، الذي تراهن عليه اسرائيل وواشنطن، حتى لو كان لا يلقى رضاها الكامل، واذا كان ذلك احدى ضمانات قوة الموقف الفلسطيني واحدى الاوراق القوية بيد الرئيس عرفات، لانه بها يستطيع ان يضمن تأييد الجميع حتى معارضيه وبها يستطيع هزيمة كل من يحاول ابعاده، بإستثناء القدر الذي لا مفر منه، يصبح، اذا ما غاب عرفات بغض النظر عن سبب الغياب، وفي ظل فقدان المؤسسات الفلسطينية القوية، كارثة وطنية على الشعب الفلسطيني وقضيته.

وقد يكون القدر والزمن احد خيارات شارون لتحقيق حلمه بتغييب عرفات.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية