مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إسرائيل ما بعد سقوط بغداد

هل فعلا أهداف الحرب على العراق تصب في صالح إسرائيل؟ Keystone

تابعت إسرائيل الحرب على العراق وسقوط نظام صدام حسين بصمت نسبي وتروّي في المواقف، إذ لم يصدُر عن حكومة شارون ما يُـؤشّـر على أن ما جرى هو في صالح الدولة العبرية.

لكن هنالك إجماع بين الخبراء على أن الحرب على العراق وتبعاتها تصُـب دون شك في مصلحة إسرائيل.

في فم إسرائيل ماء، بيد أنه ماء فرات، رافده الحرب الأمريكية البريطانية على العراق ونتائجها المباشرة والبعيدة، والأرجح أن العين الاستراتيجية الإسرائيلية ترى أفقا رحبا وضاحا، تفضل تأمله على البوح به.

الرصانة والهدوء اللذان أبدتهما إسرائيل مع اندلاع الحرب، لم ينكسرا، حتى مع سقوط العاصمة العربية بغداد والانهيار السريع لنظام صدام حسين الذي ما فتئ يُنهي خُطبه بمقولته الشهيرة “عاش العراق وعاشت فلسطين حرة أبية من النهر إلى البحر”.

لم يخلق الانتشار السريع للقوات المحتلة في أرض الرافدين على مرأى ومسمع الدول العربية والإسلامية، ردة فعل غير طبيعية في الدولة اليهودية، وظلت السكينة سيدة الموقف.

الإعلان الرسمي الوحيد القوي البراق، لم يأخذ حيزا كبيرا، واكتفى القاموس العبري بدعوة الفلسطينيين والعرب إلى ضرورة التعلم من درس العراق دون الدخول في تفاصيل أو تعابير تبوح بالمكنون.

وفي تصريحاته الرئيسية بعد سقوط بغداد في مقابلة مع صحيفة “هارتز”، حافظ رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون على اتزانه ولم ينجر إلى فخ المجاهرة، وتجاهل الأسئلة المُـلحة بخصوص إسرائيل ما بعد سقوط بغداد.

لكن ثمة إشارات تضمنها حديث شارون عن استعداد إسرائيل للتفاوض مع الفلسطينيين، شرط تخليهم عن حق العودة وعن استعداده أو استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات “مؤلمة”. في المقابل، سارع شارون وأركان حكومته إلى اتهام سوريا بدعم الإرهاب وامتلاك أسلحة التدمير الشامل، وقد سبقوا الإدارة الأمريكية في حملتها الجديدة ضد دمشق، وهي الحملة التي تفتح على نافذة المكاسب الاستراتيجية لإسرائيل من حرب العراق.

محاور أساسية

تفعل الحروب فعلها ويقتسم المنتصرون الغنائم، وإن يكن حديث غنائم حرب العراق لم يتبلور جيدا، فإن إسرائيل لن تستطيع طويلا إخفاء آثار الحرب الإيجابية وتوافق نتائجها مع أهدافها الاستراتيجية.

وعندما أعادت لجنة المخابرات العسكرية الإسرائيلية تقييم ملفها الاستراتيجي بعد اندلاع الانتفاضة، كانت المحاور الرئيسية في ذلك الملف تتقاطع مع ما يحدث الآن. عندها، اعتبرت إسرائيل أن الفلسطينيين الذين يعيشون في إطار دولتها يشكلون التهديد الأكبر، يليهم في الترتيب إخوانهم في الضفة الغربية، ثم محور الدول الحدودية، لبنان ممثلة بحزب الله وسوريا كذلك.

ومثلت العراق ومعها إيران، المحور الرابع على قائمة التهديدات في اللغة الاستراتيجية الإسرائيلية، لكن يبدو أن النتائج الدرامية السريعة لتطورات الحرب على العراق تفعل فعلها في ذلك بشكل درامي أيضا.

وفي عداد المنتصرين في غزو العراق، تظهر إسرائيل التي انتصرت للرغبة الأمريكية وظلت صامتة ساكنة تنتظر انجلاء الموقف وترقب لحظة انتزاع المكاسب، مكاسب مباشرة سياسية واقتصادية وأخرى استراتيجية بعيدة المدى.

آما المكاسب السريعة، فتتمثل حسب المراقبين، في الاستفادة من تحول النصر السريع إلى عامل ضغط مباشر على سوريا، الأمر الذي راح يتبلور على أرض الواقع من خلال التهديدات الأمريكية البريطانية لسوريا بشأن الاتهامات حول امتلاك دمشق أسلحة دمار شامل.

سوريا، هدف رئيسي

جاءت الاتهامات، واستنادا إلى مصادر رسمية، على خلفية “اقتناع إسرائيلي”، أن سوريا تمتلك مصانع لصناعة صواريخ أرض أرض يصل مداها إلى 700 كيلومتر، وأن القيادة السورية باتت تؤمن “باستخدام الصواريخ ضد إسرائيل”.

الوصف الإسرائيلي الجديد هو “ضغط زر واحد”، الذي تستخدمه الدوائر الضيقة في إسرائيل لوصف ما تقول، إنه خطة سورية لشن هجوم ضد إسرائيل باستخدام مكثف سريع لهذه الصواريخ في ضربة واحدة مدمرة.

وترى إسرائيل أن السيطرة الأمريكية على العراق تعني تغييرا دراميا للقوة في المنطقة، لاسيما القوة الإقليمية التي تراها في سوريا والسعودية ومصر. المكسب الجديد الذي خلفته الحرب الجديدة يُـزيل هذه القوة ويضعفها.

وإضافة إلى طموح إسرائيل في الحصول على نفط رخيص بطريقة مباشرة من خلال إعادة التفكير في مشروع خط أنبوب كركوك حيفا، وغير مباشرة، والتطلع إلى المنافسة في السوق العراقية على غرار ما حققته في أفغانستان، فإنها ترى أن من شأن نتائج الحرب أيضا أن تخفف الضغط الذي تمارسه أوروبا ضدها في سياق عملية السلام في المنطقة.

وتشير المعلومات الأولية، أن الموقف المعارض للحرب الذي اتخذته فرنسا وألمانيا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي ضد الحرب في العراق، إنما سيترجم إلى ضغوط بالاتجاه المعاكس وفرصة للدولة العبرية للتخلص من الضغوط الأوروبية السابقة، بل إن إسرائيل تطمح إلى تحويل الضغط الأوروبي باتجاه سوريا للحصول على مكاسب تتعلق بتسوية سياسية، وكذلك ممارسة ضغط مباشر على حزب الله، لاسيما نزع سلاحه أو على الأقل إزالة قواعد صواريخه في الجنوب.

هناك أيضا احتمال الحصول على مكاسب أكبر فيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث تشير التوقعات إلى تشكيل حكومة فلسطينية جديدة برئاسة محمود عباس “أبو مازن”، تضم غالبية من حركة فتح التي تؤيد وقف الانتفاضة والعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل بأسرع وقت.

جاءت التطورات على الجانب الفلسطيني بعد موافقة الرئيس الفلسطيني على تعيين رئيس وزراء تحت تهديد خسارة الفلسطينيين مجددا حال لم يستجيبوا للتغييرات التي خلقتها الأزمة العراقية. إلا أن أجواء التفاؤل الإسرائيلية هذه، يشوبها توتر مخفي أيضا، تتداوله دوائر خاصة وينبع من الإفراط في التفاؤل والغرور، حجتها أن الوقت قصير جدا للدخول في حملة الانتخابات الأمريكية وأن الأمر هنا يتطلب دفع استحقاقات أيضا.

هشام عبدالله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية