مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إصلاح الأمم المتحدة على الطريقة .. الأمريكية؟

جون بولتون، السفير الأمريكي الجديد لدى الأمم المتحدة عند تقديم أوراق اعتماده إلى كوفي أنان يوم 2 أغسطس الماضي في نيويورك swissinfo.ch

يستعد عشرات القادة للمشاركة في القمة الإستثنائية التي تعقدها الأمم المتحدة في مقرها بنيويورك منتصف الشهر الجاري في الذكرى الستين لإنشائها.

ويخشى كثيرون الآن من أن يتحول المشروع الشامل الذي عرضه كوفي أنان لإصلاح المنتظم الأممي إلى أثر بعد عين بسبب التصلب الأمريكي..

عندما قرر حوالي مائة وسبعين رئيسا وملكا وزعيما المشاركة في قمة الأمم المتحدة في منتصف سبتمبر استند قرارهم إلى أن حضورهم في العيد الستين لإنشاء المنظمة العالمية سيتوج بالاتفاق على مشروع شامل لإصلاح الأمم المتحدة تم التفاوض حول بنوده تدريجيا على مدى سنوات طويلة، ولكن يبدو أن هؤلاء الزعماء سيصابون قريبا بخيبة أمل إذا أفلحت الضغوط الأمريكية التي يقودها مندوب أمريكا الجديد المثير للجدل السفير جون بولتون.

حيث كانت أولى مبادراته بعد تعثر موافقة مجلس الشيوخ على تعيينه، واضطرار الرئيس إلى تعيينه في عطلة الكونجرس، أنه قام بتوزيع اقتراح أمريكي بحذف أكثر من أربعمائة بند في مشروع إصلاح الأمم المتحدة وتقليص وثيقة مشروع الإصلاح إلى ثلاث صفحات فقط بدلا من تسع وثلاثين صفحة.

وكان رد الفعل الفوري لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تقديم اقتراح بولتون قبل أسبوعين من موعد كان الجميع يتطلع فيه إلى إقرار حشد زعماء الدول الأعضاء لأكثر الإصلاحات ثورية خلال ستين عاما من عمر المنظمة العالمية، ليس إلا تخريبا أمريكيا لمحاولة الأسرة الدولية الارتقاء بالأمم المتحدة لتفي باحتياجات حيوية من العجيب أن الكثير منها كانت مطالب أمريكية خاصة التأقلم مع الوقت الراهن وتوفير الكفاءة والشفافية لعمليات المنظمة.

وكان أغرب ما انطوت عليه مقترحات المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة إعادة التفاوض حول بنود الإصلاح كما وردت في المشروع، وهو ما وصفه دبلوماسيون في الأمم المتحدة بأنه العودة إلى نقطة البداية.

ووصف خبراء شؤون الأمم المتحدة اقتراح بولتون بأنه يعكس إما أن اختيار الرئيس بوش له كان مجرد الخطوة الأولى على طريق التحاق الأمم المتحدة بمصير عصبة الأمم، أو أنه محاولة لترهيب المنظمة العالمية بحيث تصبح الولايات المتحدة الآمر الناهي في نشاطات وتوجهات الأمم المتحدة.

أهداف في مهب الريح

وبعد أن كانت الأسرة الدولية قد اتفقت في قمة الألفية في سبتمبر سنة 2000 على مجموعة من الأهداف النبيلة التي سيؤدي العمل على تحقيقها – من خلال إصلاح الأمم المتحدة- إلى الوفاء باحتياجات هامة تقتضيها الظروف العالمية، مثل السعي إلى تحقيق السلام والأمن وحماية البيئة وحقوق الإنسان والحكم الرشيد وتلبية الاحتياجات الخاصة للقارة الأفريقية والحد من الفقر بنسبة النصف ومكافحة المرض والقضاء على مرض الإيدز بحلول عام 2015 ومحاربة الجوع والأمية ومكافحة التمييز بين الجنسين وتعزيز التنمية الاقتصادية ومحاربة الإرهاب وضمان فعالية وشفافية نظام العمل بالأمم المتحدة، عاد المندوب الأمريكي في المنظمة العالمية ليطالب بحذف بند يدعو الدول الغنية إلى زيادة نسبة مساهماتها كدول مانحة في المساعدات المقدمة للدول النامية بحيث تصل إلى سبعة أعشار الواحد في المائة من إجمالي الناتج القومي لكل منها.

وجدير بالذكر أن المساعدات الأمريكية المخصصة للتنمية الدولية تقل عن عشري الواحد في المائة من إجمالي الناتج القومي الأمريكي.

ومن البنود الأخرى التي يقترح السفير جون بولتون إلغاءها في مشروع إصلاح الأمم المتحدة الدعوة للعمل من أجل وقف التغيرات المناخية من خلال التقيد بحماية البيئة، وهو ما يتعارض مع رفض واشنطن التصديق على معاهدة كيوتو حول الاحتباس الحراري.

كما تعارض واشنطن من خلال اقتراح بولتون أي إشارة إلى ضرورة التصديق على اتفاقية حظر التجارب النووية، وكذلك تعارض واشنطن انطباق صلاحيات محكمة جرائم الحرب الدولية على الجنود الأمريكيين في الخارج.

وتطالب كذلك بإلغاء مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان وتحويلها إلى مجلس مصغر بالنظر إلى أن عضوية المفوضية قد منحت في الآونة الأخيرة لدول ليس لها سجل مشرف في مجال حقوق الإنسان مثل السودان وليبيا وكوبا..

آراء الخبراء بين الممكن والمستحيل

ويرى خبراء مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة أن تعزيز دور ومكانة الأمم المتحدة سيكون أهم بند على جدول أعمال قمة الأمم المتحدة في الرابع عشر من سبتمبر، ويتفقون على أن من أبرز النقاط التي تكفل إمكانية تقوية دور الأمم المتحدة مسألة توسيع نطاق مجلس الأمن الدولي من خمسة عشر عضوا إلى ما لا يقل عن أربعة وعشرين عضوا.

ويشيرون إلى اقتراحات عديدة في هذا الصدد لتغيير الواقع الحالي الذي تنفرد فيه الدول الخمس الدائمة العضوية بحق الفيتو.

ويقول السيد ستيفن ديم أوف، نائب رئيس الرابطة الأمريكية للأمم المتحدة: “هناك حاجة ماسة إلى إصلاح مجلس الأمن لأن تشكيلته الحالية تعكس أوضاع ما بعد الحرب العالمية الثانية، وينبغي أن تتسع عضويته لتشمل دولا لها ثقلها العالمي مثل ألمانيا واليابان والهند والبرازيل بالإضافة إلى عدد من الدول الأفريقية بحيث تصبح قرارات مجلس الأمن أكثر شرعية ويصبح لها ثقل أكبر حينما تعبر عن وجهات نظر تعكس كل مناطق العالم وهو ما سيوفر المزيد من الرغبة الدولية في التطبيق والانصياع لتلك القرارات”.

ويعتقد السيد ديم أوف أن الولايات المتحدة والصين ستحاولان تجنب الدخول في مواجهات مع دول العالم حول توسيع العضوية في مجلس الأمن.

غير أن السيد جوشوا مورافتشيك، الخبير والمحلل المحافظ بمعهد أمريكان إنتربرايز للأبحاث – وإن كان يتفق مع السيد ديم أوف في ضرورة إزالة شعور الدول النامية والقوي التي خسرت الحرب العالمية الثانية بأنها خارج نطاق التأثير في قرارات مجلس الأمن – إلا أنه يعتقد بأن عملية إصلاح الأمم المتحدة لن تنطوي على توسيع عضوية مجلس الأمن ويقول: “إنه من المدهش والمزعج في الوقت نفسه أن أيا من صيغ واقتراحات إصلاح مجلس الأمن لم تتطرق إلى الكيفية التي سيمكن بها تحسين أداء المجلس، وركزت المقترحات بدلا من ذلك على المطالبة بالحصول على نصيب من كعكة العضوية في المجلس”.

ويتفق السيد ديم أوف مع الخبير مورافتشك في أنه لن يمكن توسيع عضوية مجلس الأمن في القريب العاجل، ليس بسبب المعارضة الأمريكية والصينية ولكن بسبب أن أيا من خطط الإصلاح المطروحة لن تكون قادرة على إحراز أغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في أي تصويت يتم إجراؤه على تلك المقترحات.

أما مايكل أوهانلون، الخبير بمعهد بروكنجز، فركز على إحدى تلك المقترحات والتي تنص على أن تكون الدول الست التي تضاف إلى المجلس هي ألمانيا واليابان والهند والبرازيل ومصر بالإضافة إلى نيجيريا أو جنوب أفريقيا، وقال:

“إن ترشيح الهند يعد مكافأة للدول التي تسعى سرا للانضمام إلى النادي النووي، فالهند أجرت تجارب فجرت خلالها ست تفجيرات نووية في عام 1998 واستطاعت الإفلات من التوقيع على اتفاقية حظر الانتشار النووي، كما أن ترشيح مصر يعد مكافأة لنظام الرئيس مبارك الذي يفتقر إلى الديمقراطية ويسعى لإعداد نجله جمال مبارك لخلافته”.

ويقترح السيد أوهانلون في المقابل ترشيح دولة إسلامية أكثر ديمقراطية لتمثل مليارا وثلاثمائة ألف مسلم في عالم اليوم مثل إندونيسيا أو تركيا.

ومن أطرف ما صرح به الخبراء الأمريكيون عن عملية الإصلاح ما ورد على لسان إدوارد لوك، خبير شؤون الأمم المتحدة في جامعة نيويورك، حين قال: “إن على السفير الأمريكي جون بولتون أن يدخل إصلاحات أولا على نفسه ليصبح أقل رغبة في الصدام والمواجهة مع الأعضاء الآخرين، وأن يتصرف ليس كمعول هدم وإنما كوسيلة للبناء”.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد علق على اختيار بوش لبولتون فقال: “إنه يتعين على السفير الأمريكي أن يدرك أن الأمم المتحدة ليست مكونة من الولايات المتحدة فقط، وبالتالي عليه أن يعمل مع سفراء مائة وتسعين دولة آخرين.”

الإصلاح بعيون إسرائيلية

ويبقى أنصار إسرائيل في الكونغرس الأمريكي في مقدمة دعاة الإصلاح للأمم المتحدة ولكن من منظور إسرائيلي، فلجنة العمل التي كلفها الكونغرس في ديسمبر الماضي بإعداد تقرير عما يتعين أن تحققه عملية إصلاح المنظمة العالمية وتشكلت تحت إشراف الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي نيوت جنجريتش والسناتور السابق جورج ميتشيل، توصلت إلى أن الاختبار الهام لحقيقة ومغزى الإصلاح سيتم من خلال معيار أساسي هو: “هل سينطوي الإصلاح على تغيير أساسي في الطريقة التي تتعامل بها الأمم المتحدة مع إسرائيل عوضا عن معاملتها كعضو من الدرجة الثانية”؟

ونص تقرير فريق العمل على أن الأمم المتحدة لا زالت تحرم إسرائيل من حقوق تنعم بها دول أخرى أعضاء في المنظمة العالمية، كما أن هناك موجة عداء منتظمة يتم التعبير عنها ضد إسرائيل من خلال نظام المنظمة العالمية.

وفي الفصل المخصص للحديث عن مصالح أمريكا في إصلاح الأمم المتحدة من ذلك التقرير الصادر عن معهد السلام الأمريكي، وردت هذه العبارة: “ليس بوسع الأمم المتحدة أن تدعي حقها في التحكيم في شؤون حقوق الإنسان طالما بقي التمييز ضد إسرائيل من خلال استبعادها من التمثيل في المجموعات الإقليمية في مكتب المنظمة العالمية في جنيف ومعاملتها كعضو من الدرجة الثانية في الجمعية العامة في نيويورك”.

وقال نيوت جنجريتش، الرئيس المشارك لفريق العمل الذي كلفه الكونغرس “إن الفريق قدم عدة توصيات تتعلق بضمان تمتع إسرائيل بالمساواة داخل المنظمة الدولية، ولكن يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على ضمان حصول إسرائيل على معاملة منصفة وحمايتها من أي ممارسات عدائية في الأمم المتحدة باعتبار إسرائيل أهم حلفاء أمريكا والدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!”، على حد قوله.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية