مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأسد نحو سياسة ” شفير الهاوية “؟

رفض الرئيس السوري بشار الأسد الإتهامات الموجهة إلى بلاده في قضية اغتيال الحرير يوتعهد بالتعاون مع التحقيق الدولي swissinfo.ch

هل كانت القنبلة المفاجئة التي ألقاها الرئيس السوري بشار الأسد من على مدرج جامعة دمشق، صوتية أم حقيقية ؟

الإجتهادات متباينة هنا.

فثمة من يرى أن إعلان الأسد أنه قدم ما يكفي من تنازلات في العراق وفلسطين ولبنان، وبأن الخيار الوحيد المطروح على سوريا الان هو “المقاومة أو الفوضى” ولذا فهو ينحاز إلى الأولى، هو حصيلة إستنتاج حقيقي وصل إليه النظام السوري بأنه لن ينجح في إرضاء الاميركيين مهما قدم لها من “عطايا” ، وبالتالي قد يكون ثمة فائدة ما في التحصن في الداخل وإشهار سيف الممانعة.

لكن في المقابل، هناك من يعتقد أن الأسد المحاصر من كل جانب، قرر إلقاء كل “صولده” على طاولة البوكر الدولية والإندفاع للعب على حافة الهاوية. لكن هدفه الحقيقي ليس التحّول إلى كوبا جديدة او فيتنام شمالية اخرى، بل دفع واشنطن إلى وضع حد ما لمطالبها من سوريا والتوصل معها إلى إتفاقات جديدة.

وهنا يجدر التساؤل: أي الأجتهادين على حق؟

الأنصار

أنصار سوريا في لبنان، خاصة القوى الشيعية المتمثلة بحزب الله وأمل والحزب القومي السوري وحركة الأحباش، يميلون بالطبع إلى التفسير الاول. وهم قرنوا أخيراً القول بالفعل، حين انسحب وزراء الشيعة الخمسة أمس (الخميس 10 نوفمبر) من جلسة مجلس الورزاء اللبناني الذي كان يجب أن يناقش حملة الأسد العنيفة على رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة وتيار المستقبل (الذي أسسه رفيق الحريري).

ويورد هؤلاء الأسباب الأتية لقرار الأسد بالمواجهة:

1- شعور دمشق بان دوائر القرار الأميركية تراجعت عن هدف تغيير النظام السوري، بعد ان حذرها مجلس الأستخبارات القومي الاميركي من ان بديل هذا النظام سيكون أسوأ بالنسبة للمصالح الاميركية. وبما ان واشنطن لا تريد أن تتكرر في سوريا فوضى العراق التي خلقت بؤر إرهاب جديدة، فإنها ربما تكون أكثر إستعداداً الأن لأبداء بعض الليونة مع دمشق.

2- وثمة شعور ثان بأن فضائح إدارة بوش الداخلية المتعلقة بحرب العراق، إضافة إلى خسائر الجمهوريين الانتخابية الأخيرة وتمرد العديد من دول أميركا اللاتينية على الهيمنة الاميركية، كل ذلك قد يوهن عزيمة الأدارة في الشرق الأوسط ويدفعها إلى التركيز أكثر على إستحقاقات الداخل الأميركي. والأمر ذاته ينطبق على الرئيس الفرنسي جاك شيراك الغارق حتى أذنيه الان في الازمة الداخلية الخطيرة التي تسببت بها إنتفاضة ضواحي المدن الفرنسية.

3- وقبل هذا وذاك، إذا ما نجحت دمشق في نقل الصراع إلى لبنان عبر تحريك حلفائها هناك، فإنها يمكن ان تبعث إشارات قوية إلى واشنطن وباريس بأنها ليست منزوعة الأظافر تماماً في المجابهات الراهنة، وأيضاً بأنها قادرة على إلحاق أذى أكبر بغيرها إذا ما قرر الآخرون إيذاءها.

شعار وسياسات

هكذا أطل انصار دمشق على خطوة الأسد التصعيدية. ماذا يقول الأن أصحاب وجهة النظر الثانية ؟

لم ير هؤلاء أي إمكانية لتحويل شعار الأسد حول إلتزام “خيار المقاومة كبديل عن خيار الفوضى” إلى سياسات حقيقية لسببين رئيسيين:

– الأول، دمشق لن تكون قادرة وحدها على الوقوف في وجه الشرعية الدولية التي يقودها الان مجلس الامن، خاصة حيال القرارت المتعلقة بالتحقيق بعملية إغتيال رئيس الورزاء اللبناني الراحل رفيق الحريري. فالصين وروسيا لن تستطيعا إنقاذها من العقوبات الأقتصادية والسياسية (وربما العسكرية) إذا ما رفضت التجاوب مع لجنة التحقيق الدولية. وكذا الأمر بالنسبة لحليفتيها الرئيسيتين في المنطقة مصر والسعودية، اللتين أوضحتا قبل الان بأنهما ليستا في وارد تحدي مجلس الأمن، إذا ما قررت سوريا تحدي قراراته.

– والثاني، أنه ليس مضموناً على الأطلاق أن تواصل النخب العسكرية والسياسية السورية السير في طريق المجابهة الذي دعا إليه الأسد، إذا ما شعرت بأن ثمة بديلاً آخر قد ينقذ النظام من العزلة والعقوبات الدولية الخطرة. وهذا البديل قد لا يكون شيئاً آخر غير إستبدال الطاقم الحاكم الراهن بطاقم آخر، ربما عبر إنقلاب عسكري او إنقلاب قصر.
التفسير الوحيد الذي تراه وجهة النظر هذه للتصعيد الأسدي هو: لملمة الوضع الداخلي القلق، ومحاولة الضغط على القوى الغربية النافذة لحملها على تخفيف ضغوطها على سوريا، عبر التلويح برفع بتمديد شعار المقاومة من العراق إلى بقية أنحاء الهلال الخصيب.

جـدّ أم مـاذا؟

كماهو واضح، هذان الاجتهادان متنافران تماماً. فالأول يتوقع صدامات ومجابهات، والثاني ينتظر مناورات تستدرج صفقات.

“فاينانشال تايمز” (الحسنة الإطلاع على الشأن السوري عادة) أوحت بأنها أميل إلى الإجتهاد الثاني، حين تذكرت أمس (الخميس 10 نوفمبر) أن الرئيس السوري أدلى في مارس-آذار الماضي بخطاب لا يقل تصلباً عن خطاب جامعة دمشق في نوفمبر – تشرين الثاني الحالي. لكنه سرعان ما أتبع ذلك بالرضوخ التام لقرار مجلس الامن الرقم 1559 وسحب كل قواته من لبنان بسرعة قياسية.

فهل يتكرر الأمر ذاته الأن، أم أن بشار الأسد كان جاداً حين قال إنه “قرر المقاومة لأن الأميركيين لا يضعونه سوى أمام خيارين: إما أن يقتل نفسه أو يتعرض للقتل”؟

الجواب على هذين السؤالين رهن بأمرين إثنين: الخطوات العملية التي سيتخذها النظام السوري الان حول مطالب لجنة التحقيق الدولية بإستجواب القادة الامنيين الستة السوريين في بلدة مونتي فيردي اللبنانية؛ وطبيعة التفاعلات التي سيحدثها التسخين الراهن للمجابهات بين سوريا والقوى الدولية في الداخل السوري، خاصة داخل الجيش.

لكن، وفي الإنتظار، ثمة شيء واحد مؤكد: خطاب الأسد التصعيدي، جعل كل أوراق الأستحقاقات المصيرية في سوريا تتطاير كلها دفعة واحدة في الهواء.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية