مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الانتفاضة والموقف الأمريكي الجديد

ترحيب رسمي وخيبة امل شعبية من خطاب كولين باول swissinfo.ch

يشكل خطاب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في التاسع عشر من شهر نوفمبر الجاري نقلة نوعية هامة في مضمون الموقف والفهم الأمريكي الحكومي الرسمي تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

فهذه اول مرة في تاريخ تعامل الحكومات الأمريكية المتعاقبة مع صراع الشرق الأوسطي التي يتم فيها إبراز الاحتلال الإسرائيلي باعتباره المضمون الأساسي للصراع وأساس المشكلة، وهذا ليس بالأمر البسيط لان الخطاب الأمريكي الحكومي كان دائما يتبنى الفهم الإسرائيلي الذي يعتبر المناطق الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة متنازع عليها وليس محتلة. لهذا السبب فلم يكن من المألوف سماع كلمة “احتلال” من قبل مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى في تحليلهم للصراع.

الموضوع الجوهري الآخر، الذي كان يغيب دائما عن الموقف والتحليل الرسمي الأمريكي والذي وجد مكانة مرموقة في خطاب كولين باول، هو الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن 242 و338. فقد نجحت إسرائيل أيضا في تغييب البعد الدولي وبالتالي القانون الدولي كمعيار لتحديد موقف ما هو الصحيح وما هو الخطأ في المواقف من الصراع.

وإذا وضعنا جنبا الى جنب طروحات وزير الخارجية الامريكي الواضحة حول إنهاء الاحتلال وتطبيق قرار مجلس الأمن 242 وكذلك إقامة دولة فلسطينية، نستنتج بكل وضوح نتائج الانتفاضة في التأثير الإيجابي على الموقف الدولي وآخره الموقف الأمريكي الرسمي.

من المفيد التذكر هنا ان الانتفاضة هدفت الى ان تذكر العالم بان جوهر المشكلة الفلسطينية يكمن في الاحتلال الإسرائيلي بعد ان طمست عملية السلام وتبعتها هذه الحقيقة بدل ان تطمس او تزيل الاحتلال نفسه. ومن المفيد التذكر أيضا ان ما سمي ب “خطاب الانتفاضة” كان ولازال الخطاب الذي يصف الواقع بأنه حالة مقاومة مشروعة لاحتلال إسرائيلي غير مشروع، وان التفاوض يجب ان يتعلق بإنهاء الاحتلال وبتطبيق قرار 242 وذلك بدل الغرق في غياهب الترتيبات الانتقالية وبناء الثقة وغيرها من مجريات ومفردات عملية السلام، التي أعطت الفرصة لإسرائيل لتكريس الاحتلال بواسطة زيادة الاستيطان اليهودي من ناحية، وتغييب سمة الاحتلال وبالتالي حق مقاومته عن طبيعة الصراع الدائر.

ولا يقل أهمية ايضا، تناول كولين باول للاستيطان وتحديدا الطريقة الذي عبر فيها عن الفهم الأمريكي، حيث أشار الى أضرار سياسة الاستيطان على عملية السلام ومصداقيتها ولكن الأهم انه اعتبر الاستيطان مجحف بالمفاوضات للحل النهائي لأنها تقرر المستقبل من جانب واحد وبالقوة، هذا هام جدا، ليس فقط لأنه بالضبط الفهم الفلسطيني لخطورة الاستيطان، بل ايضا بسبب ما شهده الموقف الأمريكي سابقا من تراجع تجاه موضوع الاستيطان من اعتباره غير قانوني الى اعتباره فقط مضر لعملية السلام.

افتقار الخطاب من آليات التنفيذ

لكن وبالرغم من ما تقدم من جوانب إيجابية في هذا الخطاب، الا انه تضمن مشكلتان من وجهة النظر الفلسطينية. لقد افتقر الخطاب الى أية آليات للتنفيذ، لذلك فلا يترتب عمليا الكثير على هذا الخطاب ويجب ان لا يتوقع الكثير على المستوى العملي.

لقد دعا لتفعيل تقرير لجنة السناتور ميتشل وكذلك نقاط تنت، وهاتين وثيقتين لم يكتب لهما النجاح بسبب التعنت الإسرائيلي والمسايرة الأمريكية للموقف الإسرائيلي منهما. كذلك فقد قال باول انه سوف يوفد مندوبين الى المنطقة لكي يعملا مع لجنتين تفاوضيتين إسرائيلية وفلسطينية وان احد هذين المندوبين، هو جنرال من البحرية الأمريكية سوف يقيم في المنطقة الى ان يحقق تقدما.

المشكلة ان التجارب السابقة أشارت الى ان العلة ليست في حجم الاهتمام الأمريكي ومقداره، بل في نوعيته ومضمونه، لان ما يعيق التقدم نحو السلام هو الإصرار الإسرائيلي على عدم الانسجام مع قواعد الشرعية الدولية – والتي اكدها مجددا كولين باول في خطابه – وبالتالي فالطريق للتقدم هو بذل جهد أمريكي لتطوير الموقف الإسرائيلي وإزالة المخاوف، ربما بتقديم ضمانات او غير ذلك، ولكن في سياق خطوات عملية تجيب على السؤال الذي يمليه خطاب باول وهو: كيف يمكن الانتقال من الحال الراهن الى الحال الذي دعا إليه في الخطاب؟ بما فيه إنهاء الاحتلال، وقف الاستيطان، إقامة دولة فلسطينية إضافة الى تحقيق الأمن والسلام لاسرائيل.

كذلك، فقد خيب كولين باول آمال الكثير من الفلسطينيين، خاصة على المستوى الشعبي عندما هاجم الانتفاضة وعندما تبنى الفهم الإسرائيلي بالكامل لطبيعة ما يجري ألان من صراع دام على الارض. وكذلك عندما حمل بشدة الى الجانب الفلسطيني والرئيس الفلسطيني فيما يتعلق بوقف المقاومة الفلسطينية.

لن يفيد الشعب الفلسطيني في شيء الهجوم على هذه الجوانب في خطاب باول، بل ان المهم هو العمل على تطوير فهمه لطبيعة ما يجري مما يملي على الدبلوماسية والإعلام العربي والفلسطيني ان يخطط لجهد اكبر واكثر فعالية من اجل إيضاح ان ما اشتكى منه باول من احتلال واستيطان وحصار إسرائيلي يؤدي بالطبيعة الى المقاومة والانتفاضة الموجهة ضد هذا الاحتلال.

لقد أملى هذا الخطاب على الجانب الفلسطيني والسلطة والقيادة مهمات عاجلة كثيرة، منها السعي بالتعاون مع العرب والأوروبيين لاقناع الأمريكيين بضرورة اتباع هذا الخطاب بخطة عملية ملزمة، كذلك تطوير ممارسات وخطاب الانتفاضة لكي يكونا مفهومان اكثر من العالم الخارجي بما فيه الحكومة الأمريكية، واخيرا الاستعداد لمفاوضات صعبة ستحاول فيها إسرائيل وضع عراقيل جديدة واشتراطات تعجيزية لعرقلة الوصول الى استحقاقات مثل وقف الاستيطان وغيرها، مما لا تقرر عليه هذه الحكومة الاسرائيلية.

غسان الخطيب – القدس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية