مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

البعث وحلم العودة إلى الحكم في العراق!

أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يوم 16 ديسمبر 2006 عن فتح أبواب الجيش العراقي بوجه جميع أفراده السابقين الذي عملوا في عهد صدام حسين Keystone

لا يختلف اثنان على أن عراق ما بعد نظام صدّام دخل بالفعل دهاليز المجهول، حتى مع الحديث عن تغيير وشيك للاستراتيجية الأمريكية يأخذ بالاعتبار التطورات المرعبة التي يشهدها هذا البلد المجروح.

وفيما أصبح العراق “حرا” من صدام، إلا أن الحديث عن عودة حزب البعث العراقي إلى الحكم، يأخذ هذه الأيام أبعادا عدّة عبر تسريبات عن انقلاب عسكري أو حكومة إنقاذ وطني بمشاركة قوية من البعثيين، تمهيدا لعودتهم الكاملة… قريبا!

عراق اليوم لا يختلف كثيرا عن عراق الأمس. من ناحية، الضحايا دائما هم العراقيون، مع فارق واحد وهو أن العراقيين من معارضي صدام، أو من يُشك بولائهم، كانوا يٌقتلون صبرا وفي الأقبية ودون أن تسلم جثثهم لذويهم، ويدفنون على الأرجح في مقابر جماعية، إذا لم يُـذوبوا في “التيزاب”، أي الأسيد، بينما يُقتل العراقيون اليوم في عراق الديمقراطية الشرق الأوسطية على الطراز الأمريكي في الهواء الطلق وعلى مرأى من القوة متعددة الجنسية…

صدّام كان يقتل خصومه سرّا، وهو يحصل على دعم القوى الكبرى والصغرى في حربه ضد إيران، وفعل ذلك على نطاق واسع مع معارضيه بعد حرب تحرير الكويت وللقضاء على انتفاضة مارس 1991، بتأييد مباشر من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب، قائد دول الحلفاء الـ 33، التي شاركت في حرب الكويت.

أما اليوم، فإن العراقيين يتحوّلون إلى أسماء على شواهد القبور، عدا الجثث المجهولة الهوية، التي يُعثر عليها بالعشرات كل يوم مقيّـدة اليدين وعلى رأس كل منها.. طلق ناري، في بلد يحتله عشرات الآلاف من جنود القوة متعددة الجنسيات.

العراقيون يتساءلون: ما الذي تغير؟

صحيح أن العراق أصبح “حرا” من صدام، إلا أن ما يجري على الأرض يؤكّـد أن أكثر من صدّام يتواجدون في المسرح السياسي، والأكثر إثارة، هو أن الحديث عن عودة حزب البعث العراقي إلى الحكم، يأخذ هذه الأيام أبعادا عدّة عبر تسريبات عن انقلاب عسكري أو حكومة إنقاذ وطني بمشاركة قوية من البعثيين، تمهيدا لعودتهم الكاملة… قريبا!

بداية يجب التذكير بأن البعثيين هم مشاركون في السلطة السياسية في عراق ما بعد صدام من خلال شخصيات دخلت العملية السياسية بهدف عرقلتها، وإثبات أنها فاشلة، هذه الشخصيات تدافع علنا عن حزب البعث، ولا يخفي بعضها العمل لإعادة الحزب مرة أخرى إلى الحكم متذرّعين بحُـجج شتّـى، أبرزها أن قانون اجتثاث البعث، لم يكن عادلا، إلا أن الواقع، واجتماعات هؤلاء واتصالاتهم المستمرة مع قيادات البعث في الخارج، يُـشيران إلى أن استراتيجية حزب البعث بعد سقوط نظام صدام، تمثلت في إتباع نهج متعدد الأقطاب، يعتمد على توزيع دقيق للأدوار بين “مقاومة” مسلحة لا توفر المدنيين، والانخراط في تنظيمات دينية متطرفة، كالقاعدة وأنصار السُـنّة مثلا، والمشاركة في الانتخابات والتحوّل إلى نواب في مجلس النواب، وأعضاء في الحكومة. كما أصبح العديد من ضبّـاط سابقين في جهازي الأمن والمخابرات، مرافقين ومساعدين لزعماء مدنيين من المعارضة، وأيضا جزءا من حماية سياسيين رسميين.

فحزب البعث يعمل الآن تحت قيادة مختلفة كليا عن القيادة السابقة، باستثناء عضوين قياديين، هما محمد يونس الأحمد وعبد الباقي السعدون، وأصبح الحزب بعد سقوط نظام صدّام يعمل من خلال ثلاثة فروع رئيسية هي: فرع المجاهدين، ويضم التحالف مع التنظيمات الإسلامية وهو الفرع الذي تبنّـى تغيير اسم الحزب من “البعث العربي الاشتراكي” الى “البعث العربي الإسلامي”، وفرع الأجهزة الخاصة والعمليات، ويضم نخبة الأجهزة الأمنية السابقة والكوادر ذات المستوى العالي في التدريب وله إمكانات مالية جيدة أيضا، ويُـعتبر معزولا عن التنظيمات الأخرى القابلة للكشف أو التي يُـراد لها أن تكون جماهيرية، والتي يتشكّـل منها الفرع الثالث ويُـسمى العودة.

المعارضة (سابقا) والبعث

ولقد تطور خطاب المعارضة العراقية (السابقة) تُـجاه حزب البعث كثيرا بعد أن اتسعت دائرة المنشقين عن نظام صدّام لتشمل بعثيين سابقين، على أساس أن معظم العراقيين في دوائر السلطة ومؤسساتها هم من البعثيين الذين سجّـلوا في الحزب الحاكم طوعا أم كرها، سيّما وأن من التنظيمات المعارضة، كان حزب البعث الجناح السوري المتمثل بقيادة قُـطر العراق، التابع للقيادة القومية في سوريا.

وطالب عدد من العراقيين في تلك الفترة بأن لا تشمل محاسبة النظام السابق إذا سقط كل البعثيين، والاكتفاء فقط بملاحقة صدّام والصف الأول أو الثاني من القيادة، مع ملاحظة أن صدّام هو المسؤول المباشر عن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، وجرائم شنّـه حربين إقليميتين، وغير ذلك.

وذهب البعض إلى أن من حق حزب البعث بعد أن يتخلّـص من “أولئك” المشاركة في السلطة، وفي الحياة السياسية الجديدة في العراق، مع الانتباه إلى أن على حزب البعث الجديد أن يُـعلن قيادته الجديدة ويتعهّـد برفض العمل السرّي وأساليبه وأجهزته، التي تجر إلى التآمر والانقلاب لاغتصاب السلطة.

نبوءة إسرائيلية!

ما من شك أن إسرائيل حرّضت على صدام لإسقاطه ولإخراج العراق نهائيا من مُـعادلة الصّـراع معها، لأن المخطط كان ينُـص على تدمير العراق وتفكيك عراه الوطنية والاجتماعية، ليتحول إلى كانتونات مُـتصارعة، ليس لها وقت لتطّـلع على “أخبار” الساحة الفلسطينية، وليس لأن صدّام كان عدوا لإسرائيل، فهذا أمر ثبت عكسه من خلال نتائج تصرّفات صدّام، التي جاءت كلها لصالح إسرائيل.

وبفضل تعبير عن عراق ما بعد صدّام، كان للمستشرق الإسرائيلي د. جي باخور، وقد وصف العراق الجديد في مقال له بصحيفة يديعوت احرونوت بـ “دولة هزيلة مهزومة، ومصابة بالعنف، انهار فيها النظام الاجتماعي بين الطوائف، وساد في مكانه خوف حقيقي مما سيأتي، وبالمقابل، مثل صدام للحظة عراق الماضي – أمة عزيزة وأبية، قائدة العرب، واضح فيها للجميع النظام السياسي والاجتماعي في الدولة”.

باخور أشار في مقاله إلى أنه يمكن إعادة صدام إلى الحكم مرة أخرى، رغم أن ذلك يُـعتبر اليوم من الخيال، لأن صدّام فقَـد القوة والعظمة، اللهم إلا إذا لجأ أنصاره الى عمليات، مثل اختطاف رهائن لمقايضتهم بصدّام، والى مظاهرات جماهيرية واسعة، بل وحتى محاولات لإنقاذه من السجن، ولهذا، نصح الكاتب الإسرائيلي زعماء العراق الجدد، بالتخلص من صدّام وأعوانه، لأنهم يمثلون تهديدا جدّيا لهم، ويمثل بديلا مستقبليا أمامهم.

تلك النبوءة لم تكن إلا واحدة من عشرات التسريبات التي يُراد منها تحقيق عدّة أهداف مرة واحدة، ومن أهمها تطويع “زعماء العراق الجدد” أكثر وأكثر باستخدام فزاعة.. عودة صدام.

حوار الأمن المفقود

ومن الواضح، فإن اللعب بورقة الأمن المفقود، يظل يؤرق الزعماء الجدد في العراق الجديد ويدفع ببعضهم إلى تنفيذ النصائح الأمريكية بالحرف، خوفا من المستقبل.

ونشير هنا، إلى الحديث الذي يجري عن احتمال تشكيل تحالف سياسي جديد، ربما يستبعد التيار الصّدري وحزب الدعوة، ونواته المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة السيد عبد العزيز الحكيم والحزب الإسلامي برئاسة طارق الهاشمي والأكراد، وذلك بعد اللقاءات الأخيرة التي جمعت الرئيس الأمريكي بوش في واشنطن، بكل من الحكيم والهاشمي.

ومع كثرة التسريبات عن الحوار البعثي الأمريكي على وقع تزايد أعمال العنف، التي يشكّـل محورا مركزيا فيه بعثيون ورجال مخابرات وعسكريون من النظام السابق بواجهات منظمات إسلامية متطرفة، فقد ظهر بعثيون مؤخرا وبشكل علني في مدينة كركوك النفطية، من خلال المشاركة في مؤتمر عشائري في المدينة، أعلن رفض الفدرالية وطالب بإطلاق سراح صدّام، في نفس الوقت الذي أعلن فيه “الجيش الإسلامي”، الذي يتردد أنه يُـدار من قبل عزت الدوري، نائب الرئيس السابق، أن مفاوضاته مع الأمريكيين مستمرة.

والمهم في الاتصالات الأمريكية البعثية، أن عزت الدوري، أعلن في بيان منسوب له تبرؤه منها في تكتيك “تعددية الأدوار والأقطاب”، التي يتبعها حزب البعث منذ إسقاطه عن السلطة في مارس 2003، للاستحواذ على كل الكعكة في مرحلة أخيرة.

ويريد البعثيون الإفادة بشكل كامل من ورقة “ضياع الأمن”، وهم مشاركون فيه بقوة، حتى وإن انتقدوا عمليات السيارات المفخّـخة، ليطرح الحزب نفسه كمفتاح للأمن المفقود بإعلانه الحرب على القاعدة في صفقة العودة إلى السلطة، ربما بعد التخلّـص من صدّام بإعدامه.

ويمكن القول أن بداية التبدل في السياسة الأمريكية، جاءت مع الجولة الأخيرة لوزيرة الخارجية الأمريكية إلى المنطقة بعد الحرب الإسرائيلية على حزب الله في لبنان، لإيجاد حل شامل وبرزمة واحدة لأزمات المنطقة الحادة. فرايس زارت المملكة العربية السعودية ودولا خليجية مهمة، وبغداد وكردستان العراق. كما ذهب إلى العراق وزير الخارجية السابق جيمس بيكر والتقى زعماء في محافظة الأنبار السُـنية وقدّم تقريره المعروف بتقرير بيكر – هاميلتون، ودعا إلى تغيير الكثير من سياسات واشنطن السابقة في العراق.

ويقوم السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زادة، الذي قاده بقوة حملة إسقاط مرشح رئاسة الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، بدور كبير في تشجيع الاتصال بالبعثيين، بالرغم من أن مبادرة المصالحة الوطنية التي أقرها مجلس النواب العراقي تستثني المتورطين بقتل العراقيين، مبررا ذلك بأن الكثير من العراقيين انضموا إلى حزب البعث فقط لكي يحصلوا على وظيفة أو من أجل أمور اقتصادية، لكسب العيش، وربما هناك تهديدات وُجّهت لهم، كي ينضموا إلى حزب البعث، الذي كان بمثابة نقطة قوة.

وتؤكّـد تقارير أن سلطة الاحتلال بدعم من السفير الأمريكي، أوجدت مناطق في غرب بغداد تحت حماية القوات الأمريكية، باتت مأوى لعناصر توصف بـ “الإرهابية” ولا تستطيع الشرطة والجيش دخولها.

وتضغط الولايات المتحدة على رئيس الوزراء نوري المالكي لاقتحام مدينة الصدر والقضاء على قوات المهدي، في معادلة اقترحها زلماي خليل زادة، وترى أن إضعاف ميليشيا الصدر، يجب ان يترافق مع تقوية ميليشيا أخرى سُـنية، وتحديدا بعثية.

وتدل مؤشرات عدة إلى أن دورا أمريكيا مباشرا في عودة البعثيين إلى الواجهة من خلال لقاءات السفير الامريكي في العراق مع زعمائهم، وبالتالي، فإن الإدارة الأمريكية ترى أن التلويح بعودة البعثيين، ربما تشكل ورقة ضغط أخرى على حكومة الأكثرية المنتخبة لفرض الاملاءات عليها، خاصة للانفكاك عن إيران، ولضرب التيار الصدري.

ومن هذه الضغوط الأمريكية، القرارات الأخيرة، التى أصدرتها هيئة اجتثاث البعث ونصّـت على استثناء أعداد كبيرة من البعثيين في النظام السابق من قراراتها السابقة، والسماح بعودتهم إلى وظائفهم وصرف المرتبات التقاعدية لهم، وهي تأتي بحجة دعم المصالحة والخروج من المأزق الذي سببته الحالة الدستورية لـ “اجتثاث البعث.

السفير زلماي خليل زادة، طالما كرّر أن تخفيض أعداد المشمولين بقانون اجتثاث البعث سيعزز من جهود الحد من أعمال العنف، مدللا على ذلك بأن الكثير من البعثيين عانى من تفرد صدّام في قيادة حزب البعث، وأن أفكار البعث في معظمها لا تختلف عن الأفكار التي بنيت عليها الأحزاب الأخرى.

وقد أيد الرئيس العراقي جلال الطالباني أقوال صديقه خليل زادة، وصرح خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا عند أجابته على سؤال عن الإرهاب في العراق بقوله أن “التكفيريين والبعثيين الصدّاميين، هم من يقومون بهذه الفتنة “مستثنيا” حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة قطر العراق” لأنهم “ناضلوا معنا ضدّ النظام السابق”.

خطوات عملية

وعلى أي حال، فإن السفير الأمريكي في العراق ضغط على حكومة المالكي لاتخاذ مبادرات تسمح لأعضاء حزب البعث بالدخول في الحكومة، وضمان التقاعد لكبار الضباط البعثيين، الذين كانوا مع صدّام، وإطلاق سراح مئات المعتقلين منهم، ممّـن تورط في العنف، وفي نفس الوقت تعمل القوات الأمريكية مع القوات العراقية على ضرب الجماعات المسلحة ومحاولة إلقاء القبض على قياداتها ومتابعة مصادر تمويلها وعزل التيار المتطرف فيها، وتوفير دخل شهري ثابت لمنتسبي الجيش السابق والأجهزة الأمنية، وفتح حوار مع بعض العناصر البعثية القيادية واحتواء العناصر غير المتهمة بجرائم النظام السابق.

وبالفعل، فإن الاتصالات شملت بعض العناصر القيادية البعثية لإقناعها أولا بالاندماج في العملية السياسية، وجرَت الاتصالات مع خطوط متعددة لا علاقة لكل منها بالآخر، ومنها خط محمد يونس الأحمد، وهو واحد من أبرز المطلوبين على قائمة الـ 55، وأحد أعضاء قيادة البعث إبان حُـكم صدّام، ويتواجد في سوريا.

الرئيس اليمني علي عبد الله صالح دخل على خط المفاوضات مع البعثيين واقترح أن تجرى هذه المفاوضات مع نائب صدام، عزت الدوري، الذي يُـقال أنه على خلاف مع الأحمد الموجود في سوريا.

البعث وفشل المشروع الإسلامي

يعترف الإسلاميون في العراق أن مشروعهم لإقامة حكومة بأقل المواصفات الإسلامية، فشل حتى الآن، أولا لأنهم انضموا إلى المشروع الأمريكي، وهذا يتناقض بالتمام والكمال مع ذلك التثقيف المتواصل الذي دأبت عليه الحركة الإسلامية العراقية.

صحيح أن إسلاميي العراق الشيعة راهنوا على وُعود أمريكية لهم بإقامة دولة ديمقراطية تعدّدية، تتيح لهم الهيمنة على العراق الجديد “عدا كردستان”، وعلى مقاومة مقبلة، إذا أخلت واشنطن بالتزاماتها، إلا أن حساب الحقل والبيدر لم يكن كما توقع هؤلاء، وهم يشاهدون تساقط زعمائهم مثل السيد محمد باقر الحكيم وعز الدين سليم “عبد الزهراء عثمان” وعشرات القادة، بالاغتيال المكشوف والغامض إلى درجة أن رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري ذهل في مناقشة حادة مع الوزيرة الأمريكية رايس، عندما طالبته بالتخلي عن حقه في الترشيح ثانية بعد الانتخابات الماضية، وأنه قال لها إنه يتوقع أن يقتله الأمريكيون، إذا أصر على البقاء في منصبه متحدّيا الإرادة الأمريكية.

لقد حارب صدّام الحركة الإسلامية في العراق ومحورها حزب الدعوة، وأعلن الحرب على إيران ضاربا على وتر طائفي وقومي لتأجيج عداء العرب ضد الإيرانيين، واتهم كل من كان يعارضه بالعمالة لإيران، وساهم في دق إسفين بين شيعة العراق والثورة الإسلامية الإيرانية، ولعل هذا الجانب هو النصر الأكبر الذي حققه صدّام عندما زج بأعدائه من الجانبين في نار حرب كان هو الفائز الأول فيها، رغم خسارته العسكرية.

وأخيرا، فإن الذين يتباكون على رحيله لأسباب مختلفة، يسعون إلى تلميع صورة صدّام وحزب البعث المنحل بشتى الوسائل، ومنها أعمال العنف التي حوّلت العراق إلى صندوق أسود للموت الزؤام، لإظهار أن العراقيين عاجزون عن العيش معا، إلا تحت سيف جلادهم، وتصوير العراقيين كشعب قاصر، يحتاج على الدوام إلى قيّم ووصي.

فالمستفيد الأول من كل ما يجري من عنف طائفي في العراق هم حزب البعث، الذي يريد أن يكتسب شرعية وقاعدة شعبية لم يكن يملكها، لأنه حتى الغالبية العظمى من البعثيين يُـدركون أن صدّام دمّـر الحزب وحوّله إلى وسيلة قمع وقاعدة لتعزيز قبضته وهيمنة أسرته والمقربين من عشيرته، والذين يعتبرون قانون اجتثاث البعث، جاء لصالحهم لكي يُـعيدوا تنظيم صفوفهم ويقوموا بحملة تطهير للمنتفعين الذين انتسبوا له في فترة الرخاء، وهم من يحلمون بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء بالعودة مجدّدا إلى الحكم.

ومع التهويل بالخطر الايراني وامتداداته في العراق والمنطقة،فان حزب البعث الذي وجد قادتُه وأعضاؤه حاضنة لهم في عدد غير محدد من الدول الصديقة والحليفة لواشنطن، أخذ هو أيضا يدعو الادارة الأمريكية الى مواجهة “الخطر “الايراني معا ، وأعلن قادة “الجيش الاسلامي ” الذي يقال أن صدام أسسه، أن عدوه الأول ليس الاحتلال الأمريكي في العراق بل ” الفرس والصفويون” وهي اشارة الى شيعة العراق بما سيدفع شيعة العراق وعموم الشيعة في المنطقة ولبنان الى الحضن الايرانية بما يزيد من تعقيد المسألة العراقية أكثر من أي وقت مضى…لكنه بالتأكيد لن يجعل الطريق أمام عودة البعثيين الى الحكم في العراق ..مفروشة بالزهور.

نجاح محمد علي – دبي

صدور قرار حكم الإعدام على الرئيس السابق، ربما يكون مقدمة لعودة حزب البعث إلى الحكم بقيادة جديدة، من واقع معلومات يجري تداولها بين المؤيدين للعملية السياسية من الشيعة والأكراد، تقول بوجود طبخة تعدُّها واشنطن مع الأمم المتحدة لعودة حزب البعث من جديد إلى الساحة العراقية.

هذه المعلومات تستند إلى تعاون سابق بين البعثيين ودوائر المخابرات الأمريكية والبريطانية، لإيصال البعثيين إلى السلطة: في 8 فبراير 1963 وفي 17 يوليو عام 1968.
ففي 8 فبراير 1963، عاد صدّام من مصر، بعد أن اشترك البعث في انقلاب أطاح بعبد الكريم قاسم وقتله، وكان الانقلاب مدعوما من الـ CIA.
وقد “وقع اختيار الـ CIA على حزب البعث، كحزب تسلطي ومعادي للشيوعية، أداة لها، حيث كان في 1963 لا يزال فرقة سياسية صغيرة الوزن نسبيا وبلا نفوذ داخل الجيش العراقي طبقا لأقوال الزعيم البعثى السابق “هانى الفكيكي “، وكان من بين الأعضاء المتواطئين مع الـ CIA فى أعوام 1963 و 1964 …”.

وقد قتل البعثيون بشكل منظّـم وبمشاركة صدام، معتمدين على قوائم من الـ CIA، مئات من الأطباء والمدرسين والفنيين والمحامين والمهنيين الآخرين، إلى جانب شخصيات عسكرية وسياسية، بزعم أنهم شيوعيون.
وفي 17 يوليو 1968، جاء هذا الانقلاب مدعوما أيضا من الـ C.I.A. ولم يتورع مسؤولون كبار عن الشرق الأدنى وإفريقيا في الـ C.I.A بينهم “اركيبالد روزفلت”، حفيد “تبودور روزفلت”، في عهد رئاسة “ليندن جونسن” و”ريتشارد نيكسن” أواخر الستينيات، من التحدث علانية آنذاك عن علاقات وثيقة مع البعثيين العراقيين.

ويذكر الجميع أن الولايات المتحدة وإسرائيل، وشرطيهما في الخليج شاه إيران المخلوع، دعمت حركة الأكراد ما بين عامي 1973 و1975 بما لا يمكّـن الأكراد من تحقيق نصر كبير ما عدا استنزاف مصادر الثروة العراقية.

وعندما وقّـع صدّام مع الشاه اتفاقية مارس عام 1975، مارَس البعث الحاكم في العراق سياسة ذبح الأكراد بعد أن قطعت واشنطن وطهران المعلومات، ورفضت الولايات المتحدة منح الأكراد حق اللجوء السياسي، إذ برر هنري كيسينجر، مستشار الأمن القومي يومذاك هذه السياسة، في شهادته أمام جلسة مغلقة بقوله: “يجب عدم خلط العمليات السرية بالأعمال التبشيرية”.

وبعد أن استولى صدّام في 16 يوليو 1979 على السلطة، وأزاح أحمد البكر ودشّـن حملة تطهير واسعة في صفوف البعث، بحجة التآمر مع سوريا ضده، وطهّـر الحزب الشيوعي والمعارضين الآخرين أيضا، أعلن مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة، “زبيغنيو برجينسكي” فى أبريل 1980 “إننا لا نرى أي عدم توافق جوهري في المصالح بين الولايات المتحدة والعراق”، في مرحلة تحريض صدّام ليشن حربا استمرت ثمان سنوات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية الفتية من 22 سبتمبر 1980 حتى 8 أغسطس 1988، والدعم الذي حصل عليه مباشرة عبر الدول الصديقة لواشنطن.

عموما، وبعد غزو العراق والغرق في وحله، فإن الاستعانة بحزب البعث ليس من الممنوعات الأمريكية، وأن النصائح لواشنطن في هذا الصدد جاءت أيضا من الأخضر الإبراهيمي، الممثل السابق الأمين العام للأمم المتحدة في العراق أثناء البحث عن رئيس وزراء، بعد ما يسمى بانتقال السلطة للعراقيين.

وجرت منذ تلك الأيام حوارات جدّية مع بعثيين لغرض تفعيل انبثاق هيئة قيادية جديدة لحزب البعث وتأهيله ليعقد مؤتمر يتراجع الحزب فيه عن السياسة التي اتّـبعها صدّام أثناء هيمنته على الحزب، ويعتذر عن المرحلة الماضية ويعتذر للعراقيين، وكاد الطرفان التوصل إلى اتفاق يسمح بإعادة جميع البعثيين في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية السابقة، وإلغاء قانون اجتثاث البعث، الذي أصدره السفير الأمريكي السابق بول بريمر.

تولى الدكتور أحمد الجلبي، عضو مجلس الحكم آنذاك، رئاسة هيئة (اجتثاث البعث)، وأثار بذلك حفيظة قادة دول إقليمية، منها بالطبع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي عارض بقوة اجتثاث البعث، خصوصا لجهة أن رئيسها “شيعي” لديه مشكلة كبيرة مع الأردن في قضية بنك البتراء المعروفة.

الملك عبد الله الثاني، الذي يرتبط بعلاقات مصاهرة مع الأخضر الإبراهيمي رأى معنى سلبيا في مسار اجتثاث البعث، عندما قارنه مع مسار المصالحة الذي تم في جنوب إفريقيا، دون أن يتجاوز الغطاء الطائفي لكل ما يجري في العراق وحوله بقوله “إن رئيس لجنة اجتثاث البعث، ليس الاختيار الأفضل، وهو شيعي غير صالح للمهمة، أما في جنوب إفريقيا فكان ديسموند توتو، رئيس لجنة المصالحة وله تأثير إيجابي”.

كما يجب التذكير أن مسألة اجتثاث البعث لم تكن مطروحة في زمن المعارضة العراقية لصدّام، إذ حرصت مؤتمراتها في خطابها السياسي على التبشير بعراق دستوري ديمقراطي تعدّدي موحد ومسالم ومسامح يعيش فيه الجميع بأمن وأمان، بعيدا عن الانتقام، اللّـهم إلا المطالبة بالحقوق المهدورة عن طريق الوسائل القانونية أو عفا الله عمّا سلف.

ولا ننسى أيضا أن تركيبة النظام السابق في أجهزته القمعية، والانتساب ألمصلحي والقسري لمئات الآلاف من البعثيين أوجد حالة من التفكك الاجتماعي وبروز رغبة الانتقام تُـجاه البعثيين، الذين كانوا يعّدون التقارير للأجهزة الأمنية والحزبية عن المعارضين وأسرهم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية