مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجزائر: الحل السياسي “العاجل” … وتوابعه

رفع العلم الامازيغي على مقر الدرك في تيزي اوزو Keystone

أضحت اللغة الامازيغية اللغة الوطنية الثانية في الجزائر، بعد اللغة العربية؛ بعد أن قرر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، أن يُعدل الدستور الجزائري عبر البرلمان،عوض إجراء استفتاء شعبي، في وقت ازدادت فيه أعمال العنف في بلاد القبائل، ما أعطى التعديل الدستوري، على أهميته و خطورته، طابع الحل السياسي المُستعجل.

جاء التعديل الدستوري السريع، كي تصبح اللغة البربرية رسمية، بعد أن استدعى بوتفليقة، غرفتي البرلمان، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ استقلال الجزائر، عام 62 ، وبرر الرئيس الجزائري موقفه قائلا: ” أخشى أن لا يكون تصويت الشعب لصالح التعديل…”

لقد قال الرئيس الجزائري هذا الحديث، وسط جمع من القبائل، قبل شهرين، ليُصبح ما أراده أمرا واقعا، بل إنه تمكن من رفع أيدي نواب قالوا نعم لمشروع التعديل الدستوري، و هم من أشرس المُعارضين للغة البربر، ليس أقلهم رئيس البرلمان نفسه، السيد عبد القادر بن صالح، أو وجوه تاريخية، مثل الطاهر الزبيري، و هي من ألد أعداء، حسين آيت أحمد زعيم جبهة القوى الاشتراكية، أكبر حزب في بلاد القبائل.

والأمر الذي استعجب له المراقبون، هو مُقاطعة الحزبين البربريين جبهة القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، لعملية الاقتراع، رغم أن إقحام اللغة البربرية في الدستور الجزائري، كان أهم مطلب للحركة الثقافية البربرية منذ الاستقلال، بل و قبله داخل الحركة الوطنية بكثير.

تنازل سياسي أم للحفاظ على الهدوء؟

لذلك تسائل الكثيرون،عن جدوى السرعة في التعديل الدستوري، إذا لم يهدأ على إثره الوضع في بلاد القبائل؟، ثم ما هي الحلول الممكنة لعودة الهدوء؟، تجيب السيدة لويزة حنون، زعيمة حزب العمال:

” لقد طلبنا من رئيس الجمهورية، الإفراج عن المعتقلين القبائل،و إلغاء الأحكام الصادرة ضدهم، لأن كل هذه التغييرات جاءت في مرحلة مُضطربة، و بما أن الدولة اعترفت بمسئوليتها، حيال القمع و الضحايا، لذلك فإن أول ما نُطالب به هو أن لا يكون هناك ضحايا آخرين، فالقائمة يجب أن تُغلق…”

وبالفعل، لم تهدأ الأوضاع في بلاد القبائل، وهي لا تُهدد مستقبل الوحدة الوطنية فحسب، بل تُهدد كرسي الرئيس الجزائري نفسه، لأن العنف في بلاد القبائل، مُستمر منذ نحو عام وبشعارات ثقافية وديموقراطية، لم يثبت أنها من النوع الذي يصبر على وقعه، البنيان السياسي للرئيس الجزائري.

دليل ذلك يقول المُتشائمون: هو تغيير الدستور، وبمادة في غاية الخطورة، تُؤكد أن لغة البربر هي اللغة الرسمية الثانية في الجزائر بعد اللغة العربية، ومعنى هذا مسؤولية كبيرة للدولة، في التعليم بجميع مُستوياته، وفي الإدارة، والمحاكم والقوات المُسلحة، والقائمة تطول.

وهذا التغيير ليس إلا شكلا من أشكال التنازلات السياسية الهائلة، التي لن يُقبل بعدها أي تنازل، بما أن العنف أو ” مواجهة السلطات”، في بلاد القبائل، لم يعد ما يُغذيه، سوى المُطالبة بالديموقراطية، وبتحسن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، وهي مطالب كل الجزائريين، كما يقول بعض المُقربين من الرئيس.

ومن وجهة النظر هذه، يكون قد اُسقط في يد القبائل، ولابد عليهم حسب وجهة نظر الرئيس أن يعدلوا عن مُقاطعة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الثلاثين من شهر أيار مايو المقبل، وعليهم أن يوقفوا حسب وجهة نظر الرئيس، عنفهم في قرى ومدن القبائل، بما أن مطلب الاعتراف بلغتهم قد تحقق.

الواقع يعكس صورة أخرى

إلا أن القبائل بكل تشكيلاتهم، رفضوا مقترحات و تنازلات الرئيس، وطالبوا على لسان الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية، أحمد جداعي، بتغييرات أخرى تطال العمل السياسي وحرية الإعلام، والمؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى دور الرئيس، في حين طالب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، بإطالة عمر المرحلة الانتقالية، وبحكم ذاتي في منطقة القبائل.

مما أدى إلى تعقد الوضع، بشكل لم يسبق له مثيل، يُتهم فيه القبائل، بالعمالة للساقطين في الداخل، و للفرنسيين ” بالتحديد”، في الخارج، فيما يتهم القبائل السلطات بالدكتاتورية وبالتخلف وقمع الشعب.

والواقع أن رأي الكثيرين، يُؤكد أن القبائل بين فكي كماشة، والوضع قد يسوء أكثر في منطقة القبائل، وهنا يُمكن تفسير موقف ألد أعداء القبائل في البرلمان، وهم من الشخصيات الحكومية البارزة، وهم يُوافقون على إقحام اللغة البربرية في الدستور، وضع شبهه البعض، بالضوء الأخضر للرئيس، بأسلوب: افعل ما ترى فنحن ورائك.

ومما يُتوقع في منطقة القبائل، عملية سحق عنيفة لأعمال الشغب، ستحصل على سند الأغلبية السياسية، بسبب انتشار فكرة “وجوب قمع من لا يُريد العيش مع العرب”. ولأنه يصعب على بوتفليقة التنازل أكثر مما فعل، لأنه لو حقق كل مطالب القبائل، سيكون خيرا له أن يرحل، لأن أسلوب الدولة التي يقتنع بها هو وأبناء جيله، لا يتماشى والمطالب القبائلية، تماما كما حدث مع مطالب الجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل عشرة أعوام.

واقع يتمنى الجزائريون، أن لا ينتج عنه كارثة بين الجزائريين، سببها أن الحوار مسموم فيما بينهم، وأن الخيوط بين الوطنية والعمالة رفيعة جدا…

هيثم رباني – الجزائر.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية