مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الرئيس الموريتاني: “أقصينا أنفسنا من البداية عن اقتناع”

الرئيس الموريتاني أعل ولد محمد فال أثناء الندوة الصحفية التي عقدها في جنيف يوم 16 نوفمبر 2006 swissinfo.ch

عشية إجراء الانتخابات البرلمانية والبلدية في بلاده، تحدث الرئيس الموريتاني أعل ولد محمد فال في جنيف عن المسار الديمقراطي في موريتانيا منذ "تغيير" 3 أغسطس 2005.

الرئيس ولد محمد فال اعتبر أن قادة “التغيير” لن يعودوا للسلطة بطرق ملتوية، وأن ترشيح “المستقلين” حق دستوري لا فائدة شخصية من ورائه، وأن عدم قيام حزب إسلامي أمر مفروغ منه في بلد سكانه مسلمون 100%.

أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الموريتاني أعل ولد محمد فال لجنيف في 16 نوفمبر، في إطار حضور منتدى الاستثمار في إفريقيا الى جانب عدد من القادة الأفارقة، عقد الرئيس الموريتاني لقاءا مع الصحافة الدولية والعربية في نادي الصحافة في جنيف تطرق خلاله الى تقييم حصيلة ما أنجزه المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي يرأسه منذ توليه السلطة في موريتانيا في 3 أغسطس2005

تغيير أم انقلاب؟

اللقاء الذي حضرته سويس إنفو كان بمثابة شرح الأسباب التي أدت إلى ما سمي ” بالتغيير” والذي كان بمثابة الإطاحة بنظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع، وتقييم حصيلة المسار الديمقراطي الذي حدد للبلاد.

عن طبيعة وأسباب هذا ” التغيير” يقول الرئيس الموريتاني أعل ولد محمد فال: “ما حدث في موريتانيا في 3 أغسطس 2005، نسميه نحن تغييرا. آخرون يستطيعون تسميته انقلابا . سميناه تغيرا لأن ما وقع في موريتانيا لم يكن من طبيعة الانقلاب لأنه لم يتم في يوم من الأيام ضد إرادة الشعب.

فقد تم بإجماع من كافة القيادات العسكرية والقوى السياسية بدون استثناء سواء بالنسبة للقوى السياسية التقليدية او السياسية المعارضة، وممثلي المجتمع المدني. بحيث رأى الجميع أن التغيير هو السبيل الوحيد للخروج من وضعية عرفتها مع الأسف عدة دول في إفريقيا، نعرف بدايتها ولا نعرف متى ستنتهي.

عملية التغيير تمت بدون إطلاق ولا طلقة نارية واحدة ولم يتم فرض حالة منع التجول ولو لدقيقة واحدة ولم يتم فيها إلقاء القبض على أي شخص لحد اليوم سواء في صفوف النظام السابق او في صفوف المعارضة السابقة. ولم يتم حظر نشاط اية نقابة او حزب سياسي أو تعليق صدور أية صحيفة بل تم توسيع مجال الحريات بحيث تم الاعتراف بعشرات الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والصحف”.

وفي المجال الصحفي بالذات يقول الرئيس الموريتاني “لم نعمل على إغلاق أية صحيفة ولا حاسبنا أي صحفي على ما كتبه او قاله. وقد عدلنا قانون الصحافة لإعطاء كل الضمانات والحرية للصحافة الموريتانية وقد عدلنا السلطة المشرفة على الصحافة بحيث أقيمت هيئة مستقلة يشارك فيها الصحفيون أنفسهم، ونقلنا القرار بخصوص الصحافة من وزارة الداخلية لوزارة العدل. وهذا ما يجعل بلدنا من أكثر البلدان في العالم تقديما للضمانات في مجال حرية الصحافة”.

العدالة والحكم الرشيد والمسار الديمقراطي

عملية التغيير تمت وفقا للرئيس الموريتاني عبر مسار تشاوري وبإجماع وطني تام. وقد تركزت عملية الإصلاح في ثلاثة ملفات: العدالة والإدارة الرشيدة، والمسار الديمقراطي.

الإدارة الرشيدة في تقييم الرئيس الموريتاني “هي إدارة البلاد لصالح الشعب الموريتاني وليس لصالح أشخاص أو جماعات او فئات معينة”.

ولتعزيز الرقابة على الإدارة “تم منذ عام، تأسيس لجنة تحقيق وطنية بإمكانها أن تخضع أي مسئول للتحقيق الدقيق حول كيفية إدارة أمور البلاد وإنفاق الأموال العامة”.

والعنصر الثاني في ملف الإدارة الرشيدة حسب الرئيس الموريتاني: “إخضاع كل ما تقوم به الدولة في مجال مشتريات الدولة لرقابة لجنة وطنية وبعد تقديم عرض دولي وعلني وهذا لاحترام الشفافية التامة والمنافسة التامة لتجنب الصفقات الخفية والمتفق عليها بين الأشخاص”.

ومن بين الإصلاحات التي تمس الموظفين “رفع الأجور بنسبة 50% منذ وصولنا الى السلطة، ومواصلة النظر في كيفية الزيادة وفقا لما تسمح به إمكانيات الدولة الموريتانية، وإدخال نظام الضمان الاجتماعي بالنسبة لموظفي الدولة وعائلاتهم، سيبدأ العمل به في بداية العام القادم”.

دولة المؤسسات والتداول على السلطة

نتيجة للتجربة التي مرت بها موريتانيا والتي يلخصها الرئيس الحالي في “نظام الحزب الواحد او أحزاب السلطة التي لم تعمل إلا على الاستمرار في تطبيق سياسة الحزب الواحد”، يرى الرئيس فال “المخرج الوحيد هو إقرار التداول على السلطة عبر دستور جديد يحدد فترة الرئاسة بخمسة أعوام تجدد مرة واحدة”. ولتفادي العودة الى ممارسات الماضي يرى الرئيس الموريتاني “أنه تم تعقيد الإجراءات القانونية لتفادي التراجع عن هذا المبدأ”.

لتعزيز التداول على السلطة يرى الرئيس الموريتاني “أنه تم فرض حظر على كل المنتسبين للمجلس العسكري ولأعضاء الحكومة الانتقالية لكي يرشحوا أنفسهم لأية مناصب في الإدارة القادمة لضمان حيادهم، أو اعتبار أنفسهم مستقيلين مؤقتا أثناء الحملة الانتخابية، واتخاذ قرار نهائي بعد ظهور النتائج”. كما تم فرض حظر على استخدام وسائل الدولة في الحملات الانتخابية.

من أجل دعم الشفافية على المستوى الوطني يرى الرئيس الموريتاني أنه “تم إقرار لجنة انتخابات وطنية تم اختيار أعضائها من قبل ممثلي المجتمع المدني وليس الدولة، ولها تواجد في كل مكاتب التصويت”.

كما تم إقرار “لجنة للإشراف على قطاع الإعلام السمعي البصري ومن مهامها الإشراف على الإعلام المكتوب والسمعي البصري”.

وقد تم تأسيس المرصد الوطني للانتخابات وتم قبول طلبات العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية و الدول التي ترغب في الإشراف على الانتخابات.

لا مجال لحزب إسلامي

ومن التساؤلات المطروحة في موريتانيا كيفية اعتزام الرئيس الحالي التعامل مع الإسلاميين، في حال فوزهم في الانتخابات كمرشحين مستقلين وبعد ان رفض الإعتراف لهم بإقامة حزب خاص بهم؟

حول هذا الموضوع يقول الرئيس أعل ولد محمد فال:”موقفي من الإسلاميين واضح وقد قلنا دوما بان الإسلام واحد وليس هناك 50 نوعا. وعندما نشرع في وصف الإسلام بأوصاف مثل المتطرف أو المعتدل فمعنى ذلك لم يعد الدين الذي نعرفه في موريتانيا. وقد قلنا اننا لن نعترف بحزب يحمل شعار الإسلام لأسباب واضحة وهي أننا بلد مسلم 100 % ولنا تقاليد مسلمة وليست إسلاموية. وإن الاعتراف بحزب إسلامي معناه بكل بساطة إقصاء بقية المسلمين. من يحق له أن يقصي بقية المسلمين في بلد سكانه مسلمون 100%؟. أخيرا هناك دستورنا الذي يمنع احتكار شعار الإسلام من قبل حزب او مجموعة بحالها”.

وأضاف الرئيس الموريتاني: “قد يحدث أن يكون بعض المرشحين المستقلين قد تقدموا للانتخابات وهم يحملون هذا الشعار. لكن يجب ان نتمسك بثقتنا في الموريتانيين”.

أقصينا أنفسنا من السباق السياسي

من الانتقادات الموجهة لقيادة “التغيير” لجوء بعض الأوساط الى حد اتهام هذه القيادة بتشجيع ترشيح المستقلين ومحاولة استغلالهم للعودة للسلطة من باب ديمقراطي فيما بعد.

سويس إنفو طرحت هذا السؤال على الرئيس أعل ولد محمد فال وكان جوابه بصراحة: “أود أن أشير الى أننا أثرنا هذا الموضوع منذ مدة وأنهينا النقاش بشأنه. ولكنني أجيب على سؤالكم بالقول أن قضية المرشحين المستقلين ليست جديدة. وأن الذين طرحوا هذا الموضوع للنقاش هم مناصرو النظام السابق وأحزاب المعارضة السابقة الذين كانوا يعارضون قيام أحزاب جديدة ويعارضون ترشح مستقلين. لكنني وقفت ضد ذلك للأسباب التي اشرحها: أولا أن تغيير الثالث أغسطس هو لفتح اللعبة السياسية في البلاد. وهذا لا يعني إضفاء الشرعية على ما كان موجودا قبل التغيير من نظام قائم ومعارضة تقليدية له. فالحق في الترشح كمرشح مستقل هو حق دستوري يخول لكي مواطن، وهذا تقليد متبع في كل الديمقراطيات وفي كل دول العالم. فكيف يمكننا نحن تحريم ما هو متاح من قبل الديمقراطيات الأخرى لأسباب غير موضوعية.

يضاف الى ذلك أن منع موريتاني من الترشح كمستقل معناه إرغامه على الترشح تحت راية حزب لا يؤمن بمبادئه وإيديولوجيته او في قادته. وأن الحزب الذي يقدم على ترشيح مستقلين خارج إطار الحزب معناه أنه حزب، منهار وحزب انتهازي يعمل على تحريف الغاية الفعلية للانتخابات وهذا أمر غير مقبول. والمعروف أن من ينتمون إلى الأحزاب في كل بلدان العالم لا يمثلون أكثر من 5% من السكان ، فإذن باي حق نمنع البقية من تمثيل بقية السكان. إذا ما لم تخني الذاكرة هناك 1200 مرشح، لا يمثل المستقلون من بينهم سوى 300. وحتى ضمن هؤلاء المستقلين هناك عدة أنواع. وإذا ما صفينا سوف لن نجد أكثر من 150 مستقلا فعليا”.

أما عن فكرة العودة الى السلطة بطريقة ديمقراطية فإن الرئيس الموريتاني يتساءل ” لست أدري لماذا نقوم بتحريض المستقلين على الترشيح وكيف يمكننا رؤية المستقبل لأنه يجب ان نكون منطقيين مع أنفسنا وأن ما قمنا به لم نقم به لهدف آخر غير ما تمليه علينا متطلبات البلد. وقد أقصينا أنفسنا من البداية عن اقتناع وضرورة لمصلحة بلدنا. ومع الأسف الشديد هناك في بلداننا عدد كبير ممن لا يستطيع أن يحافظ على وجوده إلا من خلال التزام نهج المعارضة وليس من خلال تقديم الحلول العملية وهم كثيرون في أحزابنا التقليدية”.

توزيع الثروة وتوزيع عائدات النفط

عن سؤال حول كيفية الاستعداد لإدارة موارد البترول وإصلاح اقتصاد البلاد في عهد النفط أجاب الرئيس الموريتاني “إن ما قمنا به لم نقم به لفترة انتقالية معينة بل بنظرة بعيدة المدى. فبلدنا عندما قمنا بعملية التغيير، كان يرزح تحت أكثر من 100 مليار أوقية من الديون، وكان بمثابة دولة على حافة الإفلاس وغير قادرة حتى على تقديم أجور موظفيها وفي حالة وقف لكل تعاون مع المؤسسات المالية الدولية.

وما قمنا به من البداية هو إعادة إرساء اقتصادنا على أسس سليمة قائمة على توازن الميزانية من خلال حسن الإدارة وتعزيز دخل الدولة بحيث حققنا زيادة في العام الأول، قدرت بحوالي 20%. وعملنا على تعديل قيمة العملة الموريتانية التي كانت متدهورة.

خلال الستة أشهر الأولى تمكنا من تحسين أوضاعنا بشكل فتح المجال أمام إعادة ربط الصلة بالمؤسسات المالية الدولية الأمر الذي سمح بمحو ديوننا بقيمة 850 مليون دولار وهو ما لا يعد أمرا بسيطا في وضع موريتانيا.

أما فيما يتعلق بإدارة عائدات النفط فقد اتخذنا كل التدابير بحيث ألزمنا بلدنا بكل إجراءات الشفافية لاقتفاء أثر كل دولار من عائدات النفط من موعد وصوله الى موعد إنفاقه.
فقد تم وضع كل عائدات النفط في حساب بنكي خاص خاضع للشفافية يخصص قسم منه لتمويل البنية التحتية للبلد، وقسم آخر لفائدة الأجيال القادمة بحيث تم اختيار بنك في مناقصة دولية، يودع فيه هذا الرصيد بأرباح تستثمرها الأجيال القادمة.

وهناك لجنة وطنية تشتمل على ممثلي الحكومة وممثلي أرباب العمل ومنظمات المجتمع المدني لها حق مراقبة كيفية إنفاق أموال البترول والتأكد من أن أحدا لا يتلاعب بتلك الأموال بل أنها تنفق لصالح تنمية البلاد”.

العلاقة مع إسرائيل

أصوات موريتانية حزبية وغير حزبية ارتفعت لتطالب بضرورة قطع العلاقات مع إسرائيل على ضوء التطورات الأخيرة، وهو سؤال طرح على الرئيس الموريتاني أيضا في جنيف فرد عليه بالقول: “قضية قطع العلاقات مع إسرائيل ليست قضية مطروحة في الوقت الحالي. وموريتانيا أقامت علاقاتها مع إسرائيل نتيجة لثوابت ولسنا مستعدون لمراجعة موقفنا ما دامت هذه الثوابت موجودة.

وأعيد التأكيد بأن موريتانيا لم تتخذ هذا الموقف لتستفيد، بل لأسباب مبدئية وموضوعية. فموريتانيا كانت في طليعة الموقف العربي عندما كان موضوع فلسطين يطرح كقضية حروب ومقاومة. وعندما تغيرت الأمور في العالم العربي أعادت موريتانيا النظر دعما لموقف المنظمة الفلسطينية (منظمة التحرير). فما دام الفلسطينيون قالوا هذا هو الطريق السليم بالنسبة لنا فإن موقفنا أملته علينا قبل كل شيء مصلحة فلسطين. فملثما وقفنا معهم في مرحلة الكفاح سنقف معهم في هذا المسار ونواصل في نفس الاتجاه، وهذا أمر واضح. وعندما تغير (المنظمة) اتجاهها، عندها سنعمد الى تقويم موقفنا أيضا لأنها هي التي تملي علينا ذلك”.

حل قضية الصحراء بالتوافق

من القضايا التي تمس موريتانيا بشكل أو بآخر قضية الصحراء الغربية، حول نظرة الرئيس أعل ولد محمد فال لكيفية حل هذا الصراع المزمن يقول: “إن موقفنا واضح وكررناه في عدة مناسبات سواء في الجزائر او في الرباط، وهو أنه نزاع نحبذ أن يحسم بالإجماع والتوافق. ومهما كانت الاقتراحات المقدمة إذا لم تقبل من الطرف الآخر فإنها لن تكون بالنسبة لنا حلا توافقيا. فنحن لسنا ضد اية أطروحة لا من الجانب المغربي ولا من الجانب الصحراوي ولا من أي جانب آخر ما دامت أطروحة بإمكانها أن تعمل على إحداث تقدم. وإذا لم يتمكن من التوصل الى حل توافقي فإننا نقف الى جانب الشرعية الدولية، مع تفضيلنا للحل التوافقي”.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

تنتظم الإنتخابات البرلمانية والبلدية في موريتانيا يوم الأحد 19 نوفمبر 2006.

يبلغ عدد الناخبين الموريتانيين مليونا و64 ألف ناخب وناخبة.

يبلغ تعداد مكاتب التصويت في عموم موريتانيا 2236 مكتب.

قامت وزارة الداخلية بطبع 4 ملايين نسخة من بطاقات التصويت الموحدة وغير القابلة للتزوير في بريطانيا بكلفة 700 ألف يورو.

تتنافس 441 لائحة، على مقاعد البرلمان البالغ عددها 95 مقعدا.

تتنافس 1222 لائحة على 216 مجلسا بلديا على عموم التراب الموريتاني.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية