مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السر المصرفي..جدل لا يتوقّف وهجوم لا ينقطع

في المصارف الخاصة، كما هو الحال هنا في مصرف سارازان، يلعب عامل الثقة دورا كبيرا. Keystone

في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل في صفوف الطبقة السياسية حول مستقبل السر المصرفي، أفاد استطلاع للرأي نُشرت نتائجه يوم 14 فبراير 2010 في أسبوعيتين أن 62% من السويسريين يرفضون إلغاء العمل بمبدأ السرية المصرفية على الرغم من الانتقادات والضغوط الخارجية، لكنهم مستعدون لتقديم بعض التنازلات.

نتيجة هذا الاستطلاع تتناغم إلى حد بعيد مع توجّه الحكومة السويسرية إلى التعاطي بحكمة مع الضغوط الخارجية، وتتقاطع مع رأي كل من الرافضين لإلغاء السر المصرفي أو الداعمين له.

وإذا كان أغلبية الذين أدلوا بآرائهم قد ساندوا الحكومة في رفضها للتبادل التلقائي (أو الآلي) للبيانات المصرفية مع الدول الأجنبية، فإن وزير المالية هانس رودولف – ميرتس أشار خلال لقائه مع نظرائه في البلدان الأوروبية الناطقة بالألمانية نهاية الأسبوع الماضي إلى “استعداد بلاده للتفاوض مع الإتحاد الأوروبي من أجل التوصّل إلى صيغ متراض عليها لاستخلاص الضرائب على الودائع المالية”.

وتنقسم النخب السويسرية على نفسها أكثر من أي وقت مضى حول مستقبل السرية المصرفية، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنه لا خيار أمام سويسرا سوى إلغاء هذا التقليد لتحقيق الشفافية، وأن الدور الأوّل للحكومة حماية المواطنين النزهاء، وليس مرتكبي المخالفات، ترى فئة أخرى أن السر المصرفي ضروري لحماية المعطيات الشخصية، وللمصلحة الوطنية. بين هذا وذاك تبحث الحكومة السويسرية عن حلول تصفها المعارضة بالهروب إلى الأمام، وافتقادها للجدوى.

المصرفيون متمسكون بأسرارهم

هذا الجدل لا يبدو انه قد نال من قيمة السر المصرفي في أعين المشتغلين في قطاع البنوك، أو حوّله إلى عائق في ممارساتهم المهنية، إذ اعتبر أورس روث، العضو بمجلس إدارة رابطة المصارف السويسرية في حديث إلى swissinfo.ch أن “المعنى الحقيقي للسر المصرفي هو حماية الخصوصية الفردية، وليس حماية المصارف. فما نلاحظه من خلال علاقاتنا مع الحرفاء ان همّهم الأوّل ليس كيفية التحايل على إدارات الضرائب في بلدانهم، بل حماية خصوصياتهم من رقابة الدولة”.

وعن أسباب الدّعم الذي يلقاه السر المصرفي من لدن غالبية السويسريين، يضيف روث: “بالتأكيد، حماية الخصوصية الفردية مسالة مهمة جدا، وهي المرتكز الأساسي للنظام القانوني السويسري. فهذا المبدأ لا ينحصر فقط في المجال المصرفي، بل هو يتعداه إلى المجال الطبي، وإلى الحريات العامة، ولهذه الأسباب كلها، لابد من التمسّك به”.

في المقابل، وردا على الهجوم المستمر الذي ما فتأ يستهدف السرية المصرفية تقترح كل من الأحزاب البرجوازية، ورابطة المصارف السويسرية، حلا يتمثّل في استخلاص الضريبة الإبرائية المستقطعة من المنبع بالنسبة لودائع الرعاية الأجانب في المصارف السويسرية لصالح بلدانهم ، وتضمين ذلك في الاتفاقيات الثنائية لمنع الازدواج الضريبي، مع تحديد نسبة الخصم عبر التوافق مع البلد المعني. وطبقا لهذا النظام، لا يحصل أصحاب الودائع الأجانب في المصارف السويسرية على أرباحهم إلا بعد دفع تلك الضرائب.

ويفترض روث عضو مجلس إدارة جمعية المصارف السويسرية أن الدول الأخرى “سوف تسعد بهذا المقترح، لأنها سوف تحصل على نفس المبالغ المالية كما لو أن مواطنها وضع ودائعه في أحد مصارف بلاده”.

التهرب الضريبي والغش الضريبي

هذا المقترح “ينتمي إلى الماضي”، بحسب الدبلوماسي السويسري ميشال ريتيرار، الذي يرى أن “أي طالب مبتدأ، يدرك ببساطة أن البلد الذي ينحدر منه أصحاب الودائع سيكون الخاسر في النهاية”. وبالنسبة له “الرهان الأساسي في هذا الجدل القائم حول السرية المصرفية يتمثل في ضمان “المساواة أمام القانون بين دافعي الضرائب سواء كانوا في الوطن أو خارجه”.

والضمان الوحيد لتحقيق ذلك يتمثّل في ضرورة إلغاء التمييز القانوني بين التهرّب الضريبي والغش الضريبي، واعتبارهما مخالفتيْن للقانون.

كذلك يعترض رئيس مؤتمر وزراء المالية في الكانتونات السويسرية كريستيان فانّر على ما يسميه “سياسة الكيل بمكياليْن” والمتمثلة في مساعدة الدول الاجنبية على إقتفاء اثر مواطنيها المتهربين من الضرائب، والمالكين لحسابات في المصارف السويسرية، في حين لا يسمح القانون السويسري للسلطات المحلية بفعل ذلك تجاه دافعي الضرائب من مواطنيها”.

هذا الوضع، بحسب اغلب وزراء المالية في الكانتونات السويسرية لا يمكن ان يستمر أو أن يكون مجديا، وإن كانوا يقرّون بأن تصحيحه سوف يتطلب وقتا لأن “تكييف القوانين لا يتم بين عشية وضحاها”.

هذه الخطوة ضرورية بحسب فانّر عضو مجلس الشعب، والذي بالنسبة إليه: “تتمثّل المهمّة الأساسية للدولة في حماية المواطنين النزهاء، وليس مرتكبي المخالفات”. ويحذّر هذا الأخير: “إذا لم تتحرك الحكومة الفدرالية بسرعة لتغيير هذا الوضع، فإن الكانتونات سوف تأخذ زمام الأمر بيدها”.

السعي إلى حلول بالتراضي

بالإضافة إلى كون هذا هو خيار أغلبية السويسريين بحسب نتائج آخر استطلاع أجرى حول السر المصرفي، فإن الحكومة نفسها لا ترى له بديلا في مواجهة العاصفة الدولية التي لا تكاد تهدأ حتى تتصاعد شرارتها من جديد.

ورغم تأكيد الحكومة السويسرية على رفضها للتبادل التلقائي (أو الآلي) للبيانات المصرفية مع الدول الأجنبية، وإصرارها على عدم التعاون مع أي بلد يعتمد في تقديم طلباته في هذا المجال على بيانات مسرّبة، ألمح وزير المالية السويسرية في وقت سابق إلى أنه “إذا كانت سويسرا ترغب في الإستفادة من المزايا التي توفّرها الأسواق المالية الأوروبية، فعليها ان تكون مستعدة لإيجاد حلول لمسألة التبادل التلقائي للبيانات المصرفية مع هذه الدول”.

وأضاف ميرتس: “عليْنا أن نوازن بين المصالح المختلفة، لكن علينا ان ندرك انه ليس بالإمكان رفض تبادل المعلومات مع هذه الدول، وفي نفس الوقت الاستثمار في أسواق هذه البلدان من دون اي قيد او شرط. هذا غير ممكن”.

وحول الحل المتمثل في استخلاص الضريبة الإبرائية المستقطعة من المنبع لصالح البلدان الاجنبية، يرد ميرتس: “هذا الخيار لا يمكن تنفيذه، إذا لم تقبل به البلدان الأخرى”.

الحزم مع المصارف

الجدل حول السر المصرفي أفسح المجال كذلك لظهور أصوات على يسار النخبة السياسية تطالب بإخضاع المصارف والبنوك لسلطة الدولة والقانون، ومن ذلك مطالبة كريستيان لوفرا، رئيس الحزب الإشتراكي بفرض “ضوابط قانونية تلزم المصارف بالتدقيق في ما إذا كانت الودائع المالية التي تحتفظ بها سليمة من الناحية الضريبية ام لا”.

ويتطلب هذا بحسب لوفرا: “حصول البنوك من أصحاب الودائع على حجج صادرة من إدارات الضرائب في بلدانهم الأصلية تؤكد سلامة ذمّتهم من الاستحقاقات الضريبية”، ويضيف هذا الزعيم اليساري: “أما المصارف التي تتهاون في تنفيذ هذا الإجراء، فيجب أن تسلّط عليها عقوبات مشددة”.

ويذكر أن هانس أوريخ دوريغ، رئيس مصرف كريدي سويس، عندما سئل يوم السبت الماضي حول هذه القضية أجاب: “لا أعلم حجم الودائع المالية التي توجد في مصرفنا ولم يستخلص أصحابها مستحقاتهم الضريبية”. ويحتفظ كريدي سويس، ثاني اكبر مصرف سويسري بودائع مالية أوروبية تقدّر بمائة مليار فرنك.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية