مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السلطة الفلسطينية بين المطرقة والسندان

الضغوطات المزدوجة الخارجية والداخلية على القيادة الفلسطينية إنعكست على سلاسة العلاقات الداخلية بين قياداتها swissinfo.ch

الأنباء المتواردة عن استقالة العقيد محمد دحلان مدير جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في قطاع غزه تشكل إشارة هامة عن مدى الصعوبات الداخلية التي يواجهها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. ذلك أن دحلان ليس فقط الشخصية الأمنية الأولى في قطاع غزه، بل هو أيضا مفاوض رئيسي في أي لقاءات تفاوضية ذات مستوى رفيع مع الجانب الإسرائيلي وهو من اقرب المقربين من الرئيس الفلسطيني.

لكن يبدوا أن الضغوطات المزدوجة الخارجية والداخلية على القيادة الفلسطينية قد خلقت صعوبات من النوع الذي بدأ يعيق أداء المهمات الأساسية للسلطة، أمنية أو مدنية، وكذلك بدأ يعيق سلاسة العلاقات الداخلية بين شخوصها وأجهزتها. فمن ناحية، مطلوب من الرئيس عرفات عن طريق أجهزته الأمنية أن يوقف أي مقاومة للاحتلال وكذلك أن يعاقب بالاعتقال أي خروج على ذلك من قبل نشطاء الانتفاضة، ومن ناحية أخرى لا يستطيع أن يقدم لهؤلاء وقف للممارسات الإسرائيلية مثل الاغتيال والحصار والاقتحام والتي هي أصلا الدافع الأساسي وراء استمرار وتصاعد الانتفاضة والمقاومة.

لقد وصلت الأمور بأشخاص مسؤولين مثل العقيد دحلان أن يجد صعوبة في البحث من اجل الاعتقال عن نفس النوع من الأشخاص الذين تستهدفهم المروحيات الإسرائيلية في سعيها لاغتيال نشطاء وكوادر القوة الوطنية والإسلامية التي تحرك الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية. بمعنى آخر، فقد ابتعد الرئيس عرفات عن جمهوره كثيرا في سياق سعيه للتلائم مع الاحتياجات ومتطلبات الوضع الدولي الجديد. وكان الرئيس عرفات في سعيه وراء تطبيق المتطلبات الأمريكية والأوروبية المتعلقة بالتهدئة ووقف إطلاق النار بأمل في أن يحصل على شيء يقدمه لشعبه مقابل ما يطلب منه على الصعيد الداخلي، وتحديدا بدء عملية سياسية تعيد الأمل للشعب الفلسطيني بإمكانية إنهاء الاحتلال تفاوضيا وسلميا، وكذلك إنهاء سياسة الاغتيالات والحصار الإسرائيلية.

إنخفاض شعبية الرئيس عرفات

غير أن فشل الرئيس عرفات في الحصول على أي من هذين المطلبين، مع استمراره في الضغط على شعبه ضد استمرار ردة الفعل ضد ممارسات الاحتلال من خلال نشاطات الانتفاضة والمقاومة قد أدى إلى تراجع لم يسبق له مثيل في مكانة السلطة ورئيسها في نظر الجمهور الفلسطيني، مما أدى إلى أن تنخفض شعبيته حسب استطلاعات الرأي العام الأخيرة إلى أدنى مستوى حيث بلغت فقط خمسة وعشرون بالمائة بعد أن كانت خمسة وسبعون بالمائة قبل سبع سنوات أي أثناء نجاح عملية السلام في إخلاء الاحتلال تدريجيا عن المدن والبلدان الفلسطينية المختلفة.

ولا يظن أحد أن هذا يحدث تلقائيا أو نتيجة لسوء أداء القيادة الفلسطينية، بل أن هذه التطورات هي النتيجة الحتمية للسياسة الإسرائيلية التي تستهدف إضعاف السلطة والقيادة الفلسطينية بما فيها الرئيس داخليا وخارجيا، ويشارك في ذلك أيضا الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على الرئيس عرفات دون تقديم مقابل يمكنه من تعزيز مكانته الداخلية.

أن القضاء على وجود سلطة وطنية مركزية فلسطينية على الأرض الفلسطينية، وهو أمر يحدث لأول مرة في الخمسين عاما الأخيرة من تاريخ القضية الفلسطينية، هو من الأهداف الاستراتيجية لحكومة إسرائيل الحالية التي سعت إلى إلغاء كل التطورات التي حصلت نتيجة عملية السلام أو أثنائها بما في ذلك وجود السلطة وكذلك وجود أجزاء من الأرض الفلسطينية تحت سيطرة هذه السلطة. فرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، المعروف بمعارضته لاتفاقية أوسلو للسلام، لم يستطيع أن يعيق حصول هذه التطورات عندما كان زعيما للمعارضة أثناء عملية السلام، ووجد الآن الفرصة المواتية عندما اصبح رئيسا للوزراء، لكن نجاحه في تحقيق هذا الهدف غير حتمي.

فالجانب الفلسطيني أيضا لديه أوراق منها إفشال سياسة شارون الأمنية عمليا والتي يراهن بواسطتها على تحقيق الأمن للإسرائيليين بالقوة. كذلك هناك ورقة العامل الدولي الجديد الذي يجعل استمرار النزيف في فلسطين إلى جانب مشاهد الحرب في أفغانستان أمرا مكلفا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم العربي تحديدا، لذلك فإن المسالة مسالة وقت وعض على الأصابع وهنا تكمن أهمية استمرار الحد الأدنى من الوحدة الوطنية الفلسطينية وعلى الأقل الحد الأدنى من استمرار الانتفاضة الفلسطينية كشرطين لا بد منهما من اجل تحقيق الأهداف للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة.

د. غسان الخطيب/ القدس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية