مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصوت النشاز في نيويورك

كولر: اذا كنا جادين فعلا في جعل العولمة تعمل لمصلحة الجميع فيتعين على الدول المتقدمة ان تدرك انه لا يمكن إستمرار الوضع الراهن." Keystone

في كلمة كانت مفاجأة للجميع ندد العضو المنتدب بصندوق النقد الدولي بسياسة الدول الغنية التي اتهمها بالأنانية وتقصيرها في منح الفرصة للدول الفقيرة لتحقيق التقدم والرخاء، وذلك أمام أقطاب السياسة والمال المشاركين في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في نيويورك.

في الوقت الذي يروج فيه المنتدى الاقتصادي العالمي في نيويورك للعولمة ويحاول المتحدثون ابراز أهميتها ومخاطر التراجع عنها جاءت كلمة هورست كوللر العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي بمثابة المفاجأة للجميع لا سيما وان الصندوق متهم بأنه المتسبب الرئيس في الكوارث الاقتصادية و أنه يفرض سياسات على الدول الفقيرة لا تتناسب مع أوضاعها الاقتصادية، إلا أن كلمة العضو المنتدب أوضحت بأن الدول الغنية هي المتسببة بالدرجة الاولى في كوارث الدول الفقيرة.

فقد قال هورست كوللر أمام لجنة لبحث الوضع الاقتصادي العالمي “إن المجتمعات في الدول المتقدمة أكثر أنانية من أن تتخلى عن الامتيازات التي يتطلبها منح فرصة أفضل للفقراء”، وأضاف “على الدول المتقدمة أن تدرك أنه لا يمكن استمرار الوضع الراهن إذا أرادت أن تكون العولمة في مصلحة الجميع”.

و اتفق معه في هذا الطرح نائب وزير الخزانة الأميركي كينيث دام حيث علق قائلا بأن الدول الصناعية لم تول اهتماما كافيا لضرورة فتح أسواقها أمام صادرات الدول النامية حتى تتخلص من الفقر والاعتماد على الآخرين، إلا أنه القى باللائمة على مجلس الشيوخ الأميركي لتقاعسه عن منح إدارة الرئيس بوش التفويض الذي يتيح لها سرعة التفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية، وأكد على الحاجة إلى الإسراع في إجراء جولة جديدة من محادثات التجارة العالمية.

لكنه في الوقت نفسه القى باللائمة على الدول الفقيرة قائلا “انه مما يثير الدهشة ان كثيرا من الدول النامية التي ينتظر ان تجني النصيب الاكبر من فوائد تحرير التجارة كثيرا ما تكون هي الاكثر ممانعة في فتح اسواقها”.

في نفس السياق اعلن رئيس منظمة التجارة العالمية مايك مور إن جولة المحادثات التجارية العالمية الجديدة في العاصمة القطرية الدوحة ستفشل إذا لم تفتح الدول الغنية أسواقها أمام المنتجات الزراعية المستوردة من الدول الفقيرة، وأضاف مور أن “هذه الجولة لن تتوصل لنتيجة إذا لم يحدث تحرك كبير في قضايا مثل الزراعة التي هي قضية تنمية محورية لدول كثيرة”.

موقف أمريكي آخر

في المقابل دافع وزير الخزانة الأميركي بول أونيل عن معارضة بلاده لزيادة حجم المعونات الخارجية الموجهة للتنمية بصورة كبيرة، مشددا على أنه من الأفضل مساعدة الدول الفقيرة على تحسين استخدام المعونات التي تحصل عليها بالفعل، قائلا أن مناقشة تحقيق طفرات سريعة في مستويات المعيشة في العالم ثم تنظيم قوى الدول الغنية لتحقيق ذلك يبدو افضل من الاسلوب الذي اصبح تقليديا لزمن طويل وهو تحديد “رقم لمزيد من المعونات”

ويتوافق هذا الموقف الامريكي مع السياسة الفرنسية التي لم ترفع من حجم معوناتها الخارجية منذ عام، وقد يسمح هذا التوجه بالبحث فعلا في أوجه انفاق هذه المساعدات التي لم تؤت ثمارها حيث من المفترض أن تتناسب مع حجمها، مما يدل على أن شيئا ما لا يسير في الطريق الصحيح.

بداية تغيير في المواقف الثابتة؟

ويمكن القول بأن الاصوات المعارضة للعولمة والتي تتزايد من عام إلى آخر و لم يظهر عليها الكلل أو بوادر اليأس، إضافة إلى انعقاد المنتدى الاجتماعي العالمي في نفس الوقت في بورتو الغيري البرازيلية وارتفاع اصوات المشاركين فيه مطالبين بالعدالة الاجتماعية، شكل هاجسا بدا على المشاركين في منتدى نيويورك حيث يمكن النظر إلى أن هناك بداية لظهور تفهم بدرجة كبيرة للمخاوف المتزايدة التي تبديها القوى المناهضة للعولمة، لا سيما إذا تم الربط بين انتشار الفقر ومكافحة الارهاب وصعوبة تحقيق الهدف الثاني دون علاج المرض الاول.

ويتمثل هذا الاتجاه في كلمة وزير المالية الفرنسي لوران فابيوس الذي صرح “لا يمكن للعالم ان يتوقع شن حرب على الارهاب دون خوض حرب موازية للقضاء على الفقر الذي يفرز التشدد والكراهية للقوى الكبرى”، وأضاف “اذا كنا نريد التخلص من الارهاب فليست الحرب عملا عسكريا فحسب بل هناك ضرورة لحرب تقوم على مساعدة الدول الفقيرة على النمو. سؤالي هو: هل الدول الغنية واعية تماما بذلك؟.. هل هي مستعدة لاتخاذ قرارات محددة في هذا الشان؟، اذا اردنا عالما اكثر استقرارا فعلينا معالجة هذه المشكلة بكل جدية.”

و في بورتو الغيري … يتواصل عرض المقترحات

وعلى بعد آلاف الكيلومترات من نيويورك يواصل المؤتمر الاجتماعي العالمي دورته للعام الثاني على التوالي في حضور أكثر كثافة مما هو عليه الحال في نيويورك، ويواصل طرح الاقتراحات التي تسعى إلى الوصول إلى حلول للمشاكل المشتركة بين مختلف دول العالم التي لا يجمع بينها سوى الفقر والرغبة في الحياة بشكل انساني.

وقد تتلاقي الخطة الثلاثية التي اقترحتها احدى مجموعات العمل في المنتدى البرازيلي مع وقع كلمة العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي في نيويروك ليشكلا طفرة جديدة في توجهات الدول الغنية وتدفعها إلى التفكير بشكل آكثر شمولية وصولا إلى مظلة واحدة تتمكن من ضم الجميع تحتها.

ولابد من الاشارة إلى أن حضور المنتدى الاجتماعي العالمي في بورتو الغيري الذي يضم ستين ألف مشارك ليس به الاحتياطيات الامنية المكثفة التي تصاحب أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في نيويورك الذي يضم الفي مشارك أو ما يزيد.

وبين مطالب منتدى بورتو الغيري ورغبات المنتدى الاقتصادي العالمي تبقى الخطوات العملية هي الفيصل بين الجدية والسطحية في التعامل مع أهم قضايا هذا العالم، فإذا كان منتدى الغيري نجح في توضيح رغباته بشكل عملي ووضعها في خطط محددة، فعلى المنتدى الاقتصادي العالمي أن يستعد هو الآخر بشكل عملي لمواجهة هذا التحدي القادم من الجنوب، وأن يعتاد مستقبلا على سماع هذه المطالب حتى من بين صفوفه وألا يعتبرها نشاذا.

تامر أبو العينين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية