مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العرب فى معادلة ” الرد الأمريكي “

المعلومات التي تنشرها السلطات الأمريكية تباعا عن نتائج التحقيق تشير إلى أسماء ومجموعات ترتبط بشكل أو بآخر ببلدان عربية وإسلامية swissinfo.ch

" إننا مقبلون على عمل خطير جدا "، هذا ما قاله دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي فى مؤتمر صحفي له يوم الخميس الثالث عشر من سبتمبر الحالي، وكان الوزير الأمريكي قد وصف نفسه في اليوم السابق بأنه رجل تقليدي، إذا تكلم يقول كل ما يعرفه!

و ليست هناك حاجة للتأكيد على أن الرد الأمريكي المتصور تجاه الهجمات الإرهابية القاسية التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن، سيكون حادا وواسعا، أو بعبارة أخرى ردا عسكريا عنيفا ضد كافة الأطراف ذات العلاقة بما حدث.

لكن عند هذا الحد تبدأ تعقيدات لانهاية لها، فتبعا للتصريحات الرسمية الأمريكية، سوف يتم توجيه الرد إلى التنظيمات التي قامت عناصرها بتنفيذ تلك الهجمات، وضد القوى السياسية التي ساندتها بأية صورة، والاهم هوان هناك إشارات حول إمكانية توسيع نطاق العمل ليشمل ” بنية الإرهاب الدولي ” بكل عناصرها حتى لو لم تكن ذات علاقة مباشرة، بما حدث يوم الثلاثاء المأساوي.

وفى كل الأحوال، تجد الدول العربية نفسها في حرج حقيقي يصل إلى درجة المأزق في بعض الأحيان، فعلى الرغم من أن معظم الدول العربية الرئيسية قد أعربت عن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة في التعامل مع ما حدث، إلا أن تعقيدات الرد المتصور تطرح أسئلة ذات أهمية حول الكيفية التي سيتم بها ذلك، والمدى الذي يمكن للدول العربية أن تذهب إليه فى تعاملها مع هذه المشكلة.

طرف رغم انفه

وبداية فان الدول العربية تمثل يقينا طرفا هاما فى معادلة الرد الأمريكي، فعلى الرغم من أن من الصعب للغاية تصور أن أية دولة عربية قد تورطت في هذه المشكلة بشكل رسمي مباشر، إلا أن هناك تشابكات واضحة لكثير من الدول العربية معها، ترتبط بنقطتين :
الأولى : أن ما تم الكشف عنه حتى الآن يشير إلى أن منفذي العمليات عناصر إرهابية عربية تحمل جنسيات عربية، إماراتية وسعودية ومصرية وجزائرية، ورغم أن حمل الجنسية لا يعنى بالطبع وجود أية علاقة للدولة المعنية بتلك العناصر، إذ أن تلك العناصر التي تنتمي غالبا إلى ” الأفغان العرب ” قد عملت ضد دولها ذاتها، وتطاردها الأجهزة الأمنية العربية، فان الدول العربية المعنية دخلت ضمن دائرة التحقيقات الأمريكية، ولا توجد أية مشكلة للدول العربية بهذا الشان، بل أنها جميعا قد تكون راغبة بصدق في المساهمة في دعم التحقيقات الأمريكية، والوصول إلي أي مدى في هذا الاتجاه.

لكن المشكلة تبدأ إ ذا وضح ان دائرة المرتبطين بتلك العناصر قد اتسعت الى درجة الاقتراب من شخصيات سياسية أو قوى اجتماعية تجد بعض الحكومات العربية حساسية في تعريضها للتحقيق، كما حدث فى المراحل الأخيرة من تحقيقات استهداف المدمرة الأمريكية ” كول ” فى ميناء عدن، أو وضح أن دول خارجية لا تجد الدولة العربية المعنية مصلحة مباشرة فى تعريض علاقتها بها للاهتزاز، قد ” لعبت ” داخلها بصورة ما، كما توحي النتائج النهائية للتحقيقات التي تمت بشأن تفجير الخبر في السعودية.

أو أن عناصر تعمل بشكل منفرد داخل جهاز الدولة قد مارست نشاطات خاصة بدرجة ما تتصل بالمسألة. لكن كما يشير مسئول أمنى عربي لن يكون من الممكن في ظل حجم العملية التي استهدفت الولايات المتحدة أن يتم تجنب عدم التعاون الكامل من جانب الدول العربية، أيا كانت النتائج الداخلية.

الثانية : أن بعض الدول العربية لاتزال مدرجة على قوائم الدول الداعمة للإرهاب وفقا للمعايير الأمريكية، فتبعا للقوائم التى تصدر فى الولايات المتحدة، توجد 60 منظمة تعتبر إرهابية من وجهة نظر الولايات المتحدة، بينها عدد كبير من المنظمات والحركات العاملة على الساحة العربية، والتي لا تعتبر من وجهة نظر معظم الدول العربية إرهابية كحركة حماس في الأراضي الفلسطينية، وحزب الله في لبنان، والجبهة الشعبية ( الفلسطينية) فى سوريا. وإذا أدت التحركات واسعة النطاق التى تقوم بها الولايات المتحدة لتشكيل ائتلاف دولى يطرح إمكانية التعامل مع مشكلة الإرهاب برمتها، فان ثمة مشكلة سوف تنشأ.

مؤتمر دولي لمكافحة الارهاب؟

ومن الواضح أن المبادرة المصرية الخاصة بعقد مؤتمر دولى لمكافحة الإرهاب سوف تجد طريقها للتنفيذ، فقد جرت اتصالات بين السيد كوفى عنان أمين عام الأمم المتحدة والمسئولين المصريين بهذا الشان، وقد أوضحت تصريحات د. حنان عشراوى مفوضة الجامعة العربية الإعلامية، وما نشر في الصحافة السورية، ان هناك جدل واسع سوف يتفجر حول مفهوم الإرهاب، وبالتالي لن تقبل الدول العربية ببساطة أن يتم توسيع دائرة التعامل مع الإرهاب ليشمل فئات أوسع من مرتكبي أفعال نيويورك وواشنطن مباشرة، وقد تتراجع الإدارة الأمريكية مؤقتا عن التعامل مع مشكلة الإرهاب على هذا المستوى الواسع، تاركة إياها للمدى الزمني الطويل، بحيث لا يؤدى ذلك إلى التشويش على استراتيجية التعامل مع عمل إرهابي شديد الوضوح على غرار ما استهدفها، وبالتالي لن يحدث خلاف عاجل بهذا الشان.

لحظة الحقيقة

التعقيدات الحقيقية سوف تظهر عندما تكتمل التحقيقات التى يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي حول مرتكبي الهجمات الإرهابية، فإذا ظهر أن هناك منظمة، أو شبكة من المنظمات الإرهابية، هي التي خططت ونفذت الهجمات بدون دعم مباشر من جانب أية دولة، لن يكون من السهل استخدام القوة المسلحة للتعامل معها، لأسباب عملية خاصة بجدوى استخدام القوة، ولن يكون على الدول العربية سوى التعاون مع جهات التحقيق والضبط الأمريكية فى تقديم المعلومات، وتسليم المطلوبين.

وعلى الأرجح لن تثير مسالة تسليم المطلوبين تلك المشكلات التقليدية التي تثار بشأنها عادة، بفعل إدراك الدول العربية خطورة الموقف داخل الولايات المتحدة، وفى حالة وجود مشكلة بهذا الشان إذا ما كان بعض المطلوبين قد تمكنوا من التسلل لأية دولة من التي تعتبرها الولايات المتحدة ” مارقة “، فان الحد الأقصى هو ان ضربات عسكرية سوف توجه إلى الدول المعنية، دون مشاركة مباشرة من الدول العربية، لكن دون انتقادات حادة على الأرجح، حتى لو كان الأمر سينتهي بتكرار عملية على غرار قصف “مصنع الدواء” في السودان، ويشار حاليا إلى وجود ارتباطات للعراق بما حدث. أما الحد الأدنى، فقد يتمثل فى فرض إجراءات عقابية كالحصار ضد الدولة المعنية، تشارك فيه الدول العربية غالبا، على غرار ما شهدته الحالة الليبية.

أما في حالة ما إذا وصلت التحقيقات إلى نتيجة أن المنشق السعودي أسامة بن لادن كان وراء تلك العمليات، خاصة وانه لا توجد جماعة عربية قادرة ” فنيا ” على القيام بمثل هذه العملية، فإن ما سيكون مطروحا في هذه الحالة هو مهاجمة أفغانستان جوا وصاروخيا، لمحو تنظيم ” القاعدة ” الذي يتزعمه، وعقاب قادة ” طالبان “، بصورة قد تصل إلي مستوى اعتقالهم.

وفى هذه الحالة، لن تجد أى من الدول العربية نفسها فى مأزق كبير، إذ أن باكستان هى التى ستتحمل العبء السياسى للعملية برمتها، كما فعلت السعودية خلال حرب الخليج، بل ان بعضها ستكون له مصلحة حقيقية فى إنهاء تنظيم “القاعدة “، مثل مصر التى يعمل عدد كبير من الأصوليين الهاربين منها ضمن الكوادر العليا لهذا التنظيم، لذا فإنها قد تجد مبررا للمساهمة المحددة فى العملية، كما فعلت خلال حرب الخليج، خاصة وان أية مساهمة عربية عملية فى التحالف المتصور سوف تخفف الضغط بشدة عن الأمريكيين من أصل عربي أوالأمريكيين المسلمين داخل الولايات المتحدة.

محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية