مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

القضاء القطري ورسالة سياسية

الأحكام القضائية الاخيرة نقضت بعض قرارت محكمة الدرجة الأولى Keystone

عاشت قطر هذا الأسبوع تمرينا سياسيا جديدا عندما قضت محكمة الاستئناف بحكم الإعدام على تسعة عشر شخصا في قضية المتهمين بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، التي شهدتها قطر عام ستة وتسعين. ومنظمة العفو الدولية إنتقدت الأحكام القضائية بسبب تعرض المتهمين للتعذيب.

ومن بين المحكوم عليهم، ابن عم الأمير الشيخ حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني ومواطن سعودي، تحول حكمهما من المؤبد في محكمة الدرجة الأولى إلى الإعدام في الاستئناف.

كما نقضت المحكمة ذاتها أحكام سابقة لمحكمة الدرجة الأولى فأصدرت أحكاما بالسجن المؤبد على عشرين متهما منهم أربعة عشر كانت محكمة الدرجة الأولى قد برأتهم، على حين تم تأييد حكم المؤبد على ستة آخرين.

كما تم تأكيد حكم البراءة على تسعة وعشرين متهما، منهم فلسطيني وتنزاني، في الوقت الذي قررت المحكمة وقف النظر في استئنافات المدعي العام ضد تسعة متهمين محكوم عليهم غيابيا حتى ينقضي ميعاد معارضتهم في الحكم المستأنف أو يتم الفصل فيها.

وهكذا تنتهي أطول قضية في تاريخ قطر و أكثرها إثارة. فقد شهدت هذه القضية التي استمرت لمدة ثلاث سنوات، عقد اكثر من سبعين جلسة تم خلالها استدعاء اكثر من سبعين شاهد إثبات وشاهد نفي، كان من أبرزهم الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء والشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وزير الخارجية.

صدمة و انتقاد

شكلت الأحكام الجديدة صدمة لبعض المتهمين، الذين عبروا عن أملهم بصدور عفو أميري بشأنهم، لقلب صفحة سوداء في تاريخ قطر، لكن مصادر مطلعة أفادت بان مثل هذا الأمر سيظل مستبعدا بالنظر إلى خطورة التهم المنسوبة إليهم، وعلى الأخص لأن اغلبهم، وفقا للمنظور الرسمي، عسكريين تخابروا مع جهات أجنبية وعرضوا أمن البلاد للخطر بقوة السلاح.

ويفاخر القطريون بأنهم أحالوا قضية مثل هذه إلى محكمة مدنية مفتوحة، في حين كان بالإمكان إحالتها إلى محكمة عسكرية مغلقة.

ولا يخفى على المراقبين في هذا السياق، أن قطر حاولت بذلك الإيحاء بتحول عام في سياساتها الداخلية نحو مزيد من الانفتاح والعصرية وبالتالي استثمار هذا الحدث رغم خطورته في سياق السياسة التحديثية العامة، التي يسلكها نظام الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني منذ توليه السلطة في صيف سنة ستة وتسعين.

ولذلك بادرت السلطات القطرية باستدعاء ممثلين لمنظمات إنسانية لكي تشهد على هذا التحول في التعاطي القضائي وبالتالي السياسي، وبالفعل أشادت منظمة العفو الدولية في حينها بالأمر قبل أن تنقلب عليه بعد الحكم الأخير وتنتقد عدم اخذ المحكمة بعين الاعتبار، تعرض المتهمين للتعذيب حسب شكاويهم.

حدث جلل

على صعيد أخر، تتخذ الأحكام القضائية أبعادا كبيرة، خاصة وان تسعة عشر إعداما وعشرون مؤبدا في بلد لا يزيد تعداد سكانه الأصليين عن مائة وخمسين ألف نسمة، يعتبر أمرا جللا، ناهيك عن بعده القبلي والعشائري، وهي معطيات لا تهملها السياسة الخليجية الداخلية.

ولذلك فان كل الأوراق تحولت الآن إلي أيدي الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، الذي يعود له أمر الموافقة أو عدم الموافقة على تنفيذ الأحكام أو تخفيفها أو إلغائها في أي وقت يشاء وبدون اجل زمني محدد، مما يمكنه من ورقة سياسية أخرى غنمها من ذات المحاكمة.

وبما يعني أن بإمكانه إيصال رسالة الرحمة أو الحزم الشديد وفق ما يراه مناسبا لمزيد تركيز أسس نظام، وبما يعنيه ذلك من تحوله إلى مقصد أخير للعائلات التي تورط أبناؤها في القضية، وهي أيضا ورقة سياسية مهمة أصبحت بين يدي الأمير، ربما يرى فيها البعض الدرجة الثالثة في التقاضي، أي درجة التمييز أو التعقيب التي لا توجد في النظام القضائي القطري إلى حد الآن، رغم استيفاء الإجراءات لإقرار هذه الدرجة لاحقا ضمن إجراءات الإصلاح القضائي في قطر.

البعد الإقليمي

وعلى صعيد أخر، تحمل القضية بعدا إقليميا لا يراد التركيز عليه الآن في ظل استقرار العلاقات بين نظام الشيخ حمد وبعض دول الجوار التي ورد اسمها في القضية، وذلك رغم وجود مواطن سعودي محكوم عليه بالإعدام وسط القضية، ورغم وجود تهمة التخابر مع جهات أجنبية بما يؤكد البعد الإقليمي للقضية.

غير أن المسؤولين القطريين لا يودون الحديث حول هذا الأمر الآن (لاعتبارات الآمن القومي )، خصوصا بعد أن تم تطبيع العلاقات نهائيا بين النظام الجديد في قطر وبين الدول الخليجية التي توجست منه في البدايات، وبعد أن أخذت الدوحة حيزها الحيوي الجديد كاملا في منظومة مجلس التعاون الخليجي عبر جهود دبلوماسية نشطة، تم بذلها على مدى السنوات الخمس الماضية.

ولذلك، فان كثير من المراقبين يخرجون بالقضية الانقلابية من بعدها القانوني الصرف إلى بعد سياسي داخلي وإقليمي واضح ويعتقدون أن المثل العربي ( رب ضارة نافعة)، يصح في الحالة الماثلة.

فيصل البعطوط / الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية