مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المبادرات اليمنية .. هـل تُـثـمـر؟

Keystone

بعد أيام قليلة من زيارة مهمة إلى موسكو، تحول الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى باريس لإجراء مباحثات مع نظيره الفرنسي.

المتابعون للشأن اليمني يرون أن التحركات والمبادرات الأخيرة لصنعاء مثيرة للإهتمام وحرية بالنقاش والتشاور في ظل الإنسداد الخطير الذي تعرفه المنطقة.

بعد ساعات قليلة من عودة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح من زيارته إلى روسيا، أعلن رسميا عن اعتزامه القيام بزيارة مماثلة إلى فرنسا يوم الأربعاء الموافق 14 أبريل، فيما كانت حينه تجري مراسم استلام تسعة زوارق بحرية مقدمة لليمن من الولايات المتحدة كدعم لقدرات قوات خفر السواحل اليمنية في مكافحة الإرهاب.

ويأتي التحرك النشط للرئيس اليمني على المستوى الدولي ضمن جهود يبذلها اليمن على صعيد إصلاح النظام الإقليمي العربي ثم الدولي، حيث كانت اليمن تقدمت بمبادرة لإصلاح الجامعة العربية ثم لاحقا طرح مبادرة يمنية تتضمن مشروع أفكار لحل مشكلة الشرق الأوسط بما فيها حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمشكلة العراقية.

هذه المساعي والمبادرات اليمنية أثارت تساؤلات عدة لدى المحللين والمراقبين حول مدى قدرة هذا البلد على التأثير في السياسة الإقليمية والدولية، فيما هو لا يتوفر على القدرات والإمكانات التي تتيح له أن يلعب دورا فاعلا ومؤثرا في موازين السياسية الدولية.

وتسير الإجابات على مثل هذه التساؤلات في اتجاهين، اتجاه يعلي من قيمة المعايير التقليدية للتأثير في السياسة الدولية كالقوة العسكرية والاقتصادية لبلد ما، بما يسمح له بالتأثير في مجريات الأمور على الساحة الإقليمية والدولية، وآخر يُـعطي الأهمية لمعايير مختلفة أو نقيضة لسابقاتها مثل ضعف القدرات والإمكانات، وطبيعة العلاقات التاريخية والأهمية الإستراتيجية والجغرافية للبلد المعني في السياسية الدولية.

عـلاقـات متوازنة مع الجميع

وعلى ما يبدو، تستند السياسة اليمنية والتحركات والمبادرات التي تطرحها دبلوماسيتها وتُـجسدها زيارات الرئيس صالح المختلفة على مقاربة الاتجاه الثاني طبقا لما يذهب إليه بعض المحللين والمراقبين للشأن اليمني.

ويحتج أصحاب هذا الراي بأن السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية لم ترتكز على القوه المالية والاقتصادية والعسكرية للبلاد، وإنما على مكامن ضعف هذه المعطيات، والإحالة دوما على ماضي وتاريخ علاقاتها الخارجية.

وقد بدا ذلك واضحا من خلال التذكير المستمر بماضي العلاقات اليمنية الروسية خلال زيارة الرئيس اليمني الأخيرة إلى موسكو، فضلا عن استحضار أهمية البعد الجغرافي لليمن، الذي بدأ يسترد أهميته النسبية منذ انطلاق ما يسمى بالحملة الدولية لمكافحة الإرهاب عقب تفجيرات 11 سبتمبر 2001.

وانطلاقا من تلك المرتكزات، يبدو لعدد من المراقبين والمحللين أن اليمن، الذي يُـعاب عليه محدودية قدراته وإمكانياته، يسعى إلى تحويل تلك النقائص إلى حوافز دافعة للتأثير.

وحسب هذا الرأي، فإن محدودية القدرات وضعف الإمكانات جعل اليمن يسعى، على الدوام، إلى إقامة علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الدولية، يتصيد رضـى مختلف الفاعلين الدوليين والإقليميين بغية التمكن من مساعدته على النهوض بالتنمية.

لذلك استثمرت صنعاء في حقبة الحرب الباردة سياسة الاستقطاب الدولي بفعل موقعها الجغرافي الذي كان مسرحا للتنافسية القطبية خلال تلك المرحلة. إذ كان اليمن يحتفظ بعلاقات جيدة مع المعسكرين الشرقي والغربي، لاسيما القطبين الرئيسيين فيه الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، ومع دول أوروبا الغربية، تجاوز بعضها نصف قرن من الزمن.

زخم جديد للعلاقة مع موسكو

وتعتبر روسيا شريكا تقليديا لليمن منذ قيام الاتحاد السوفياتي، إذ تعود العلاقة بين البلدين إلى عام 1928 عندما وقعت المملكة المتوكلة اليمنية آنذاك، معاهدة للصداقة والتعاون التجاري بين البلدين، وتعززت خطوات التعاون بين الجانبين منذ ذلك الحين في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية بشكل كبير.

وكان للاتحاد السوفياتي دورا كبيرا في دعم مشاريع التنمية اليمنية، خاصة بعد قيام الجمهورية العربية اليمنية في شمال البلاد عام 1962 واستقلال الجنوب اليمني عام 1967. فقد كان لموسكو دور بارز في إقامة البنى التحتية من مدارس وطرقات وموانيء، وبلغ إجمالي الاتفاقيات المبرمة بين الجانبيين إلى حدود عام 1991 (أي عند تفكك الاتحاد السوفيتي) اثنان وتسعون (92) اتفاقية وبروتوكول، كما ظل اليمن يعتمد في تسليحه العسكري بدرجة رئيسية على المنتجات الروسية حتى يومنا هذا.

ومع أن مجالات التعاون بين البلدين قد تراجعت بشكل ملحوظ على المستوىين التجاري والاقتصادي، إلا أن اليمن يظل زبونا مهما للصادرات الروسية من الأسلحة وقطع غيارها.

وتتعدد المؤشرات على احتمال استعادة العلاقة بين الجانبين لزخمها بفعل بعض المعطيات المستجدة، منها إلغاء روسيا لما نسبته 93.7% من المديونية الخارجية الروسية في إطار “نادي باريس”، عقب انضمامها إليه مباشرة وبذلك انخفضت المديونية الخارجية اليمنية المستحقة لروسيا من 6.6 مليار دولار عام 1987 إلى 1.3 مليار دولار عام 1988، في ظل استمرار التعاون العسكري والعلمي والثقافي بين البلدين.

لاعب في مضمار العلاقات الدولية؟

في نفس هذا السياق، يذهب البعض إلى أن اليمن أصبح يلعب دورا بارزا في مكافحة الإرهاب، مثلما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه الأخير بالرئيس اليمني في موسكو الذي ثمن عاليا الجهود اليمنية في مكافحة الإرهاب.

وإذا ما أضيف إلى ذلك أن روسيا تسعى لتعزيز مواقعها في سوق الأسلحة الدولي، حيث احتلت في عام 2002 المرتبة الثانية وراء الولايات المتحدة ضمن البلدان المصدرة للأسلحة، وسعيها إلى الإحتفاظ بقدر من الإستقلالية عن توجهات واشنطن وللإنفتاح على العالم العربي والإسلامي (حيث سبق أن تقدم الرئيس الروسي بطلب التحاق بلاده بمنظمة المؤتمر الإسلامي كعضو مراقب)، يُسارع البعض إلى القول بأن هذه المعطيات قد تعني عودة التنافسية الدولية (أو الإستقطاب العالمي) على خلفية الرغبة العارمة للولايات المتحدة في لعب دور شرطي العالم.

ووفقا للتصور اليمني، كما تجسده تحركات قيادته الأخيرة، تبدو المعطيات والمستجدات كافية لأن يكون لاعبا في مضمار العلاقات الدولية من خلال الظهور بمظهر المبادر إلى إصلاح الشأن العربي، واقتراح الحلول لتسوية مشكلة الشرق الأوسط مستفيدا من علاقاته المتعددة مع مختلف الأطراف الدولية.

ومن تلك المستجدات، شراكته في مجال مكافحة الإرهاب، لاسيما مع الولايات المتحدة التي بدأت تسترد مكانتها في دعم اليمن منذ تدشين حملتها على الإرهاب، بعد أن كانت مؤشرات التعاون قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها عندما أوقفت مساعدتها المقدمة لليمن عقب اجتياح العراق للكويت في صيف عام 1990.

تحركات مثيرة للإهتمام

كما أن زيارة الرئيس اليمني الموالية لباريس صبت في هذا السياق، حيث سعت للبحث عن مساندة دولية للمبادرة اليمنية، على أمل أن تجد الصدى الذي تستحقه في بلورة مشروع رؤية يلتقي عليها مختلف الفاعلين الدوليين والخروج من المأزق الحالي الذي وصلت إليه عملية السلام في المنطقة والأوضاع في العراق.

ويعتقد المراقبون أن التحركات اليمنية، سواء أثمرت أم لم تثمر نتائجها المأمولة، فإنها على الأقل حركت المياه الراكدة، وستخلف انطباعا لدى العديد من الأوساط بأن هذا البلد على محدودية إمكاناته وضعف قدراته، سجل موقفا وبادر إلى أن يكون فاعلا نشطا في تطرقه لملفات معقدة وشائكة، وطرح أفكارا حرية بالمناقشة، خاصة في ظرفية تتسم بالإنسداد منذ تداعيات أحداث 11 سبتمبر واحتلال العراق.

والملفت أن هذه التحركات لم تقتصر على تداول القضايا العالقة، بل شملت جانبا كبيرا من علاقات التعاون الثنائي، كما كان الشأن خلال زيارة الرئيس اليمني إلى موسكو.

فقد حظي ملف التعاون العسكري والاستثمار في قطاع النفط بالنصيب الأكبر من مباحثات الجانبين، ومن المحتمل أن يحظى قطاع الغاز بقدر مماثل من الاهتمام في باريس، نظرا لأن شركة “توتال” الفرنسية تستثمر في هذا القطاع في اليمن منذ أربع سنوات، ولم تحقق نتائج تذكر رغم ما يتوفر عليه اليمن من مخزون احتياطي من الغاز الطبيعي يقدر بحوالي 15 مليار متر مكعب.

إجمالا، يخلص المتابعون إلى القول إن تحركات ومبادرات اليمن تبقى جريئة ومثيرة للاهتمام وحرية بالنقاش والتشاور بشأنها، لاسيما في الظروف الحالية التي جمدت فيها جل المبادرات السابقة ودخلت مرحلة من انسداد الآفاق منذ تعثر عملية السلام واستمرار المسلسل اليومي لإبادة الشعب الفلسطيني، واحتلال أمريكا للعراق وتردي الأوضاع فيه.

عبد الكريم سـلام – صنعاء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية