مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المشرق يُعاود اكتشاف المغرب العربي

يزداد إقبال المستثمرين الخليجيين وخاصة من دولة الإمارات العربية المتحدة على الإستثمار في بلدان المغرب العربي none

تطلق قناة "الجزيرة" في منتصف الشهر الجاري نشرة أنباء يومية خاصة بالمغرب العربي، فيما تفتح قناة "أل بي سي" اللبنانية مكتبا في تونس يغطي شمال إفريقيا.

وتأتي الخطوتان في وقت دشّـنت فيه شركات الطيران الخليجية أخيرا رحلات بوَتيرة يومية إلى العواصم المغاربية، بينما كثفت شركات من دُبي استثماراتها في المنطقة على نحو غير مسبوق.

من المتوقع أن يزور حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تونس قريبا، لتكريس هذا الاهتمام المتزايد بالمغرب العربي. ومع التركيز على المنطقة، استثماريا وإعلاميا، بدا المشهد كما لو أن المشرق يُـعاود اكتشاف المغرب ويعتبره نوعا من “الإلدورادو” الثقافي والاقتصادي الجديد.

على ضفاف البحيرة الجنوبية للعاصمة تونس، ارتفعت في زمن قياسي بناية بيضاء فخمة ذات واجهات مُـزركشة، وهي مبنية على طراز العمارة التقليدية في الإمارات، لكنها وحيدة وسط الضفاف المترامية، إنها المقر المحلي الجديد لـ “مجموعة دُبي القابضة”، التي ستتولى تطهير بُـحيرة تونس الجنوبية واستصلاحها، تمهيدا لاستثمارها في أكبر عملية عقارية، منذ استصلاح مجموعة “دله البركة” السعودية ضفاف البحيرة الشمالية في الثمانينات.

ولفت انتباه المراقبين أن رئيس مجموعة دُبي القابضة محمد القرقاوي، الذي زار تونس مؤخرا، دُعي لحضور اجتماع مصغَّـر لمجلس الوزراء، قدّم خلاله عرضا عن المشروع الذي تعتزم المجموعة تنفيذه في البُـحيرة الجنوبية لإقامة مدينة سكنية، تستوعب أكثر من 400 ألف ساكن، وكانت تلك المرة الأولى التي يشارك فيها مستثمر من الخارج في مجلس وزاري مصغر يُخصص للاستماع إلى مشاريعه في حضور وزراء رئيسيين.

ويشغل القرقاوي في الوقت نفسه منصب وزير الدولة المكلف بشؤون مجلس الوزراء في الإمارات، حيث يتداخل القطاع الخاص الأسَـري مع مؤسسات الدولة، ويتمثل المشروع الضخم في إنشاء موانئ ترفيهية في خليج تونس على أنقاض الميناء التجاري الذي أغلق في السنوات الأخيرة، بالإضافة لمجمّـع للأعمال وأحْـياء سكنية ومُـجمعات تجارية ورياضية وصناعات خفيفة غير مُـلوثة.

“هجوم إماراتي”

وإذا ما أخذنا تونس مثالا للبلدان المغاربية، فإن الاستثمارات الإماراتية فيها تنامت بنسق متسارع في السنتين الأخيرتين وتوسّـعت لتشمل الاتصالات والسياحة والخدمات والعقار، على نحو جعل مجموعة إماراتية تحتل الرُّتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلد.

وفازت مجموعة “تي كوم ديج”، المتفرعة من “مجموعة دُبي للاستثمار” في مارس الماضي، بالعطاء الذي طرحته “اتصالات تونس” لبيع 35% من أسهُـمها، مما درّ على خزانة الدولة التونسية نحو 3 بلايين دينار (2.25 بليوني دولار)، وشكّـل استثمار “دبي القابضة” في “اتصالات تونس” جزءاً من إستراتيجيتها العامة لعقد صفقات مهمة ضمن قطاع الاتصالات في شمال إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.

وانعكست العملية زيادة في نمو الاستثمارات الخارجية في تونس خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية، بلغت نسبتها 620%، قياسا على الفترة نفسها من العام الماضي.

وأوضح المدير التنفيذي لمجموعة “تي كوم ديج” أحمد بن بيَات لسويس أنفو، أن شراء قسم من رأس مال “اتصالات تونس” يندرج في إطار خُـطة وضعتها المجموعة لتعزيز حضورها في المغرب العربي.

من جهة أخرى، تعهّـدت مجموعة “إعمار” الإماراتية إنجاز محطة سياحية جديدة على الساحل المتوسطي في مدينة هرقلة (140 كيلومتر جنوب العاصمة تونس) باستثمارات قُدرت بـ 1.88 بليون دولار، ويتألف المشروع من ميناء لاستقبال اليخوت وملعب غولف ووحدات فندقية وسكنية قادرة على استيعاب 30 ألف سرير.

وفي سياق متصل، أعلن رئيس مجموعة “بوخاطر” الإماراتية محمد بوخاطر خلال زيارة لتونس أخيرا، أن مجموعته تعتزم إقامة مدينة رياضية مساحتها 250 هكتار على ضفاف بحيرة تونس، تتألف من 9 كُـليات رياضية و3 نواد للغولف وكرة المضرب والرياضات البحرية، بالإضافة لمُـنشآت إدارية وتجارية وسياحية.

وتشمل المدينة، التي تقدر استثماراتها بـ 5 بلايين دولار، إنشاء 10000 مسكن، وشرح لطفي الزار، مدير المشاريع في مجموعة “بوخاطر” لسويس أنفو، أن الأمر يتعلق “بمشروع مندمج، يستثمر ميزات تونس الطبيعية”، وتوقع أن يؤمّـن 40 ألف فرصة عمل في بلد يُـجابه أزمة بطالة حادة، وخاصة في صفوف خريجي الجامعات.

واعتمدت المجموعة على مهندسين معماريين تونسيين لإعداد أمثلة الوحدات السكنية، لكنها تعاقدت مع مجموعة إسبانية لإنجاز الوحدات الرياضية ومع شركات سويسرية لإقامة ملاعب الغولف.

وأشار الزار إلى أنه من أهم مُـكوّنات المشروع “أكاديمية كرة القدم، التي تشمل إقامة ملعب يتسع لـ 20 ألف متفرج، إضافة لقاعة مغطاة متعددة الاختصاصات، تتسع لخمسة آلاف متفرج، وهو ما يعني إنشاء مدينة رياضية ثانية في شمال العاصمة تونس، رديفة لمدينة رادس الرياضية التي أقيمت في الضاحية الجنوبية بمناسبة استضافة تونس الألعاب المتوسطية في سنة 2004.

ويُتوقع أن يستغرق إنجاز المدينة الجديدة، التي ينطلق العمل في إقامتها خلال الأشهر الأولى من العام المقبل، بين خمسة وستة أعوام.

وفي رأي محلل اقتصادي، أن تونس بدأت تحتَـل الموقع الذي كانت تتمتع به المغرب على أيام الرئيس الراحل لدولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان شغُـوفا بالمغرب الأقصى وكثير التردّد عليه.

رحلات لربط المغرب بالمشرق

لكن، لم يقتصر الاهتمام الإماراتي، والخليجي عموما، على الاستثمار، بل امتد أيضا إلى الرحلات الجوية، إذ افتتحت “القطرية” في السنة الماضية خطا مباشرا إلى تونس، اشتمل على خمس رحلات أسبوعية.

ولم تلبث “الإماراتية” أن اقتفت أثرها، ناسجة على المنوال نفسه، إذ دشّـنت منذ أيام خطّـا مباشرا، يشمل خمس رحلات أسبوعية بين تونس ودُبي، على أمل الاستجابة لطلبات رجال الأعمال واستقطاب السياح الإماراتيين إلى تونس.

ويمكن القول أن استثمارات إمارة دُبي تحديدا، تتوسع في تونس بوتيرة أعلى من الاستثمارات السعودية على سبيل المثال، التي أبصرت تراجعا في السنتين الأخيرتين جسّـده ميل عدد من المستثمرين لتصفية مشاريعهم في البلد، وتحوّلهم إلى المغرب والجزائر.

غير أن الكويتيين والبحرينيين أظهروا في الوقت نفسه اهتماما بالاستمرار في الاستثمار مغاربيا. فمجموعة “الكويت القابضة – كيبكو” (مركزها في البحرين)، أنشأت مؤخرا شركة للاستثمار في شمال إفريقيا، برأس مال تجاوز 100 مليون دولار، ستركّـز نشاطها على ثلاثة بلدان، هي المغرب والجزائر وتونس.

كما أن بنك الخليج المتّـحد (الكويتي البحريني)، يخطط لتوسيع نشاطه في المنطقة بعد نجاح تجربة إنشاء مصرفين غير مُـقيمين في تونس (بنك تونس العالمي) والجزائر (بنك الجزائر والخليج)، اللذين حققا فوائد قياسية في العام الماضي، وهو يتّـجه لفتح مكتب في العاصمة الليبية طرابلس قريبا كفرع لبنك تونس العالمي.

ولوحظ أن الجزائر باتت تستقطب أعدادا متزايدة من المجموعات الاستثمارية الخليجية منذ اعتمادها اقتصاد السوق وإطلاق مسار الخوصصة، الذي يشُـد اهتمام رجال أعمال وشركات كبيرة من المشرق، آخرها مجموعة MBIالتي تشتمل على عدة شركات فندقية وسياحية على ملك الشيخ محمد بن عيسى الجابر، والذي زار الجزائر أخيرا لدراسة مشاريع استثمارية، خصوصا في مجال الخوصصة.

ولا يكاد يمر يوم من دون أن تحمل الأنباء زيارة لرئيس مجموعة أو رجل أعمال خليجي كبير إلى أحد البلدان المغاربية.

واللافت، أن آخر الإحصاءات أظهرت أن نصف الاستثمارات الخارجية التي استقطبها البلد (خارج قطاع النفط)، أتت من بلدان عربية، مثلما ورد في دراسة أعدّها المكتب البريطاني المتخصص “أكسفورد بيزنس”.

وأفادت الدراسة أن مصادر الاستثمارات العربية ثلاثة أساسا، وهي السعودية والكويت ومصر، وتتجه إلى قطاع الاتصالات والبناء والعقار والسياحة، كما أن مجموعة “إعمار” الإماراتية (مرة أخرى) قدّمت مشروعا ضخما للسلطات الجزائرية لإقامة مشروع لتهيئة خليج الجزائر العاصمة واستثماره عقاريا بقيمة 25 بليون دولار.

إعلام وثقافة

والثابت، أن عملية “الانتشار الاستثماري” الخليجي في المغرب العربي لا تخضع فقط إلى منطق البحث عن مشاريع مجدية، وإنما تعكس أيضا تحسّن صورة المغرب في مخيل المشرق.

ومن المؤشرات الدالة على هذا التطور، التعاطي الإعلامي الجديد مع المنطقة، بعد قرار تخصيص حيّـز إخباري مستقل لها في قنوات تليفزيونية عربية، أبرزها قناة “الجزيرة”، التي أعلن مدير شبكتها وضاح خنفر أنها ستبث نشرة أخبار يومية تستمر ساعة من مكتب القناة في الرباط، اعتبارا من السابع عشر نوفمبر الجاري، وقناة “أل بي سي” اللبنانية التي تفتتح قريبا مكتبا في تونس لتوثيق علاقاتها مع المشاهدين في المغرب العربي.

وعلى رغم الخصومة السخنة التي اندلعت مؤخرا بين “الجزيرة” والحكومة التونسية، والتي قادت إلى استدعاء السفير التونسي من الدوحة وإقفال السفارة التونسية في قطر، فإن ذلك لم يؤثر في نسق تناول القناة وغيرها من القنوات المشرقية، الشؤون المغاربية مع ما يعنيه ذلك من حرص على ملاحقة التطورات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

ويظهر الحرص نفسه، في الحقل الثقافي، فما من رجل مُموّل للنشاط الثقافي في بلدان الخليج (حيث يلعب القطاع الخاص دورا أساسيا في تنشيط الحياة الأدبية)، إلا وخصص حيّـزا مهما للمغاربيين على غرار “مؤسسة البابطين” الكويتية الخاصة، التي عقدت دورات عدّة لملتقياتها الشعرية في مدن مغاربية، وأشركت شعراء ونقادا في هيئاتها ولجانها، كما أن “منتدى الفكر العربي”، الذي أطلقه الأمير السعودي خالد الفيصل، خصّص مركزا مهما للنخبة المغاربية، إن في هيئاته أو في نشاطاته ومجلته.

قصارى القول، أن ما أخفقت السياسة في نسجه من جسور بين المشرق والمغرب، يحاول القطاع الخاص ترميمه، اقتصاديا وإعلاميا وثقافيا، على اعتبار أن الوشائج كانت أمتن في القرون الماضية، بل حتى في عقود الليل الاستعماري، وهي تحتاج اليوم إلى حملة “إعادة إعمار” في أكثر من حقل، لكن يبدو أن هذا الأمر ليس على جدول أعمال الحكومات، أقله في الأمد المنظور.

تونس – رشيد خشانة

باتت تونس خلال السنوات الأخيرة، وجهة مهمة لدى المستثمرين الخليجيين الذين عرفت استثماراتهم تدفقا لا سابق له، سيما في قطاعات الخدمات والسياحة والمصارف والاتصالات.

وأفادت بيانات حكومية، أن حجم رؤوس الأموال الخليجية التي تدفقت على تونس في غضون السنوات القليلة الماضية، فاق المائتي مليون دينار تونسي «الدولار يساوي 1,335 دينار تونسي» في عام 2005، فيما كانت هذه النسبة في حدود 97 مليون دينار خلال عام 2001، وهو ما يعني أن الاستثمارات الخليجية في تونس، زادت نسبتها بنحو 53% خلال السنوات الخمس المنقضية.

وعُلم من مصادر حكومية تونسية، أن قطر تدرس مشروعات استثمارية ضخمة في قطاعات الطاقة والصناعات الثقيلة، من المنتظر الشروع فيها في غضون المدة القليلة القادمة، باستثمارات لم يكشف عن حجمها، لكن معلومات موثوقة، تفيد بأن رقم هذه الاستثمارات سيكون مرتفعا وغير مسبوق أيضا.

وفاقت المشاركة العربية في الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الخدمات وبشكل كبير العام الماضي، مشاركة الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت 144 مليون دينار «ما يزيد على مائة مليون دولار» مقابل 87.5 مليون دينار «أكثر من 60 مليون دولار» للاستثمارات الأوروبية، وذلك على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي، يعد الشريك التقليدي الاقتصادي والمالي الرئيسي لتونس، إذ يستعد الطرفان لإنشاء منطقة تبادل حر في عام 2008 بموجب اتفاقية الشراكة الموقعة بينهما منذ سنة 1995.

(المصدر: “أخبار تونس” بتاريخ 2 أكتوبر 2006)

يتوقع ان تبلغ الاستثمارات الإماراتية في المغرب نحو 16.4 بليون دولار، على مدى السنوات العشر المقبلة، منها 4.5 بليون دولار لمشاريع قيد التنفيذ، خصوصاً في قطاعات السياحة والفنادق والعقارات, ومشاريع أخرى في الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة.

ودعت الحكومة المغربية رجال الأعمال العرب إلى المشاركة في برامج تخصيص بعض القطاعات الاقتصادية، مثل وكالات توزيع الماء والكهرباء, ومكاتب الفوسفات والشاي والبريد وسكة الحديد وخدمات الموانئ والمطارات وغيرها.

ومن المقرر إطلاق المرحلة الثانية من برنامج التخصيص في وقت لاحق، بعد إعداد الشركات العامة، وتنقية دفاترها الحسابية لجعلها اكثر مردودية. وسيكون قطاع البريد ونقل الأموال في مقدم المؤسسات العامة التي ستخصص قريباً.

وكانت الإمارات من أوائل المستثمرين في برامج التخصيص المغربية، في مطلع تسعينات القرن الماضي، عندما اشترت مجموعة «ايوا»، التي يملكها سعيد العتيبة، غالبية الفنادق المملوكة من شركة الخطوط الجوية الملكية، وحولتها إلى مجموعة شيراتون المغربية.

كما استثمر الإماراتيون في قطاعات المصارف والإعلام والاتصالات والسياحة والعقار، بالتعاون مع مجموعة «اونا»، الحليف الإستراتيجي للاستثمارات العربية في المغرب، اذ يساهم الطرف العربي بنحو 10 في المئة من رأسمالها.

(المصدر: وكالة الأنباء العقارية في 1 أبريل 2006)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية