مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المغرب: كارثة القرن الحادي والعشرين

مشهد عام لحي سيدي مومن في ضواحي مدينة الدار البيضاء، العاصمة الإقتصادية للمغرب (تاريخ الصورة: 9 أبريل 2004)

قبل أن تدخل التقارير حول قضية وفاة أطفال نهاية العام الماضي في منطقة الأطلس المتوسط (وسط البلاد) إلى الصفحات الداخلية للصحف المغربية، وجدت السلطات نفسها خلال الأيام الأولى من العام الجاري أمام كارثة أطفال شفشاون (شمال البلاد).

والكارثتان تكشفان عن مآس يعيشها ما يُـعرف بالمغرب “غير النافع” وما يحتاجه مغرب القرن الحادي والعشرون من ورشات ومشاريع تنموية، لتلحق الكثير من مناطقه عصر الحداثة الاجتماعية.

الكارثة الأولى ضربت دوار انفكو بإقليم خنيفرة وسط البلاد، حيث الثلوج تُـغطِّي المنطقة لأكثر من خمسة أشهر في السنة وتكون فيها شبه معزولة عن العالم. يعيش الناس خلالها على ما تملكه المنطقة من إمكانيات، هي بالضرورة بالنسبة للبسطاء منهم قليلة، وحسب تقارير مغربية، فإن علف الماشية حين تشتد العزلة، يتحوّل في كثير من الأحيان إلى وجبة للبشر.

وإذا كان هذا حال المنطقة، فإن كارثة دوار انفكو أتت من الوفيات المفاجئة للأطفال نهاية العام الماضي واستمرارها حتى الأسبوع الثاني من السنة الجديدة، ليتجاوز عدد الوفيات 30 طفلا، تضاربت التقارير حول أسبابها.

وفي مدشر بني رزين بإقليم شفشاون، لقي عدد من الأطفال حتفهم لإصابتهم بمرض “المينانجيت” أو داء السحايا، وهو وباء يظهر حيث تلوث البيئة والمستنقعات المائية الموبوءة، ومن المفروض أنه تم القضاء عليه كغيره من الأوبئة التي كانت تُـصيب أطفال بعض المناطق قبل أن تتوفر التلقيحات الواقية.

والدوار أو المدشر، تعبير مغربي للحي المهمّـش، حيث يقطن الفقراء في ظروف صعبة، اقتصاديا واجتماعيا، وإذا كان الدوار قريبا من المدن أكثر حظا للتواصل مع ما يعرفه العالم من تطور حضاري وتقني، فإن دواوير المناطق النائية، تعيش في قرون سابقة كثيرا على القرن الحادي والعشرين.

تناقضات ومفارقات

وفي عام 2003، اذكر أني، رِفقة مسؤول مغربي كبير، زرت مدينة إميلشيل، التي تقع بنفس منطقة دوار انفكو، وهي مدينة وليست دوارا، وتُـعرف بموسم الخطوبة السنوي الذي تضعه وزارة السياحة المغربية على خارطة المهرجانات السياحية. بقينا في المدينة 24 ساعة، كنا خلالها خارج دائرة الاتصال بالعالم الخارجي ولا يربطنا أي رابط، باستثناء السيارة، بكل ما تعرفه البشرية من تطور تقني. فلا كهرباء بالمدينة ولا شبكة اتصال هاتفي، ثابت أو محمول.

مأساة دوار انفكو ومدشر بني رزين، ليس فقط بسبب الحجم الكبير نسبيا للأطفال الذين لقوا حتفهم في وقت قصير، لكن في تعاطي السلطات الرسمية وبطء ردّ فعلها على هذه المآسي وعدم التقدير منذ اللحظات الأولى التي أبلغت فيها بما يجري لمخاطره وتطوره.

وباستثناء توافد متقطِّـع لأطباء وما حملوه من أدوية، فإن السلطات بقيت عاجزة عن المبادرة أو على الأقل تقليص حجم الضحايا. وإذا كانت التقارير الصحفية صحيحة حول منع السلطات أية جهات حكومية أو شعبية من تقديم أي مساعدة للضحايا والمنطقة إلى أن يصل ملك البلاد، تكون مشاهد المأساة أكثر إيلاما، لأنها تذكر المواطنين المغاربة بضحايا مأساة زلزال الحُـسيمة عام 2004.

وبالتأكيد، أن الملك محمد السادس قد ورث عن والده مغربا مليئا بالتناقضات والمفارقات، من حيث العلاقة مع التقدم الإنساني، فالمدن فيما يُـعرف بالمغرب النافع والأحياء الراقية فيها، كانت تعيش بأسلوب ونمط ومظاهر الأحياء الراقية في المدن الأوروبية، فيما تعيش الدواوير أو الاحياء الفقيرة والمهمَّـشة أو لا تقل سوءا عن أحياء الفقراء في عدد من الدول التي توضع عادة في المراتب الأخيرة في لائحة الدول المتخلفة.

عندما يتحول الوضع السياسي إلى عائق!!

وخلال شهر رمضان الماضي، توقّـفت أثناء جولة في ضواحي مدينة الرباط بحي عكاشة، وهو الحي الذي يحتضن مكبّ نِـفايات العاصمة، وكان ولا زال صعبا عليّ حتى هذه اللحظة أن أصدِّق أن هناك بشرا يعيشون في تلك الظروف البيئية المليئة بالأوبئة والأمراض.

ومغرب محمد السادس، يحاول أن يدفع بالبلاد نحو آفاق جديدة، إن كان بعدم إهمال منطقة لصالح منطقة أخرى أو إيلاء اهتمام للفقراء وقضاياهم ومحاولة التخفيف من ظروفهم الصعبة، ولو من خلال العمل الخيري والاجتماعي.

لكن هذه المحاولات لا زالت تصطَـدم بوضع سياسي يُـعرقل ويؤخِّـر الطموحات بأن تكون مشاريع التنمية شاملة ومتكاملة، وأبرز مظاهر هذا الوضع السياسي، أن البلاد، ومنذ تولي الأحزاب الديمقراطية المغربية تدبير الشأن العام، افتقدت لمعارضة حقيقية وبنّـاءة، تثير القضايا وتطرح الأسئلة بحدّة وشدّة، إن كان في المؤسسات أو في التحركات الاجتماعية ومظاهرات الاحتجاج، لتفتح أعيُـن السلطة وتنبه الحكومة بعد أن أصبحت الأحزاب الديمقراطية واقعة بين احترام مشاركتها بتدبير الشأن العام، وما تعرفه من أوضاع تعيشها البلاد أو بعض مناطقها.

والمعارضة المغربية، إذا كانت داخل اللُّـعبة السياسية، فإنها كلها إفرازات للسّـلطة (حين كانت هذه الأخيرة تُـمحور اهتمامها في محاربة المعارضة وتمييع الفعل السياسي والحزبي المغربي) أو أنها داخل اللُّـعبة السياسية، لكنها حديثة العهد باللُّـعبة ولها حِـساباتها، فليست قادرة على فتح الملفات العميقة وكيفية جعل تحرّكها مؤثرا ويدفع بصانع القرار للتّـعاطي مع ما تفتحه من ملفات.

وإلى جانب هذه المعارضة، تحضر الأحزاب المشاركة بالمشهد السياسي، دون أن تشارك باللعبة السياسية، وهي أحزاب أو جماعات دينية شِـبه محظورة أو أحزاب يسارية تحمل أفكارا وطموحات وشعارات العُـقود المتأجِّـجة بالنضال الثوري ضد الرجعية والإقطاع والرأسمالية والاستعمار.

وفي الوقت الحاضر، يتولّـى فتح الملفات وإثارة القضايا في مغرب محمد السادس، كل من منظمات المجتمع المدني والصحف المستقلة، ولهذه دور مُـهم، لكنه يبقى دورا لا تكتمِـل فاعليته بدون فاعلين سياسيين مؤثرين في اللّـعبة، سواء كانوا في موقع المعارضة أو في موقع المشاركين بتدبير الشأن العام، ليتبنّـوا هذه القضايا ويُـطوِّروا ملفاتها وتصبح مِـحور اهتمام صانع القرار على كل المستويات، ثم لتُـصاغ الأفكار وتتحوّل إلى مشاريع وخطط.

محمود معروف – الرباط

وافق مجلس إدارة البنك الدولي يوم 14 ديسمبر 2006 على تقديم قرضٍ بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي لدعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب. يأتي المشروع في إطار الالتزام الوطني نحو خفض الفقر الذي عبر عنه الإعلان الملكي عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مايو 18من عام 2005.

وتستهدف المبادرة حوالي 250 من المجتمعات الحضرية و400 من المجتمعات الريفية من ضمن المجتمعات الأكثر فقرا وتهميشا وذلك من خلال استثمارات عامة مدرة للدخل في قطاعات عدة بالإضافة إلي مكون يركز علي فئات المجتمع الأكثر عرضة للمخاطر.

وجدير بالذكر أنه علي مدار العقد الماضي أحرزت المغرب تقدما ملحوظا في نسب الالتحاق بالتعليم الأساسي وسد الفجوة النوعية و الفجوة بين الريف و الحضر، إلا إنه لازالت نسبة 15% من السكان تعيش تحت ظروف الفقر ويمكن اعتبار نسبة 25% من إجمالي السكان معرضين للمخاطر الاقتصادية.

ويعيش حاليا 60% من نسبة الفقراء في المناطق الريفية في الوقت الذي تتزايد فيه نسبة الفقر في الحضر وتجدر الإشارة إلي أن مظاهر الفقر تختلف بين الريف و الحضر حيث تزيد نسبة الأمية بين الأطفال و الكبار في المناطق الريفية بينما يعاني الفقراء في الحضر من ارتفاع نسبة البطالة، محدودية الفرص الاقتصادية و ضعف الخدمات الأساسية، وتعاني بعض الفئات أكثر من غيرها من نقص الخدمات و تتضمن تلك الفئات النساء اللاتي تعشن تحت ظروف صعبة، الأطفال بلا مأوي، المسنين، وذوي الإعاقة.

ويهدف مشروع البنك الدولي إلي دعم المبادرة من خلال منهج مختلف لمكافحة الفقر يعتمد علي دور المجتمع ويستهدف القطاعات اللازمة لتلبية احتياجات الفقراء في الريف والحضر. وسوف يدعم المشروع دور القيادات المحلية من خلال تبني مبادئ الحكم الجيد وتنمية القدرة المؤسسية. كما يهدف المشروع إلي دعم توصيل الخدمات الاجتماعية و الاقتصادية من خلال المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. ويعتمد المشروع علي نتائج تقرير الفقر في المغرب وذلك لتحقيق نتائج أكثر ملموسة في استهداف الفقراء وفقا للمعايير الجغرافية.

وجدير بالذكر أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تحظي برعاية جلالة الملك محمد السادس و تقع تحت إشراف معالي رئيس الوزراء وتتولي تنفيذها وزارة الداخلية بدعم من ثلاث وزارات هي التنمية الاجتماعية، التنمية الريفية، و المالية.

ويعد مشروع دعم المبادرة الذي يموله البنك الدولي احدي البرامج الرئيسية في مجالات الدعم الواردة في الاستراتيجية القطرية للمغرب (2005-2009) والتي تهدف إلي تحسين مستوي المعيشة والفرص الاقتصادية للفقراء والفئات المعرضة للخطر في المناطق الريفية والحضرية. كما يساهم المشروع في ترويج مبادئ الحكم الجيد مثل الشفافية والمساءلة والتضمين وهي نفس المبادئ التي تعتمد عليها المبادرة الوطنية.

(المصدر: البنك الدولي بتاريخ 14 ديسمبر 2006)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية