مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المنطقة على شفير حريق إقليمي؟

تصعيد جديد في الجنوب اللبناني في انتظار ما ستحرزه مهمة باول Keystone

علمت "سويس أنفو" ان الحكومة اللبنانية تلقت تقارير تفيد ان وزير الخارجية الامريكي كولن باول، الذي بدأ هذا الاسبوع جولة وصفت بانها "مصيرية" في الشرق الاوسط، سيكرّس جزءا مهما من وقته لنزع فتيل الوضع المتفجر في جنوب لبنان.

جاء ذلك في وقت تلقى فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اللبنانيان أميل لحود ورفيق الحريري يومي الاحد والاثنين ثلاثة تهديدات مباشرة من اسرائيل بأن “صبرها بدأ ينفذ” وانها قد توجه ضربات قاسية جدا الى كل من لبنان وسوريا معا”، ما لم يتوقف التصعيد على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية.

وقد نقل هذه التهديدات، التي قالت مصادر رسمية لبنانية انها “كانت اشبه برسائل مشبعة برائحة الدم” ، كل من السفير الامريكي لدى لبنان فنسنت باتل، والممثل الشخصي للامين العام للامم المتحدة ستيفان دوميستورا المتواجد حاليا في بيروت، هذا اضافة الى الامين العام للمنظمة الدولية كوفي انان نفسه الذي استخدم الهاتف لنقل الرسائل الاسرائيلية.

وأشارت المصادر الى ان وزير الخارجية كولن باول بدأ يشعر بالقلق الشديد من احتمال خروج الوضع في جنوب لبنان عن السيطرة، الامر الذي قد ينسف جوهر مبادرة بوش التي يحملها الاول الى الشرق الاوسط. ولذا فانه كلف مساعديه التحّرك بسرعة مع الاطراف المعنية في الشرق الاوسط، خاصة مع الحكومتين السورية واللبنانية.

وكانت الاوضاع على الحدود الشمالية لاسرائيل شهدت طيلة الايام القليلة الماضية تدهورا واسعا، ليس فقط في مزارع شبعا المتنازع عليها والتي تبدأ فيها الاشتباكات العنيفة مع غروب كل يوم، بل ايضا عبر الخط الازرق الذي حددته الامم المتحدة كحدود مؤقتة بين لبنان واسرائيل غداة انسحاب هذه الاخيرة من الجنوب عام 2000.

وقد شملت العمليات العسكرية بلدة الغجر وكيبوتز المنارة وبلدة افيميم في الجليل، وكل هذه مناطق اسرائيلية تقع بمحاذاة الحدود اللبنانية. كما لوحظ انه استخدمت في اشتباكات امس للمرة الاولى منذ عام 2000، صواريخ “سام-7” أرض – جو ضد الطائرات الاسرائيلية التي اغارت على الداخل اللبناني سبع مرات خلال الاربع وعشرين ساعة.

الحريق الاقليمي

هذه التطورات المتسارعة طرحت السؤال الكبير في العاصمة اللبنانية: هل ستصل ألسنة الحريق الفلسطيني أخيرا الى لبنان لتطلق بالتالي حريقا أقليميا كبيرا؟

المراقبون هنا يقولون أن كلا من سوريا و”حزب اله ” يلعبان لعبة حاذقة للغاية. فالاولى قامت مؤخرا بإعادة تجميع قواتها في لبنان لتوحي بذلك انها غير مهتمة بالتصعيد الاقليمي، ثم ألحقت ذلك بتليين مواقفها في مجلس الامن من خلال الموافقة على القرار الرقم 1403 الذي يعترف بالقرارين 1402 و1397 (واللذين سبق لدمشق أن تحفظت عليهما).

بيد أن سوريا واكبت هذه الليونة السياسية بتصّلب عسكري، إذ هي أوعزت لحليفها الاساسي في لبنان “حزب الله” برفع وتيرة ضغوطه العسكرية على اسرائيل في مزارع شبعا. كما يقال ايضا انها سمحت لحليفها الاخر “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” باطلاق بعض الصواريخ على الجليل، برغم ان الجيش اللبناني نشر قوات في وقت لاحق لمنع هذه العمليات واوقف بعض الفلسطينيين.

والهدف السوري من هذا التصعيد “المدروس والمحدود” مزدوج: دعم الانتفاضة عبر اشغال الاسرائيليين، وان جزئيا، في “جبهة الشمال”، وفي الوقت ذاته عدم استفزاز واشنطن الى الدرجة التي قد تدفعها الى منح ارئيل شارون الضوء الاخضر لضربها مع لبنان .

اما “حزب الله”، فيبدو اكثر من سعيد لفتح هذه النافذة الاقليمية التي تمنحه فرصة دعم الانتفاضة الفلسطينية بطرق عملية ومباشرة، خاصة وان قواعد الحزب ومقاتليه يضغطون بقوة مطالبين بالانغماس بشكل مباشر في المعركة ضد اسرائيل.

وفي حال أقدمت اسرائيل على تنفيذ تهديداتها، فان الحزب سيكون قادرا على تغطية جبهته الداخلية اللبنانية (خاصة في جانبها المسيحي المعارض بشدة للتصعيد)، من خلال القول انه يمارس حقه المشروع في مقاتلة الاحتلال في شبعا.

أيام حاسمة

الوضع اذن مفتوح على شتى الاحتمالات في جنوب لبنان،
فكل الاطراف، بما في ذلك سوريا ولبنان وايران واسرائيل، تضع رجلا في حقل التصعيد ورجلا أخرى في بور التهدئة.
والكثير سيعتمد على الموقف الذي ستتخذه سوريا في الايام القليلة المقبلة من الضغوط الامريكية الكبيرة التي تمارس عليها الان، والتي سينتظر ان تتصاعد جنبا الى جنب مع تصاعد التدهور الامني مع قرب وصول كولن باول الى المنطقة.

كما ان الكثير سيعتمد أيضا على نتائج جولة باول نفسها في المنطقة. فاذا ما باءت هذه الجولة بالفشل وتواصل الاستفراد الشاروني بالفلسطينيين، فأن فتح جبهة الجنوب ضد الدولة العبرية سيكون تحصيل حاصل.

سعد محيو- بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية