مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الهالوين وجد مكانا له في سويسرا ايضا

في ظرف سنوات قليلة تحول الاحتفال بالهالوين الى ظاهرة ثابتة في سويسرا swissinfo.ch

نجحت جهود مضنية بذلتها اطراف عديدة خلال التسعينات في استقطاب اهتمام العديد من السويسريين باحتفالات الهالوين الوافدة من الولايات المتحدة.

التحول بين الفصول وخاصة من الخريف إلى الشتاء ثم منه إلى الربيع تصحبه في اوروبا احتفالات تقليدية، أغلبها يعتمد على خرافات أو تقاليد قديمة، إما مرتبطة بشكل تاريخي بمنطقة جغرافية ما أو بحدث تناسب مع هذا الوقت.

ولكن قد تظهر حمى الاحتفال بـ”عيد جديد” بشكل مفاجئ دون العثور على جذوره التاريخية في المجتمع، فينساق البعض إلى الاحتفال به لملئ أوقات الفراغ و التسلية، بينما ينظر البعض الآخر إليه كطفل لقيط أوتي به من كوكب آخر، وهو ما يشعر به بعض السويسريين تجاه احتفالات “الهالوين” Halloween التي تحاول غزو ثقافة الاحتفالات الشعبية السويسرية، في محاولة لأن تصبح ذكرى سنوية مؤكدة، تستهدف نقود المواطنين قبل عقولهم.

المقياس التجاري لحركة الشراء في الاسواق السويسرية كشف أن الفترة ما بين انتهاء العطلة الصيفية وأعياد الميلاد ورأس العام تتركز فيها مشتريات المستهلكين على الاحتياجات اليومية، والادوات المدرسية وبعض ملابس الشتاء قبل الدخول في موسم الهدايا. ويبدو أن هناك من عز عليه أن تبقى هذه الفترة ساكنة، فآثر أن يقحم فيها الاحتفال بـ”الهالوين” لإنعاش الحركة التجارية، فانتشرت الزينات والألعاب والملابس وحتى العطور الخاصة به.

كل هذا لا يعني أن هذا الاحتفال لا يستند إلى خلفية تاريخية. فـ”الهالوين” والذي يعني بالعربية “عيد جميع القديسين” يعود إلى قرون سحيقة انتشرت فيها أفكار تعتقد بأن الأرواح، الشرير والطيب منها، تستغل فترة الانتقال بين فصول السنة للتدخل في حياة البشر والتأثير عليها.

ولما كانت الارواح تنقسم بين طيب وشرير فكان لابد من معاملة كل نوع حسب توجهه، فالأرواح الطيبة تقابل بالأطعمة وأضواء المشاعل والشموع عسى أن تبقى حيث هي، وأما الشريرة فتقابل بأقنعة قبيحة المنظر مخيفة لبث الرعب فيها فتغادر هي الأخرى الأرض، ومع انتشار المسيحية في أوروبا قرر البابا بونيفاز الرابع في القرن السابع الميلادي تحويل هذا اليوم إلى عيد لجميع القديسين اطلق عليه أولا بالإنكليزية all-hallows Eve قبل أن تتحور الكلمة إلى Halloween .

رحيل إلى العالم الجديد فعودة ..

المهاجرون الايرلنديون كانوا أول من نقل هذا الاحتفال إلى الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر. مع اختلاط العديد من الثقافات في العالم الجديد، تحور الاحتفال بها ليخرج قليلا عن نطاقه التقليدي، فنشأت في الولايات المتحدة فكرة تحويل ثمار القرعيات الغير صالحة للطهي إلى مصابيح بعد تفريغ محتواها و إضاءتها بالشموع حيث يتزامن وقت الاحتفال مع نضوج ثمار القرعيات بأشكالها وأنواعها.

وفي الاعوام الاخيرة، تحول توقيت هذا الاحتفال في سويسرا إلى مناسبة استهلاكيةإضافية تتهافت على استغلالها جميع منافذ البيع، من مواد للزينة ملونة بالأصفر والأسود إلى أدوات للمائدة والأقنعة التي تبدو عليها معالم الشر والقسوة والعنف، والمصابيح سواء من ثمار القرعيات أو من البلاستيك.

إلا أن التفاعل مع هذه المناسبة في سويسرا يقتصر حتى الآن على احتفالات تمولها منافذ البيع الكبرى وبعض الشركات المستوردة أو المنتجة للمواد المستهلكة فيه والتي تصل إلى سبع مائة وخمسين صنفا، في محاولة لتثبيت أقدامها في هذا المضمار أملا في جذب المزيد من الزبائن في الأعوام القادمة، حيث لوحظ ارتفاع مبيعات أدوات “الهالوين” من عام إلى آخر، وإن كانت لم تبلغ بعد نسبة مبيعات الأدوات المستخدمة في الأعياد التقليدية مثل مناسبة “الكرنفال” في موفى الشتاء.

وتقدر ارباح مبيعات أدوات اعياد “الهالوين” بحوالي ثلاثين مليون فرنك سنويا، أي ما يعادل خمسة في المائة من اجمالي حجم المبيعات في مجال الألعاب ومواد التسلية بصفة عامة.

المزارعون نحجوا في العثور على ثغرة

بعض المزارعين السويسريين نجحوا في تحويل الإقبال على الاحتفال بـ”الهالوين”، الذي أصبح ينظر إليه البعض على أنه احتفال مستورد وشكل جديد من اشكال “أمركة” الثقافة السويسرية. فقد لجأ بعضهم إلى زيادة الاهتمام بزراعة الفصائل المختلفة من القرعيات التي تنمو طبيعيا بأشكال غريبة، تصلح لاستعمالها في العاب “الهالوين” وحققت منتجاتهم مبيعات بثمانية ملايين فرنك في العام الماضي.

كما أعد المزارعون مسابقات متنوعة تدور حول انواع القرع العديدة، مثل استخدامه في العديد من الأطعمة، أو التنافس في إنتاج أكبرها حجما، ونجحوا في تنظيم مهرجان يعتبر من أهم التجمعات المتخصصة في منتجات القرع على المستوى الأوربي، حيث بلع عد زواره في عام الفين، ثلاث مائة وعشرين ألف شخص من بلدان أوروبا لوحدها.

هذا التوجه قد يروق لمنتقدي الإقبال على الاحتفال باعياد “الهالوين” على اعتبار أنها تقليد دخيل على الثقافة السويسرية. ويرى بعض هؤلاء، أنه إذا كان لا بد من تنظيم احتفالات في هذه الفترة، التي تعتبرها شركات ترويج الألعاب والهدايا فترة ركود سنوي، فلا ضير من البحث عن افكار تساعد على تحويل مناسبات قديمة من التراث، إلى احتفالات يستفيد منها المزارعون والتجار من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى، وذلك من اجل تعميق روابط الأجيال الجديدة بماضيها بدلا من تقليد ما يبدو غريبا عنها.

ومن يدري، فلعل المستقبل يحول الاحتفال بـ”الهالوين” إلى الاحتفال بالقرع على غرار “عيد البصل” الذي تشتهر به العاصمة برن في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر من كل عام وهي مناسبة يحرص فيها العديد من السويسريين من كافة انحاء الكنفدرالية على زيارته.

تامر أبو العينين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية