مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انقلاب هادئ في “إيران الخفية”؟

الحياة اليومية في أحد شوارع العاصمة الإيرانية طهران كما التقطتها عدسة المصور يوم 5 سبتمبر 2007 Keystone

كيف تفسـَر التنافسات الداخلية الإيرانية سلوكيات هذه الدولة في المجالين، الإقليمي والدولي؟

هناك إيران خفية، تختفي وراء إيران الظاهرة، التي نرى إليها أو نسمع عنها. إيران تتنافس فيها الفصائل السياسية – الإيديولوجية المختلفة على السلطة والنفوذ

“إيران الخفية” (Hidden Iran)، كتاب قَـيم لراي تقيِّـه، الباحث الأمريكي من أصل إيراني في “مجلس العلاقات الخارجية”، تتمحور فكرته الرئيسية حول مسألة واحدة: كيف تفسـَر التنافسات الداخلية الإيرانية سلوكيات هذه الدولة في المجالين، الإقليمي والدولي؟

يقول تقيِّـه، في مقدمة كتابه الذي صدر في أواخر 2006: “هناك إيران خفية، تختفي وراء إيران الظاهرة، التي نرى إليها أو نسمع عنها. إيران تتنافس فيها الفصائل السياسية – الإيديولوجية المختلفة على السلطة والنفوذ، ويفقد خلالها السياسيون حظوة القيادة العليا، ليعاودوا الظهور بعدها سنوات أقوى مما كانوا، ويقوم بموجبها المتشددون والبراغماتيون والإصلاحيون بموازنة بعضهم البعض، داخل السلطة”.

إنها نفسها لعبة الشطرنج، التي يقال إن الفُـرس اخترعوها، لكن هذه المرّة الرقعة الشطرنجية تشمل كل الوطن الإيراني، بكل مقوماته ومؤسساته.

رفسنجاني العائد

لماذا تذكّـر كتاب “إيران الخفية” الآن؟ لسبب مقنع: التطورات الداخلية المتسارعة، التي تجري حالياً في بلاد الملالي والتي قد تكون لها بعد حين مضاعفاتها الواضحة على التوجّـهات السياسية الخارجية لإيران.

هذه التطورات تتلخّـص بثلاث: أولاً، عودة هاشمي رفسنجاني القوية إلى ساحة الفعل السياسي بعد هزيمته القاسية أمام محمود أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة عام 2005، وهذا حدث على إثر انتخابه في 4 سبتمبر الحالي رئيساً لـ “مجلس الخبراء” بأغلبية 41 صوتاً (من أصل 80)، مقابل 33 صوتا نالها منافسه أحمد جنتي، المناصر للرئيس نجاد.

رفسنجاني الآن بات على رأس المجلس، الذي يخوِّله الدستور الإشراف على مُـرشد الجمهورية الإسلامية، مراقبة وعزلاً وانتخابا. وبرغم أن هذا المجلس لم يستخدم صلاحياته الواسعة أبداً طيلة السنوات الـ 25 الماضية التي مضت على تأسيسه، وبالرغم أيضاً من أن هذه الصلاحيات لا تطال السلطات التنفيذية والتشريعية، إلا أن تربَـع رفسنجاني على العرش الرمزي لهذا المجلس النظري، له أبعاده السياسية الواضحة لسببين:

الأول، أن الرئيس الجديد للمجلس لن يكون كسلفه أية الله مشكيني، الذي توفي في يوليو الماضي والذي رفض مُـمارسة أي من الصلاحيات المناطة به، على العكس، إنه (رفسنجاني) ألمح بقوة إلى نيته استخدام هذه الصلاحيات قائلا: “في حال أراد مجلس الخبراء لعب دور أكبر في قضايا الأمة، فهو يمتلِـك السلطة الشرعية والفِـقهية للقِـيام بذلك”، كما وعد (وهنا الأهم)، بأن يقوم المجلس من الآن فصاعداً بـ “عرض المسائل الكبرى على الشعب”.

وما هي هذه المسائل الكبرى؟ إنها لا تقِـل عن أنها أساس النظام الإسلامي الإيراني، وهي ولاية الفقيه التي تُـعطي علي خامنئي صلاحيات مُـطلقة، والتي يطالب رفسنجاني وأنصاره الآن بجعلها قيادة جماعية وذات أجل محدّد ومحدود.

السبب الثاني، هو أن رفسنجاني لم يسقُـط على مجلس الخبراء كصاعقة في سماء صافية، بل هو جاء على رأس موجة قوية معارضة لحكم الرئيس أحمدي نجاد، قِـوامها تحالف أبْـرِم على عجل خلال مؤتمر سري عُـقد مؤخراً في طهران بين تيار المحافظين البراغماتيين، بزعامة رفسنجاني، وبين التيار الإصلاحي بزعامة محمد خاتمي ومهدي كروبي، الرئيس السابق لمجلس الشورى.

أهداف “تحالف إستراتيجية النصر” (كما أطلقت المعارضة على خطتها)، واضحة: إسقاط نجاد من الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة والعمل على مواصلة الإصلاحات الديمقراطية وإخراج إيران من عُـزلتها الدولية الراهنة وحل الأزمة النووية الإيرانية عبر بوابة التفاوض.

يقول محمد أتريانفار،أحد قادة المعارضة المقرَب من رفسنجاني: “السنتان الماضيتان كانتا مَـرِيرَتين. فأحمدي نجاد قلب كل شيء رأساً على عقب: السياسات والإقتصاد والسياسة الخارجية، وعرًض كل إنجازات النظام للخطر. لقد تسبّـب بأضرار فادحة للبلاد في الداخل والخارج، والآن جاء دورنا لإنقاذ الوضع”.

بيد أن المسألة لا تتعلّـق في الواقع فقط بالرئيس نجاد، بل أيضاً بمرشد الثورة علي خامنئي الذي عمل طويلا في السابق مع رفسنجاني، لكن من دون أن يُـطوِّر معه علاقة “حب أو وِدّ”، وهو موقف بادله إياه رفسنجاني، فكان طيلة السنتين الماضيتين يُـهاجم نجاد، فيما هدفه الحقيقي خامنئي.

لنستمع على سبيل المثال إلى ما قاله رفسنجاني عشية انتخابه: “بما أن الشرعية في النظام السياسي الإيراني تعتمد على القائد الأعلى (خامنئي)، كان من الطبيعي أن يكون مجلس الخبراء واحداً من أهم المؤسسات في البلاد، لأن عمله يقوم على مراقبة حالة القائد ومعرفة مدى قُـدرته على الحكم”، وأضاف أن “لجان المجلس، التي تحقِّـق حِـيال وضع القائد، تعمل جيداً، لكننا لا نريد أن ننشر تقاريرها على العلن”.

قد لا تكون هذه الفقرة الأخيرة تهديداً واضحاً لخامنئي، طالما أنها تتحدث عن دور مجلس الخبراء في إطار الدستور، لكنها في المقابل، مؤشر واضح إلى أن رفسنجاني العائد ينوي تفعيل المجلس، وهذا ما كان يقوم به دوماً في كل مؤسسة كان يستلِـم مسؤوليتها منذ ربع قرن، بغضِّ النظر عن قوتها أو ضعفها.

تغيير الحرس

هذا كان التطور المهم الأول. التطور الثاني، الذي لا يقِـل أهمية، حدث قبل انتخاب رفسنجاني بثلاثة أيام. ففي أول سبتمبر، عيَـن خامنئي محمد علي جعفري قائداً لجهاز الحرس الثوري، الذي يُـعتبر العصب الأمني – الإيديولوجي للنظام الإيراني وقوته الضاربة (لديه 125 ألف جندي ومئات الطائرات والدبابات والسفن ومؤسسات اقتصادية، تُـقَدّر أرصدتها بمئات مليارات الدولارات).

جعفري حلّ مكان يحيى رحيم صفوي، الذي كان قائداً للحرس منذ 1997. وبرغم أنه لا يعتبر معتدلاً، إذ كان من ضمن 24 جنرالاً في الحرس الذين وجّـهوا عام 1999 تهديدا عَـلنياً للرئيس خاتمي بضرورة وقف الإصلاحات، إلا أنه مقَرّب من محسن رضائي، قائد الحرس في الفترة بين 1981 و1997، وهذا الأخير مُقرَب بدوره من هاشمي رفسنجاني.

بيد أن أهمية هذا التعيين، لا تكمن هنا فقط، فشهرة جعفري تكمُـن في أنه عسكري مُـحترف أكثر منه سياسي متمرس، على عكس العديد من جنرالات الحرس، وربما من هذا المنطلق، كان جعفري يخالف آراء سلفه، ومعه حليفه الرئيس نجاد، اللذين كانا يسخران من احتمال قِـيام واشنطن بشنِّ حرب على إيران ليُـعلن بأن هذه الحرب “ممكنة، ونحن جاهزون لها”، وهذا موقف يتطابق بالكامل مع موقف رفسنجاني، الذي كان يدعو باستمرار إلى أخذ التهديدات الأمريكية على محمل الجد.

في 18 يناير 2007، قال جعفري في مقابلة مع التلفزيون الإيراني: “بوش سيشُـن الحرب ويجب أن نستعِـد للردّ عليه”. وبعد هذا الحديث بشهر واحد، كان خامنئي يقول: “أي حرب؟ أي أزمة؟ أي وضع غير طبيعي؟ لا تشعروا بالضعف أمام العدو”، فهل يعني تعيين جعفري قائداً للحرس أن مُـرشد الثورة غيَـر رأسه وبدأ يأخذ التهديدات العسكرية على محمَـل الجد؟

مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الأمريكي يعتقد ذلك، وهو يشير إلى أن المرشد، ربَّـما تلقّـى معلومات عاجِـلة تؤكِّـد وجهة نظر جعفري وخطر وجهة نظر صفوي، ولذا، قرّر على عجل إجراء التعديل في قيادة الحرس.

نائب الوزير

أخيراً، هناك تطور ثالث بارز، تمَثل في تعيين علي رضا أفشار مكان مصطفى هاشمي سمارة، كنائب سياسي لوزير الداخلية.

أهمية هذا الحدث تكمُـن في أن أفشار يُـمكنه من هذا الموقع، السَّـيطرة على إدارة وتنظيم الانتخابات المقبلة، بما في ذلك التَّـصديق على صِـحة أوراق وأقلام الاقتراع (وهنا كان مصدر التزوير الرئيسي في السابق)، وبما أن النائب السياسي السابق سمارة كان مُـقرباً جداً من الرئيس نجاد، فإن تعيين أفشار ربما يكون مؤشِّـراً آخرَ على صُـعود نجم رفنسجاني مع سياساته البراغماتية في الداخل والخارج.

حرب واقتصاد

هذه التطورات الثلاث، أي انتخاب رفسنجاني وتعيين قائد جديد للحرس ونائب آخر لوزير الداخلية، تُـوحي بأن موازين القوى بين المتشدِّدين والبراغماتيين بدأت تَـميل مُـجدداً لصالح هؤلاء الأخيرين بعد صعودٍ كاسحٍ للأوائل، طيلة السنتين الماضيتين.

بالطبع، مخاطر الحرب مع أمريكا هي دافع مُـهِـم لمثل هذه التحولات، لكنها ليست الدافع الوحيد، هناك أيضاً الاقتصاد. فنجاد خاض انتخابات الرئاسة عام 2005، وهو يَـعِـد الإيرانيين برفع مُـستوى معيشتهم وتوزيع الثروة النفطية عليهم ومكافحة الفساد، بيد أن أيّـاً من هذا الحصرم لم يتحوّل إلى عِـنب.

فالبؤساء ازدادوا بؤساً والتضخم الفعلي تجاوز 25% ونسبة الفقر المُـطلق بين سكان المدن ارتفعت إلى 30% والفساد بقِـي مستشرياً في مُـعظم دوائر الدولة والإدارات، في حين قفَـز عدد العاطِـلين عن العمل إلى نحو 5 ملايين نسمة.

وفي ظل الحصار الاقتصادي الدولي الراهن، ليس من المتوقّـع أن يغامِـر أحد بالاستثمار في إيران (بما في ذلك حتى في قطاع النفط)، مما يعني أن الاقتصاد قد ينتقل من سيّء إلى أسوأ، مضاعفاً صعوبات الوضع المعيشي لغالبية المواطنين.

وهنا، سيطل الرفسنجانيون والإصلاحيون برأسهم ليقولوا إن توجّـهاتهم، الخارجية والداخلية وحدها، ستكون قادرة على إنقاذ إيران من كلٍّ من الحرب العسكرية المدَمرة ومن الأزمة الاقتصادية، التي لا تقِـل تدميراً.

وإذا ما استجاب الناخبون الإيرانيون لهذه الدعوة في إنتخابات السنة المقبلة، ومعهم بالطبع الحلقة الداخلية في القيادة الدينية، فسيكون الباب مفتوحاً أمام تغيَرات كبيرة في السياسة الخارجية الإيرانية، تنتقل بموجبها بلاد قورش (مجدداً) من التصعيد الثوري النجادي إلى المساومات البراغماتية الرفسنجانية أو “الحوارات الحضارية” الخاتمية.

راي تَـقيِّـه على حق: التنافسات السياسية الداخلية الإيرانية هي التي تفسـَر بالفعل التوجهات الخارجية في “إيران الخفية”، وهذه التنافسات قيد العمل الآن وبزخم شديد أيضاً، على ما يبدو.

سعد محيو – بيروت

يتسم النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتعقيد وتداخل وتشابك مثير، يجعل مهمة فهمه شِـبه متعذّرة على غير المختصِّـين، وتتوزع فيه السلطة على عدة أطراف ومراكز.

يحتل المرشد الأعلى للثورة (الذي يتم انتخابه من قِـبل مجلس الخبراء)، موقعا أساسيا في النظام السياسي، فهو ينصِّـب رئيس القضاة ويُـعين مجلس صيانة الدستور وجميع قادة الجيش وخطباء الجمعة ورئيس هنيئة الإذاعة والتلفزيون، كما أنه هو الذي يملك صلاحية إقرار نتائج انتخابات الرئاسة.

كما يُـشرف المرشد الأعلى على المجلس الأعلى للأمن القومي ومجلس تشخيص مصلحة النظام، وهي هيئة استشارية تهتم بالفصل في النزاعات، التي قد تنشأ بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، أما القوات المسلحة، التي تشمل القوات النظامية والحرس الثوري، فإن كل قادتها يعيَّـنون من قبل المرشد الأعلى ولا يحاسبون إلا من طرفه.

يتكون مجلس الخبراء من 86 من رجال الدين، الذين يملكون صلاحية تنصيب المرشد الأعلى للثورة وحق عزله.

يتكون مجلس صيانة الدستور، وهي هيئة ذات تأثير كبير في إيران، من ستة علماء دين يُـعيّـنهم المرشد الأعلى وستة قضاة، ترشحهم السلطة القضائية ويعرضون على موافقة البرلمان، يمتلك هذا المجلس صلاحية مهمة، تتمثل في ضرورة موافقته على أي تشريع يصادق عليه البرلمان، كما يتمتّـع مجلس صيانة الدستور بسلطة الاعتراض على المرشحين في الانتخابات البرلمانية والبلدية ولرئاسة الجمهورية أو لرئاسة مجلس الخبراء.

يُـنتخب رئيس الجمهورية، الذي يرأس السلطة التنفيذية وتقتصر وظيفته على ضمان تطبيق الدستور، لفترة تبلغ أربعة أعوام ويمكن أن تتجدد مرة واحدة. ومع أنه هو الذي يختار وزراء حكومته، إلا أنه يجب عليهم نيل موافقة البرلمان، الذي يملك أيضا حق عزله.

تمارس السلطة التشريعية من طرف مجلس الشورى الإسلامي، ويُـنتخب أعضاؤه من طرف المواطنين عن طريق التصويت السرّي المباشر كل أربعة أعوام، ويبلغ عدد أعضائه حاليه 293 نائبا.

يُـشرف على السلطة القضائية، رئيس القضاء، الذي يعيَّـن ويُـحاسَـب من طرف المرشد الأعلى للثورة.

(المصدر: عن موقع بي بي سي أون لاين بتصرف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية