مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد تفاقم المجازر ونشر ضابط سابق لمعلومات مفصلة: عودة التساؤل عمّن يقتل في الجزائر!

أحدث صور لضحايا آخر مجزرة شهدتها الجزائر يوم السبت الماضي في بلدة شراطة التي تبعد حوالي 150 كم جنوبي الجزائر العاصمة Keystone

يصل وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين الثلاثاء إلى الجزائر العاصمة بعد أقل من أسبوع على نشر كتاب في باريس يحمل عنوان "الحرب القذرة" يقدم فيه ضابط سابق من القوات الخاصة في الجيش الجزائري تفاصيل دقيقة ومروعة عن تورط مسؤولين عسكريين حدد أسماءهم في ارتكاب مجازر نسبت إلى أصوليين في السنوات الاخيرة.

منطقة البرواقية شهدت أحدث مذبحة راح ضحيتها ليل الاحد الماضي سبعة وعشرون شخصا من بينهم اثنا عشر طفلا في حي الشراطة الذي لا يبعد أكثر من كيلومترين عن مدينة البرواقية فيما تجددت الدعوة في العاصمة الفرنسية الى تشكيل لجنة تحقيق دولية في المجازر التي تشهدها الجزائر منذ وقف المسار الانتخابي بداية عام اثنين وتسعين.

القتيل، لم يعد يملك قدرة الشهادة والاجابة على السؤال الذي لم يغب منذ الانقلاب على الديمقراطية 1992 في بلد دفع لتحقيق استقلاله اكثر من مليون شهيد قبل ثلاثين عاما من اندلاع ازمته.السؤال لم يغب، احيانا يكون محور الحديث عن ازمة البلاد و اسبابها، واحيانا اخرى يكون ضمن فقرات الحديث. لكنه لم يغب ، كان حاضرا دائما، لأن بشاعة العنف و ملابسات المجازر التي ترتكب و حجم الضحايا الذين يسقطون، تجعل السؤال اضافة لمشروعيته، بحاجة إلى جواب لا احد يملكه الا الفاعلين بالدم الجزائري.

سؤال من يقتل في الجزائر ، برز من جديد و احتل اولوية المهتمين بالشأن الجزائري بعد تصاعد العنف الذي وصل معدله منذ بداية العام الحالي ستة ضحايا يوميا. والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لم يتوان، حين كان يتكلم، عن ذكر مائة الف سقطوا ضحية الازمة، وامام ضخامة عدد الضحايا، يصبح ثانويا الحديث عن الخسائر المادية التي تجاوزت عشرين مليار دولار. لكن السؤال يضحى ملحا ومعه سؤال من يحكم في الجزائر .

كان اثارة السؤال مزعجا للسلطات الجزائرية و تعتبره اتهاما ضمنيا او صريحا بمسؤولية اجهزتها الامنية، خاصة الجيش واجهزته، عن المجازر المرتكبة. كان الاتهام في البداية يتمحور حول التقصير وعدم الفاعلية ثم اصبح اتهاما بالمشاركة بالقتل بعد الكشف عن تفاصيل مجازر مرتكبة هنا او هناك كان ابرزها مجزرة غليزان عام 1997، حين تبين ان مليشيات السلطة المعروفة بالحرس المدني بقيادة رئيس المجلس البلدي، ارتكب تلك المجزرة البشعة و اضطرت السلطات لاعتقاله دون ان يعرف مصيره.

كانت طبيعة المجازر المرتكبة في كثير من الاحيان و اماكنها الغير بعيدة عن مواقع وثكنات الجيش، تثير علامات الشك و في كثير من الاحيان كانت تخرج هنا او هناك وثائق او شهادات عن مجازر تؤشر باتجاه السلطات الامنية، لكن الاعلام الغربي المحابي للسلطة والاتجاه المعادي لخصومها من الجماعات الاسلامية، كان يستسهل الصاق التهمة بهذه الجماعات و يروج ما تقوله.

كان الاعلام الغربي يتداول سؤال من يقتل في الجزائر كلما ظهر ان التيار المؤمن بإمكانية عودة السلم عن طريق التفاهم مع الاطراف المعنية بالعنف ، تقدمت خطوة إلى الامام على حساب ما يعرف بالتيار الاستئصالي، وبدلا من ان توجه الاتهامات لانصار التيار الاستئصالي الذين يتحكمون بالاجهزة الامنية، توجه إلى الدولة للضغط عليها لعدم الذهاب بعيدا في وئامها. و حتى صحف هذا التيار الصادرة في الجزائر كانت حريصة على ابراز اخبار العنف، الذي لم يتوقف ، في صفحاتها الاولى كلما اقترب تيار الحوار في السلطة من اطراف الازمة.

حين ظهرت بوادر حوار بين الجبهة الاسلامية للانقاذ والدولة عام 1999 قتل عبد القادر حشاني ابرز الرموز المعتدلة في الجبهة وحين اعلن قبل ايام احمد بن عائشة الرجل الثاني في الجيش الاسلامي للانقاذ الجناح العسكري للجبهة استعداده المساهمة بالقتال إلى جانب الجيش ضد الجماعات الاسلامية المسلحة التي ترفض الوئام المدني، قتل احد قادة هذا الجيش التابع للجبهة في منطقة الشرق.

الاعلام الغربي، خاصة الفرنسي، يتداول في هذه الايام سؤال من يقتل في الجزائر، و المناسبة ليست فقط زيارة هوبير فيدرين رئيس الدبلوماسية الفرنسية إلى الجزائر غدا الثلاثاء، بل كتاب اصدره في باريس حبيب سويدية احد الضباط السابقين في القوات الخاصة للجيش الجزائري، شهادة مدعمة بالوقائع والوثائق عن دور الجيش في العديد من المجازر المرتكبة بحق المدنيين.

واهتمام الاعلام الغربي بالسؤال والبحث عن اجابة له، يعود إلى ان الرأي العام الغربي لم يعد مقتنعا بإطروحة السلطات الجزائرية، خاصة وان السلطات و منذ اندلاع الازمة لم توجه الاتهام لاطراف خارجية. و طرف سياسي يواصل عنفه على مدى عشر سنوات اما ان يكون طرفا جماهيريا ويحظى بشعبية واسعة مما يؤكد حقه في الحكم الذي سلب منه قبل تسع سنوات او ان الحكم عاجزا ويجب ان يقر بذلك او ان اطرافا منه تساهم في هذا العنف المستمر و يجب ان تحاسب.

محمود معروف.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية