مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد صدور الأحكام في قضية لوكربي التعويضات تولد أزمة جديدة بين ليبيا وكل من بريطانيا والولايات المتحدة

العقيد معمر القذافي يستقبل الامين خليفة فحيمة في مطار طرابلس swissinfo.ch

دخلت قضية الحصار الدولي المفروض على ليبيا مرحلة جديدة الخميس في ظل ردود الفعل التي أثاهاِ صدور الحكم الذي برّأ أحد المتهمَين الليبيين، وتجريم الآخر بتهمة تفجير طائرة بان نام، فوق قرية لوكربي الإسكتلندية عام 1988.

وبانسدال الستار على تفاصيل المحاكمة التي استغرقت 88 يوماً، ينفتح المجال واسعاً أمام متابعة الانعكاسات السياسية لتطبيق القرار الدولي لمجلس الأمن الذي ربط رفع الحصار عن ليبيا بإقرارها بمسؤولياتها السياسية عن حادث التفجير، وبموافقتها ثانياً على دفع التعويضات.

وكان من المتوقع عام 1999، عندما جرى رفع الحظر جزئياً عن ليبيا قبل 22 شهراً، في نيسان / أبريل1999 حينما وافقت ليبيا على تسليم المتهمين خليفة والمقرحي لمحاكمتهما أمام محكمة إسكتلندية في هولندا، أن تكون عملية سداد التعويضات، في حال جرى تغريم ليبيا، كافياً لمنع إدانتها أو إدانة نظام العقيد القذافي سياسياً، على اعتبار أن المنطقة كانت مقبلة آنذاك على انفتاح إقليمي، وعلى مراحل سلام تقتضي، بين أكثر ما تقتضيه، تليين موقف الأنظمة المتشددة ومنها ليبي إلا أن التدهور في الوضع الإقليمي يُعقّد اليوم مجريات التسوية السياسية، التي كانت من المنتظر أن تُعقب
صدور الحكم، في وقت يتحمس محامو أفراد العائلات الـ 270 ضحية، للمطالبة بتعويضات هائلة قد تتجاوز عشرة مليارات دولار، حسب الأرقام التي جرى تداولها أمس في بريطانيا والولايات المتحدة.

وأصدرت ليبيا ردوداً متفاوتة، حول رفضها القبول بتحمل المسؤولية، وأتى الرد الرافض من طرابلس الغرب، واعتُبر أنه موجه للاستهلاك المحلي ولتأمين هامش مناورة سياسي
للتفاوض مع لندن وواشنطن لاحقاً، في حين كان مندوباها في لندن والأمم المتحدة يتحدثان عن تسوية تكفل طي الصفحة نهائياً، مقابل سداد تعويضات مالية. ويتعين على ليبيا، إذا نظرنا إلى فاتورة الغرامات المفروضة، أن تغطي نفقات المحاكمة التي قاربت 100 مليون دولار، كما يُعتقد أن عليها أن تسدد قرابة 700 مليون دولار، حكمت بها المحكمة لصالح أهالي الضحايا البريطانيين.

أما أهالي الضحايا الأميركيين، الذين سبق لهم أن رفعوا دعوى أمام المحاكم الأميركية المدنية في نيويورك، قبل أربع سنوات، فهم يتوقعون الحصول على عشرة مليارات دولار، في حال حكمت لهم المحاكم المدنية الأميركية بذلك، وكانت هذه المحاكم قد أُجيز لها النظر في دعاوى من هذا القبيل يرفعها مواطنون أميركيون ضد الدول المدرجة على لائحة وزارة الخارجية الأميركية، والمتهمة بتمويل الإرهاب وتشجيعه، وذلك وفق قانون صادر بهذا الغرض عام 1996.

ومن الصعب الجزم بحقيقة رد الفعل الليبي، إزاء عملية التصعيد السياسية التي ستتلو خلال الأيام المقبلة، والتي بدأت تباشيرها منذ صدور الحكم يوم أمس، وهي حملة تهدف إلى ابتزاز ليبيا وقيادتها، للحصول على أكبر قدر ممكن من التعويضات.
وفي هذه الحالة فإن الانعكاسات المتوقعة ستكون كبيرة، لو جرى حسم معركة التعويضات في شكل لا يرضى ليبيا، ذلك أن إصدار المحاكم الأميركية حكماً يمنح تعويضات مبالغ فيها لأهالي الضحايا الأميركيين، سيؤدي إلى اقتطاع حصة كبيرة من الأرصدة الليبية المجمدة في الولايات المتحدة، وهي تعد بالمليارات، وربما أيضاً مصادرة كل الأرصدة وفوائدها.

وسيؤدي هذا الأمر إلى قطيعة أكيدة بين ليبيا وواشنطن، وإلى الأضرار بمصالح الشركات النفطية الأميركية، التي تحظى بمساعدة الرئيس بوش وتفهمه ومساندته، وهو ما يجعل المراقبين يتساءلون عما إذا كان دور الشركات النفطية لن يؤدي إلى التوصل إلى حل عملي.أما بريطانيا، فإن أي ضغط إضافي يُمارس، ويتجاوز السعي إلى الحصول على التعويضات التي قضت بهاالمحكمة، والتي أشارت ليبيا ضمناً إلى موافقتها على دفعها، فإنه سيؤدي حتماً إلى الأضرار بصفقات تفوق عشرة مليارات دولار، كانت شركات بريطانية، وبدعم مباشر من حكومة توني بلير، تنوي إبرامها مع ليبيا، في حال رفع الحظر.

وفي ظل هذا التجاذب الكبير الذي تبع إعلان الحكم أمس، فإن الليبيين يمسكون بأوراقهم جيدا. وهم يعتبرون أن القاضي أسقط تهمتين بالتآمر بغرض ارتكاب جريمة عن المتهمين الليبيين، وبالتالي فان مسؤولية جهاز الأمن الليبي لم تعد موضع اتهام، وهذا يعني أن النظام الليبي ليس معنياً بالحكم، باستثناء المسؤولية المعنوية للتعويضات التي ستُدفع إلى أهالي الضحايا.

وبانتظار أن تحمل الأيام المقبلة تفاصيل جديدة عن المسلسل الطويل لقضية لوكربي، فإن محامي أهالي الضحايا يتهيئون لبازار إعلامي كبير هدفه ابتزاز الليبيين، والعقيد القذافي نفسه، سياسياً، تحت عنوان دعاوى إنسانية وعاطفية، وعينهم قبل كل ذلك على مليارات الدولارات التي يرغبون في انتزاعها من القيادة الليبية والعقيدالقذافي.

إبراهيم الشريف.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية