مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تبريد مؤقت على “الجبهة الاخرى”؟

بين بيروت ودمشق سعى كولن باول الى تهدئة الاوضاع في الجنوب اللبناني. فهل نجح في ذلك؟ Keystone

كشفت مصادر رسمية لبنانية ل "سويس انفو" النقاب عن ان كولن باول وزير الخارجية الامريكي أبلغ القادة اللبنانيين الذين إلتقاهم يوم الاثنين، ان فرص نجاحه في وقف التدهور في الضفة وغزة هي "50 على 50 في المائة"، وأنه حّذر من "حريق إقليمي كبير لا يمكن لواشنطن لجمه" اذا ما استمرت اعمال العنف في جنوب لبنان.

واوضحت المصادر أن باول شدّد أيضا، خلال زيارته القصيرة وغير المقررة أصلا للعاصمة اللبنانية التي دامت 5 ساعات، على أن الولايات المتحدة جادة في ايجاد حل سياسي “اقليمي – دولي” للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي، فور نزع فتيل العنف الراهن هناك”.

وأشارت الى أن كلا من الرئيس اللبناني اميل لحود ورئيس الوزراء رفيق الحريري، أبلغاه بأن لبنان “لن يكون قادرا بعد حين على منع امتداد الحريق الفلسطيني الى لبنان (وايضا الى سوريا)، اذا ما واصلت اسرائيل اجتياحاتها ومجازرها بحق الفلسطينيين”.

“الموت لأمريكا”

عند وصول باول الى مطار بيروت، لم يكن كبار المسؤولين اللبنانيين فقط في استقباله بل ايضا تظاهرة شعبية حاشدة، شارك فيها آلاف اليساريين اللبنانيين (من “حركة الشعب” والحزب الشيوعي أساسا) والمواطنين الفلسطينيين، الذين يقطنون مخيمي صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، اللذين لا يبعدان سوى مئات الامتار عن مطار بيروت.

وقد ردد المتظاهرون الغاضبون هتافات “الموت لامريكا، الموت لاسرائيل”، وحاولوا مرات عدة اختراق الطوق الامني الكبير الذي اقيم على طول طريق المطار، لكنهم فشلوا. ولم يتفرق المتظاهرون الا بعد ان علموا أن باول وصل بالفعل الى قصر الرئاسة في بعبدا (في ضواحي بيروت) ، لكن بعضهم سمع وهو يدعو الى اللحاق بالوزير الامريكي “الى أي مكان”.

هذه الاجواء الشعبية، التي ترافقت مع موقف سياسي اتخذه نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني بمقاطعة زيارة باول، احتجاجا على الانحياز الامريكي لاسرائيل، أرخت بظلالها على المحادثات التي أجراها الوزير الامريكي في بعبدا.

ويبدو ان الرئيس اميل لحود استخدم هذه الاحتجاجات الشعبية- السياسية، كدليل على الوضع الخطير في الشارع اللبناني والعربي، “والذي قد لا يكون بمقدور الدولة اللبنانية مقاومة ضغوطه طويلا لفتح جبهة ثانية في الجنوب، اذا لم يوقف شارون حربه على الفلسطينيين”، وفق ما ذكرته المصادر اللبنانية.

وعلم أن باول أبلغ لحود، وبعده الحريري، بأنه يتفهم حساسية الموقف اللبناني، لكنه أوضح، في المقابل أن الولايات المتحدة لن تقبل بأي حال بفتح “جبهة جديدة”، ملمحا الى ضرورة توسيع دور الجيش اللبناني في الجنوب، ومهدّدا ايضا بأنه “قد لا يكون في وسع الولايات المتحدة هي الاخرى لجم اسرائيل عن القيام بعمليات عسكرية انتقامية واسعة النطاق”.

هدوء .. ولكن؟

هل حققت زيارة باول أهدافها؟ المراقبون في بيروت يعتقدون ذلك، وإن الى حين. إذ يبدو أن كلا من بيروت ودمشق أعتبرتا ان قرار باول بتعديل جدول جولته في الشرق الاوسط لضمهما اليها، كان “مبادرة ايجابية” تم الرد عليها فورا بتبريد “الجبهات” في مزارع شبعا وعبر الخط الازرق الفاصل بين لبنان واسرائيل.

وبالفعل، لم يشهد يوم الاثنين، وللمرة الاولى منذ اسبوعين متواصلين، أية عمليات جديدة ل “حزب الله” في المزارع. وهذا ما يوحي بأن دمشق مستعدة لاعطاء الوزير الامريكي الفرصة لانجاح مهمته، خاصة اذا ما توقف عن اهمال دورها وموقعها في لعبة الشرق الاوسط.
ومعروف ان سوريا تلجأ الى التصعيد الامني في جنوب لبنان، كلما شعرت بان الولايات المتحدة تهمش دورها في الجهود المتعلقة بالتسويات في الشرق الاوسط.

بيد أن لعبة “التبريد” هذه لم تقتصر على دمشق، بل طاولت أيضا طهران. فوزير الخارجية الايراني كمال خرازي، الذي زار بدوره بيروت ودمشق قبل أيام، طلب من بيروت ودمشق، وبالطبع من حليفه “حزب الله”، “عدم منح شارون الذريعة لشن هجمات واسعة النطاق على لبنان وسوريا”. وعلم ان الخطوة الايرانية جاءت تجاوبا مع طلب امريكي بهذا الخصوص نقله اليها وزير الخارجية الروسي أيغور أيفانوف.

فهل يعني كل ذلك ان جولة باول أغلقت ملف “الجبهة الثانية” في جنوب لبنان؟ كلا. فالمكاسب التي حصلت عليها سوريا ولبنان من خلال اعتراف باول ب “موقعهما” على خريطة الصراع، لن يكون نهاية المطاف بالنسبة لهما، وخاصة بالنسبة لدمشق التي تتطلع الى استمرار الانتفاضة الفلسطينية كورقة استراتيجية اساسية في لعبة الشطرنج الكبرى التي تدور رحاها الان في الشرق الاوسط. فدمشق تخشى أن يؤدي همود فلسطين الى اشتعال العراق، الامر الذي قد يضع سوريا في النهاية بين فكي كماشة مثلثة الرؤوس: اسرائيل وتركيا، ونظام ما بعد صدام موال
للغرب.

وما تخشاه دمشق مرة، تعيشه طهران ذعرا عشرات المرات، لانها تشتبه بأن الاهداف النهائية لخطة ادارة بوش، هي محاصرة الجمهورية الاسلامية تمهيدا لخنقها.
ولذا، فأن سوريا وايران “تهدئان اللعب” الان على الخط الازرق، بانتظار معرفة النتائج التي ستسفر عنها مهمة باول. هذا علما أن المسؤولين اللبنانيين والسوريين على حد سواء “لا يستبعدون” فشل هذه المهمة، اما بسبب استمرار العمليات الانتحارية، او لرفض شارون الانسحاب ووقف أعمال القتل والتدمير.

سعد محيو- بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية