مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تركيا: هدوء ما قبل عاصفة الخيارات

العلاقات الأمريكية التركية تمثل عبءً ثقيلا على الدبلوماسية التركية، لاسيما في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي Keystone

تمر تركبا بمرحلة انتقالية على طريق ترسيخ الإصلاحات السياسية التي تُـؤهلها الإنضمام للاتحاد الأوروبي وتحمّـل دورها الإقليمي.

غير أن طبيعة العلاقات التركية مع الولايات المتحدة تفرض على أنقرة تحدّيات إقليمية ودولية كبيرة قد تُعيق التقدّم على طريق الإصلاح.

هل طرأ تحوّل في النظرة الأمريكية إلى تركيا؟ وهل تُرسل أنقرة قوات إلى العراق بناءً على لطلب واشنطن؟ وهل من تأثير لذلك في حال حدوثه على ملف العلاقة التركية مع الاتحاد الأوروبي الذي يُـسجّـل تقدّماً تركياً بارزاً مع إقرار البرلمان في 30 يوليو الماضي الرزمة السابعة من الإصلاحات السياسية؟ وكذلك على التنسيق القائم منذ بداية الأزمة العراقية، بين تركيا وسوريا التي شهدت محطة مهمة تمثلت في أول زيارة لرئيس حكومة سوري، محمد مصطفى ميرو إلى أنقرة منذ 17 عاماً؟

عناوين كثيرة تتصدر الساحة التركية، تخترقها أسئلة أكثر. فبعد أقل من ثلاثة أسابيع على حادثة السليمانية (4 يوليو) قام عبد الله غول، وزير الخارجية التركي بزيارة إلى واشنطن وُصفت نتائجها بالمهمة، نظراً لما قد تحمله في المرحلة المقبلة من تطورات على صعيد المسألة العراقية.

فها هو عبدالله غول يقول “إن العلاقات التركية ـ الأمريكية وُضعت على السكة، وأستطيع أن أقول إن الموضوعات التي خلقت توتراً تمّ تجاوزها وأصبحت وراءنا.

وها هو دونالد رامسفيلد يقول: “قد تحدث بعض الإشكالات في علاقاتنا من وقت إلى آخر، لكن هذه المرحلة أصبحت وراءنا ولننظر الآن إلى المستقبل”.

لماذا هذا التحوّل بعد أشهر من توتر شديد قارب حدّ القطيعة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن؟ يُـعيد معظم المراقبين ذلك أولاً إلى اقتناع أمريكا أن الحرب على الإرهاب غير ممكنة من دون تركيا التي تقع في قلب جغرافيا الإرهاب.

ثانياً إلى ضرورة التواصل لا الانقطاع مع تركيا لمنع استمرار التنسيق بين تركيا وكل من سوريا وإيران.

وثالثا، أن المصالح الأمريكية البعيدة المدى لا تتحمل انقطاعاً في العلاقة مع تركيا.

لا بديل عن تركيا؟

غير أن العامل الأهم الذي يقف خلق التحوّل الأمريكي هو المأزق الذي تجد الإدارة الأمريكية نفسها فيه في العراق بعد تصاعد عمليات المقاومة ضد جنودها ولجوئها حتى لتثبيت إندفاع المقاومة إلى عرض غير أخلاقي لجثتي عدي وقصي صدام حسين بعد ترميمها، وحاجة أمريكا لدول أخرى، مسلحة خصوصاً، لمساعدتها في العراق وتخفيف الأعباء عنها.

لذا، تقترح أمريكا، وتوافق تركيا من حيث المبدأ، أن ترسل تركيا قوات بالآلاف إلى العراق، لاسيما إلى مناطق المقاومة حيث الغلبة السنّية، وهي بالتحديد مثلث بغداد وسامراء وتكريت.

تلقّـت تركيا بارتياح هذا المطلب الأمريكي. فمراهنة أنقرة على عدم نشوب حرب بدونها قد سقطت وأسقطت معها الدور التركي في العراق، لاسيما في شماله. وها هي تركيا تجد في الطلب الأمريكي عودة من “النافذة” إلى العراق بعدما غادرته قسرا من الباب.

وتحقيق مثل هذا الطلب يسهم في ترميم العلاقات مع أمريكا ويعيد لتركيا وزنها وكلمتها في العراق على صعيد إعادة الإعمار وبناء السلطة السياسية. ولما كانت الحاجة الأمريكية لتركيا أكبر هذه المرة، فإن الأخيرة رفعت سقف مطالبها بأن يُعيّـن مساعدٌ تركي لبول بريمير، الحاكم الأمريكي للعراق، وآخر للجنرال جون أبي زيد مع إعادة النظر في تركيبة “مجلس الحكم” الانتقالي لضمان تمثيل أفضل للتركمان وإخراج من تعتبره تركيا معادياً لها (محمود عثمان الكردي).

يُـدرك الأتراك أن ما رفضوه أمس بسبب فقدان الشرعية الدولية، لا يمكن أن يوافقوا عليه للسبب نفسه. لذلك، تبحث حكومة رجب طيب أردوغان عن مخرج لإرسال قواتها في حال لم يكن ذلك تحت مظلة قرار جديد من الأمم المتحدة، أو حتى حلف شمال الأطلسي.

ومن هذه المخارج أن يكون إرسال القوات التركية بناء لدعوة من “مجلس الحكم” الانتقالي في العراق. لكن منذ الآن ترتفع أصوات المعارضة لإرسال القوات من دون قرار دولي من جانب رئيس الجمهورية والبرلمان (وهو من الحزب الحاكم)، وزعماء المعارضة ومن داخل حزب العدالة والتنمية نفسه، حتى لا تكون تركيا شريكة في الاحتلال، وفي مواجهة الشعب العراقي ومقاومته.

أي دور تريد أنقرة؟

غير أن تركيا ليست مُـستعجلة لحسم قرارها، وهي تنتظر ذلك خلال شهرين على الأقل (النصف الثاني من سبتمبر(عندما تنتهي عطلة البرلمان الصيفية Kوبعد أن يكون قادة الجيش التركي الجُـدد قد استلموا مهامّـهم في الأول من سبتمبر.

وغير بعيد عن “تفاهمات واشنطن”، أقرّ البرلمان التركي قانون “العودة إلى المنزل” أو قانون التوبة الذي يشمل عفواً عن مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين لم يتورّطوا في عمليات عسكرية ضد الدولة التركية.

أمل أنقرة، ووعدتها واشنطن أيضاً، أن يلي إصدار القانون تحرك عسكري مشترك، أمريكي- تركي، ضد عناصر الحزب الموجودة في شمال العراق، والتي ترفض الاستسلام. وبذلك، تتخلص أنقرة بصورة نهائية من البقايا العسكرية للأكراد والأتراك.

وهذه النقطة بالذات كانت إحدى القضايا الأساسية في محادثات رئيس الوزراء السوري محمد مصطفى ميرو في أنقرة، حيث وعد بأن لا تسمح سوريا لأي عنصر من حزب العمال الكردستاني بالدخول أو التسلل إلى سوريا من العراق، وعدم دعم سوريا لأي تنظيم معادٍ للدولة التركية.

التواصل التركي ـ الأمريكي الجديد حول العراق لن يعدم برأي البعض، وتأثيره على مسار العلاقة التركية بالاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة والذي يشهد تقدماً بارزاً.

ففي 30 يوليو الماضي، أقر البرلمان التركي رزمة مهمة من الإصلاحات التي تلحظ تراجع الحضور العسكري في الحياة السياسية، مثل التخفيف من صلاحية الأمين العام لمجلس الأمن القومي، وانعقاد المجلس مرة كل شهرين بدلاً من كل شهر، والرقابة على الإنفاق العسكري ومزيد من الحريات السياسية والفكرية لتكون الدولة التركية أكثر ديموقراطية ومدنية.

لكن الجميع يعترف بأن ملف العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ليس “صلاحياً” فقط، بل وثيق الصّـلة كذلك باتجاهات السياسة الخارجية التركية، ولاسيما تجاه اليونان وقبرص.

والآن، إذا تحوّلت السياسة التركية إزاء العراق عمّـا كانت عليه في اتجاه تجديد التعاون مع أمريكا من خارج الشرعية الدولية وخارج السياسة الخارجية لكل من فرنسا وألمانيا، فإن خطوات تركيا الأوروبية قد تواجه مصاعب عدة.

وفي خضمّ كل هذه العناوين والأسئلة، تشخص الأبصار في المرحلة المقبلة نحو أنقرة لترقب الاتجاه الذي ستسلكه رياح الخيارات التركية الكثيرة.

د. محمد نورالدين – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية