مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تقارب كردي في انتظار مستقبل ضبابي

مسعود البارزاني وجلال الطالباني في صورة التقطت لهما في 23 مايو 1992 في أربيل Keystone Archive

مرة أخرى يجتمع زعيما أهم الفصائل الكردية العراقية لتثبيت اتفاقات واشنطن ولإعطاء انطباع بوجود قدر كبير من التوافق في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة والعراق

لكن لقاء جلال الطالباني ومسعود البارزاني يؤشر لقلق وتوجس الأكراد العراقيين مما تخبؤه لهم الأيام بعد أن أفقدتهم تجارب مريرة الثقة في “الأجانب”.

الاجتماع الذي تم مؤخرا بين زعيمي الحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق جلال الطالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني) ومسعود البارزاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني) واتفاقهما على تنفيذ كل الاتفاقيات التي سبق ووُقّـعت في واشنطن وأنقرة لإنهاء العداء بينهما، يشير من بين جملة أمور إلى مدى التوجس الذي يعيشه الفريقان الكرديان الرئيسيان في كردستان العراق من التطورات التي تضمرها المرحلة القادمة فيما لو نفذت واشنطن هجومها على العراق، وهو ما يبدو محتوما.

فهؤلاء – كما هي باقي الأطراف العراقية والإقليمية – يجهلون الخطة الاميركية وأهدافها الحقيقية والترتيبات التي أعدتها هذه الخطة لمرحلة ما بعد النظام العراقي الحالي، وما هو دور الأكراد وموقعهم ومصير الكيان الذي بات مقصورا من جانبهم على “الفدرالي” وليس الاستقلال الذي يشكل حلمهم الأكبر غير القابل للتنفيذ على المدى المنظور.

“كـردسـتـانــان” في شمال العراق

عاش أكراد العراق منذ انسحاب الحكومة المركزية من مناطقهم اثر التحاقهم بالانتفاضة الشعبية عام 1991 وحتى الآن في وضع مثالي بالنسبة لهم، تمتعوا فيه بالحرية وبقدر كبير من التعددية السياسية في ظل هيمنة الحزبين الكبيرين سالفي الذكر، باستثناء أشهر القتال بينهما عام 1996 .

ففي ذلك الحين دخلت القوات العراقية إلى جانب الحزب الديمقراطي في حربه ضد الاتحاد الوطني على خلفية صراع النفوذ الجغرافي والاستحواذ على المداخيل المالية المتأتية من رسوم الجمارك على الحدود مع تركيا فضلا عن أسباب عميقة ومتجذّرة للخلاف بينهما لا يتسع هالمجال لسردها. ومنذ ذلك الحين اصبح في كرستان العراق حكومتان وبرلمانان ومنطقتا نفوذ.

بمعنى آخر فان كردستان العراق تحولت الى “كردستانين”، الا ان الاوضاع ظلت هادئة عموما رغم عدم تنفيذ الاتفاقات التي ابرمها الحزبان برعاية اميركية تارة وتركية تارة اخرى لحل ملفات الخلاف واعادة توحيد الاجهزة الحكومية.

والى جانب الحزبين الكرديين الرئيسيين في شمال العراق توجد أحزاب وتنظيمات كردية أخرى على تنسيق وتفاهم مع الحزبين الاكبر، أبرزها التنظيمات الاسلامية التي ظهرت خلال الثمانينات بدعم إيراني وسعودي مشترك رغم ما كان يشوب العلاقات الايرانية السعودية آنذاك من سوء.

ومن هذه التنظيمات الاسلامية، آنبثق مؤخرا تنظيم اتّـهم بعلاقة مع تنظيم القاعدة ودخل في اشتباكات مع قوات الطالباني في محافظة السليمانية قرب الحدود الايرانية، حيث توجد مناطق نفوذ الاسلاميين الاكراد.

تأرجح .. ومـدّ .. وجـزر

العلاقات الاقليمية للأكراد العراقيين – وأعني الحزبين المهيمنين على الساحة السياسية الكردية – شهدت الكثير من التأرجح والمدّ والجزر خلال العقود الأخيرة بل إن خارطة تحالفات هذين الحزبين مع القوى الاقليمية تغيرت عدة مرات.

فتارة تدخل علاقة الطالباني بتركيا في مرحلة حميمة مقابل توتر بين البارزاني وأنقرة.. لتعود الصورة في مرحلة لاحقة إلى الانقلاب وتبادل الأدوار. وقد ارتكز السبب الرئيسي للخلافات مع تركيا دائما الى امرين. يتمثل الأول في وجود قوات تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي في شمال العراق. ويرتبط الثاني بالتدخل التركي في شؤون المنطقة من خلال دعم تنظيمات تركمانية قومية عراقية. وهو امر يخلق للأكراد هواجس من أن تكون الورقة التركمانية أداة للتدخل التركي في المنطقة في المرحلة القادمة.

وتتراوح تقديرات تركمان العراق بين خمس مائة ألف نسمة حسب مصادر الأكراد العراقيين ومليوني نسمة حسب مصادر التركمان أنفسهم، فيما يتوقع أن يتراوح العدد الحقيقي بين مليون ومليون وخمس مائة ألف شخص. ويقطن غالبية هؤلاء محافظتي كركوك والموصل الخاضعتين للسلطة المركزية الان، ويعتبرون الأولى عاصمة لهم فيما ينكر عليهم الأكراد ذلك ويعتبرون كركوك مدينة كردية مما يرشح هذا الموضوع إلى التحول إلى مادة نزاع محتمل في المستقبل.

بين تركيا وإيران

ويشعر الأكراد بالريبة من طموحات تركية في شمال العراق في ظل تجدد الإشارات داخل تركيا إلى ما يسمونه “الحق التاريخي في ولاية الموصل” التي يرونها جزءا تاريخيا من تركيا العثمانية. وفي المقابل يتوجس الاتراك من “نوايا” أكراد العراق لإقامة كيان مستقل من خلال استغلال ظروف الاضطراب الذي يصاحب أو يخلف الهجوم الأمريكي المزمع.

ولا يبدد هذه المخاوف لدى أنقرة كل التأكيدات التي يعلنها زعماء أكراد العراق بعدم وجود مثل هذه النوايا في ظل ظروف إقليمية ودولية تجعل هذا الأمر مستحيلا على المدى المنظور على الأقل.

فضلا عن أن تجربة السنوات الأحد عشر الماضية أثبتت للأكراد أن حياتهم ضمن بلد كبير هو العراق أفضل لهم من الانزواء في بقعة صغيرة محاصرة من عدة دول شرط أن يقوم في بغداد نظام ديمقراطي عادل يعطي للأكراد كامل حقوقهم ويعترف بهم كقومية ثانية في هذا البلد.

علاقات الأكراد مع إيران كانت متقلبة لكنها أقل توترا من علاقتهم مع تركيا كون إيران لا تعاني داخلها مشكلة كردية حادة رغم وجود عدة ملايين من الأكراد الإيرانيين المتمتعين بحقوق مقبولة.

وقد كانت العلاقات بين الجانبين “الكردي العراقي” والإيراني وثيقة خلال الحرب العراقية الايرانية (1980-1988) واستمرت على حالها بعد ذلك باستثناء بعض فترات التوتر خصوصا في العام 1996 حينما اتهم البارزاني إيران بمساندة الطالباني عسكريا مقابل قواته المدعومة من الجيش العراقي.

مخاوف

يخاف الأكراد العراقيون اليوم من المستقبل وما يضمره. يخافون أن يخسروا ما تمتعوا به من حرية وازدهار سياسي واقتصادي خلال اكثر من عقد من الزمان. يخافون من نوايا تركية للتدخل في شؤون منطقتهم في المستقبل .. ومن نظام مركزي قادم ما زال مجهول المعالم.

بل يخافون أن يشاركوا في العمليات المزمعة ولا تؤدي إلى إزالة نظام صدام حسين فيعود إلى الانتقام منهم كما فعل في مرات سابقة. وحتى لو أزيل النظام القائم في بغداد، يخشى الأكراد أن تتخلى عنهم واشنطن كما فعلت من قبل .

لهذه الأسباب وغيرها، كان اجتماع الزعيمين الكرديين جلال الطالباني ومسعود البارزاني أكثر جدية هذه المرة خصوصا وان البارزاني هو الذي ذهب إلى الطالباني في السليمانية وسيعود البرلمان الموحد إلى الانعقاد وربما تتبعه خطوات أخرى لتسوية الخلافات العميقة أو تجميدها إلى أمد بعيد.

سالم مشكور – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية