مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جبر خواطر.. أم تهييج مواجع؟

لازال باب عضوية مجلس التعاون الخليجي مغلقاً أمام اليمن swissinfo.ch

الانطباع الذي خلفته زيارة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لصنعاء، هو أن اليمن مازال محكوماً عليه بالبقاء خارج البوابة الخليجية.

ورغم أن الزيارة كانت ترمي إلى جبر خواطر اليمنيين بعد تجاهلهم في قمة المنامة الأخيرة، إلا أنها في الواقع لم تنجح إلا في تهييج مواجعهم.

أظهرت نتائج ومحاور المباحثات التي دارت بين المسؤولين اليمنيين وأمين عام مجلس التعاون الخليجي – في زيارته الأولى الأسبوع الماضي إلى اليمن منذ قبول الأخير في بعض هيئات المجلس في قمة مسقط عام 2001 – أظهرت أن لكل طرف حساباته وأجندته الخاصة.

فمن جانب، تتطلع صنعاء إلى عضوية كاملة في هذا التجمع الإقليمي، حتى وإن جاءت على مراحل مُـجدولة زمنيا. وفي المقابل، فإن أمانة المجلس لها أجندتها الخاصة التي تعبر في واقع الأمر عن مواقف أعضائه الستة المتنوعة، والتي تتراوح بين الغائمة، كما هو الشأن مع السعودية والإمارات، أو مؤيدة كقطر، أو مترددة كما الحال مع البحرين وسلطنة عمان، أو رافضة لانضمام اليمن جملة وتفصيلاً، كما هو الحال بالنسبة للكويت.

وبالتالي، جاءت زيارة السيد عبدالرحمن بن حمد العطية إلى اليمن حاملة معها كل هذا الخليط من المواقف المتضاربة، التي لم تنفصل يوماً عن الإرهاصات المتبلورة في استمرار منذ قبول اليمن في بعض هيئات المجلس (وهي هيئات الصحة، ودورة كأس الخليج، والعمل، والشؤون الاجتماعية).

فبعض مواقف دول المجلس اتسمت منذ ذلك الحين بعدم الوضوح والشفافية إزاء اليمن، مما ألقى بمزيد من الغموض على مستقبل عضويته في النادي الخليجي، لاسيما وان الفترة الماضية عرفت تطورات مثيرة حملتها تصريحات مسؤولين في دول المجلس، كتصريح وزير الإعلام الإمارتي، ووزير الداخلية السعودي، العام الماضي.

قمة المنامة عمقت الخيبة اليمنية

وعرفت القضية تطورا أكثر إحباطا للأماني اليمنية مع إغفال قمة المنامة، التي انعقدت في ديسمبر الماضي، أي ذكر لوضع اليمن في المجلس، بل عارضت ثلاث دول انضمامه، من بينها سلطنة عمان التي ظلت صنعاء تُـراهن على موقفها الداعم، لكنها خيّـبت أمالها عندما كانت الأكثر إلحاحا على تجنّـب الإشارة إلى هذا البند في البيان الختامي لقمة المنامة.

وفي هذا الخضم، جاءت زيارة السيد العطية لتزيد من قطع أوصال الرجاء اليمني، الذي كان يعمل على تعجيل عضويته.

فالسيد العطية حمل معه مشروعا لا يفك شفرة الغموض والتردد الذي يلف موقف بلدان المجلس حيال موقع اليمن، وذلك طبقا لما عبّـر عنه مسؤول يمني رفيع المستوى لسويس انفو آثر عدم الإشارة إلي أسمه، إذ أن المشروع الذي حمله العطية لم يكن في مستوى مداواة تبرم المسؤولين اليمنيين من بُـطء الخطوات المنجزة في سبيل إدماجه بهذا التجمع الإقليمي، وإنما زاد من شعورهم بالخيبة التي لم تبارحهم منذ عام 1996، عندما تقدمت صنعاء بطلب الانضمام للمجلس.

وفي هذا الإطار، قال السفير أحمد كلز، رئيس دائرة الخليج والجزيرة العربية بوزارة الخارجية اليمنية لسويس انفو “من المعروف أن قمة مسقط أسفرت فقط عن قبول اليمن في أربع هيئات من هيئات المجلس، ولم تقبل عضوا كاملا ، بعدما شكلت لجنة من الأمانة العامة ومن الجانب اليمني أنيط بها النظر في التشريعات ومواءمتها بُـغية السير في طريق التقارب بين دول التجمع، لكن الخطوات المقطوعة لم تكن مُـرضية واعتُـبرت تسويفا.

ثم أنه في القمة الأخيرة بالمنامة، لم يشر إلى هذا الموضوع، وبدا أن هناك موقفا ضدّ انضمام اليمن، فبادروا إلى إيفاد الأمين العام بُـغية تفعيل اللجنة اليمنية الخليجية، وقد أسفرت المباحثات عن اتفاق على استئناف اللجنة لعملها على أن تنتهي منه خلال سقف زمني حدد بـ 60 يوما ابتداء من ابريل المقبل”.

إبقاء اليمن بعيدا عن البوابة الخليجية

وعن الجديد في الأمر قال كلز “حمل الأمين العام مقترحا جديدا هو إنشاء منطقة حرة بين اليمن ودول المجلس، وهذا المقترح بطبيعة الحال لا يستقيم مع مطلب العضوية الكاملة لليمن، ناهيك عن كونه سيُـعزز من حضور السلع والمنتجات الخليجية في السوق اليمنية، مما سيُـلحق أضرار كبيرة بالمنتجات اليمنية نتيجة لانعدام تكافُـئ فُـرص المنافسة بين الجانبين. ولهذا، اشترط الجانب اليمني تشكيل صندوق لتعويض المتضررين، خاصة الجانب اليمني الذي مازال يعتمد بدرجة أساسية على العوائد الجمركية، وصناعته الناشئة، لكن الطلب اليمني لم يحظَ بعد بالقبول”.

ويرى المراقبون في المقترح المقدم من أمين عام المجلس، تبدلا واضحا في الموقف من مسألة التعجيل بانضمام اليمن، ويحمل رؤية جديدة تفسّـر التردد والغموض اللذين ظلا يلفان تعاطي دول المجلس مع عضوية اليمن.

وحسب هؤلاء، فإن الحسم المنتظر لمسألة وضع اليمن بدأ يتبلور في اتجاه آخر غير الذي يُـعوّل عليه اليمنيون، وحتى غير التي تفرضها مقتضيات العصر، حيث الاتجاه الحالي في ظل العولمة، يدفع إلى التكتلات الإقليمية.

لكن فيما يبدو، فإن الرؤيةالسائدة، والتي بدأت معالمها تتضح في مقترح الأمين العام، تروم إلى إبقاء اليمن بعيدا عن البوابة الخليجية، وربما بمسافة أكبر مما كان متوقعا، لأن مسألة إقامة منطقة تجارة حرة مع اليمن كطرف مقابل لتكتل دول المجلس، ينطوي صراحة على تلمس بدائل أخرى لعلاقة اليمن بالمجلس، وإشارة صريحة على أن اليمن مازال بعيدا عن تطلعاته.

زيادة على ذلك، نقلت أوساط عليمة بما دار خلال المباحثات بين الطرفينن أن أمين عام مجلس التعاون عبّـر عن استيائه لما نقلته عنه وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”، التي نسبت إليه قوله إنه جاء إلى اليمن لبحث سُـبل الشراكة بين المجلس واليمن، وطالب باستدراك الأمر واستبدال كلمة “التعاون” بالشراكة، وهو ما يحمل أكثر من دلالة في نظر تلك الأوساط، التي قرأت فيه ضغوطاً متزايدة على أمانة المجلس بشأن تقرير مصير وتحديد وجهة العلاقة بين الطرفين.

لم تُجبر الخواطر!

المتابعون لمسار تطورات هذا الملف لا يخفون حيرتهم إزاء ما يُـحيط به من تطورات من حين لآخر، ويجدون أنفسهم عاجزين عن تقديم إجابات منطقية لما يجري. فقد كان يُفـترض، حسب ما يطرحه هؤلاء، أن تتخلص الحساسيات العربية – العربية من الترسبات الماضية وتدخل الحقبة الجديدة برؤية أكثر عقلانية، خاصة مع طبيعة التحديات المطروحة على المنطقة والتي تدفع دفعاً إلى البحث عن مسار جديد للتكامل.

لكن على ما يبدو، فإن كل دولة من دول المجلس لها حساباتها الخاصة بها، التي تتعارض حتى مع التكتل الخليجي نفسه، خاصة بعد أن عمدت كل بلد إلى توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بصفة منفردة مع الولايات المتحدة، كما هو الحال مع البحرين وقطر، والإمارات على الطريق، وربما لاحقا الرياض نفسها التي احتجّـت على المنامة توقيعها الاتفاقية مع واشنطن.

والخلاصة أن زيارة السيد عبدالرحمن بن حمد العطية، أمين عام مجلس التعاون، التي قيل إن الهدف منها جَـبر خواطر، لا يبدو أنها جبَـرت بخاطر اليمنيين بقدر ما هيّـجت مواجعهم وأرجأت دخولهم إلى النادي الخليجي.

عبد الكريم سلام – صنعاء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية