مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حدود التنافس المصري السعودي

Keystone

أثارت الانتقادات التي وجهها الرئيس مبارك للسياسة الأمريكية في خطابه بمناسبة يوم العمال، تساؤلات عدة حول حقيقة الموقف المصري ليس تجاه الولايات المتحدة، وإنما تجاه الدور السعودي في عملية السلام.

وتجلت آخر التطورات في الجهد الذي قام به ولي العهد الأمير عبد الله أثناء زيارته الأخيرة الى الولايات المتحدة، وإقناعه الرئيس الامريكي بوش بالتدخل الجاد لدفع حكومة شارون بالانسحاب من الأراضي الخاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية ورفع الحصار عن الرئيس الفلسطيني عرفات، وهو ما تم بالفعل، في الوقت الذي تبدو فيه مؤشرات على عمل دولي تقوده الولايات المتحدة لإيجاد حل ما للقضية الفلسطينية، يمزج بين المبادرة العربية للسلام، والأفكار السعودية التي قدمت للرئيس بوش، والمقولات الأمريكية حول ضرورة قيام دولة فلسطينية.

وكان ابرز هذه التساؤلات ما يتعلق بوجود أو عدم وجود “مرارة مصرية” لتجاوب الرئيس بوش مع المطالب السعودية، والى أي مدى يعكس هذا التجاوب الأمريكي مع المطالب السعودية قدرا من التهميش للدور المصري في عملية التسوية السياسية، وما هي الخيارات التي سوف تتبعها السياسة المصرية لاستعادة هذا الدور؟ والظاهر من كل هذه التساؤلات وغيرها أنها قائمة على انطباع ما، بأن العلاقات المصرية السعودية تواجه مرحلة حرجة، أو أنها تعيش أزمة صامته أو هناك تنافسا خفيا بين البلدين، ولكنه ظهر على السطح مؤخرا، حول من يمسك بتلابيب عملية السلام.

الانطباع الخاطئ

ويمكن القول إن مثل هذا الانطباع القائل بأن من يعمل شيئا من العرب لصالح القضية الفلسطينية هو خصم من الدور المصري، له ما يبرره ظاهريا، ولكنه غير ذي موضوع في الواقع، على الأقل بمقاييس المرحلة الراهنة.

والتبرير الظاهري يمكن تفسيره في ضوء تركيز السياسة المصرية الشديد على القضية الفلسطينية واعتبارها تقريبا حجر الزاوية في سياستها الخارجية، وذلك استنادا إلى أن مصر كانت الدولة الرائدة في التعامل السياسي السلمي مع إسرائيل منذ 1977 والدولة العربية الأولى التي وقعت معاهدة سلام مع الكيان العبري مارس 1979.

ومعروف طبعا أن الحديث عن تهميش مصر إقليميا أثير من قبل في مناسبات عديدة، وثبت انه حديث لا معنى له، بدليل أن الدور مستمر ويأخذ أشكالا عدة حسب الظروف والتطورات، وأيضا لأن الأدوار الإقليمية لطرف ما بحجم مصر أو السعودية أو غيرهما لا تتحدد بتمنيات هذا الطرف أو ذاك ، إنما تتحدد وفقا لمزيج من المعطيات المادية والمعنوية التي تُبنى وتتراكم عبر الزمن.

انتقادات لأمريكا وليست للسعودية

الشيء الثاني الذي يستحق الانتباه هنا أن انتقادات الرئيس مبارك التي أثارت حديث التنافس المصري السعودي ، توجهت بالأساس الى السياسة الأمريكية ولم تكن موجهة قط الى السعودية او الى مبادرتها أو الى زيارة الأمير عبد الله ولقائه مع الرئيس بوش، او الى “فكرة بوش” حول رفع الحصار عن الرئيس عرفات مقابل سجن المتهمين الأربعة بمقتل الوزير اليميني زئيفي تحت حراسة أمريكية بريطانية مشتركة. فالانتقادات المصرية ليست جديدة ويزخر بها الإعلام المصري وكذلك الإعلام السعودي بنصها وروحها منذ فترة طويلة، ويمكن وصفها بأنها انتقادات مصرية بروح عربية وإسلامية صميمة.

ومن أبرز عبارات مبارك التي أوضحها في خطاب الأول من مايو: قوله “على الرغم من التأكيدات التي صدرت عن أقطاب مختلفة بأن الحملة ضد الإرهاب ليست ضد العرب والمسلمين، ومن رفضنا القاطع لتوصيف أحداث 11 سبتمبر في إطار صراع الحضارات، فقد أظهرت تداعيات هذه الحملة واقعا جديدا يناقض تماما جميع التأكيدات التي سارع الجميع من خلالها طمأنة العالمين العربي والإسلامي، إذ كان من المتوقع أن يتحول الجهد الدولي الى تسويات عادلة ومنصفة للمشكلات السياسية القائمة في إطار من احترام الشرعية الدولية واحتراق حقوق الإنسان .. إلا أن ما حدث بالفعل هو تغيير مفاجئ في مسار الحرب ضد الإرهاب .. ترتب عليه توجيه الحملة بهدف تحقيق مكاسب سياسية لإسرائيل على حساب المصالح العربية والإسلامية، واستخدام هذه الحملة للقضاء على المقاومة الفلسطينية الشرعية للاحتلال الإسرائيلي”.

خدمة للمسعى السعودي

ومثل هذا النقد يصب في خدمة المسعى السعودي لدى الولايات المتحدة، لأنه على الأقل يبرز الرؤية العربية الرسمية غير الراضية بحق عن السياسة الأمريكية تجاه القضايا العربية. ومن يتابع أداء المباحثات السعودية الأمريكية إبان زيارة ولي العهد الأخيرة يتضح له أن جوهر رسالة الأمير عبد الله للرئيس بوش قام على أساس أن العرب مستاءون من الانحياز الأمريكي الفاضح لإسرائيل وتبنى كل مقولات شارون غير المنطقية، ومستاءون أيضا من عدم فهم الولايات المتحدة للظروف العربية، ومستاءون ثالثا من عدم وجود اي جدية أمريكية للقيام بوعودها لايجاد تسوية قابلة للحياة وقائمة على الشرعية الدولية.

ومعنى ما سبق ان انتقادات مبارك هي تأكيد للرسالة السعودية، وليس العكس، وكأننا أمام نوع من التنسيق المصري السعودي لممارسة ضغط مستمر على السياسة الأمريكية حتى تفيق من “غيبوبتها السياسية”، وأن تعيد النظر في سياستها تجاه القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

دوران متكاملان

ووفقا للمصادر السعودية، وبعد العودة من الولايات المتحدة، فإن الخطوة القادمة والتي تقوم على أساس التنسيق مع أو الضغط على عرفات تتطلب لقاءات عربية، يرجح ان تعقد بالقاهرة، أو عمان، أو كليهما بالتبادل. ولم يقل هؤلاء المسئولون السعوديون ان هذه اللقاءات العربية ستكون حكرا على الرياض مثلا.

والمعنى الظاهر هنا ان الخطوات التي بدأتها السعودية تتطلب إضافات عربية أخرى، لان الجميع يدرك انه لا يستطيع وحده تحمل مسئولية القضية الفلسطينية، ولا يستطيع ان يتحمل مسؤولية اللعب منفردا مع الولايات المتحدة، حتى ولو كانت له بعض الحظوة أو التقدير في أروقة واشنطن المعقدة والملتبسة والمسكونة باللوبي اليهودي الصهيوني في جوانبها، والتي أثبتت ـ أي واشنطن ـ دوما أنها لا تعير أحدا من العرب الاهتمام المناسب إلا إذا كان قادرا على التجاوب مع المصالح الأمريكية، وكل من مصر والسعودية يقدران على ذلك كل بطريقته ومنهجه في الوقت نفسه لا يمكن لأحدهما أن يكون البديل الكامل عن الآخر.

ولكن يبقى أن مصر عليها أن تظهر قدرا اكبر من التوازن في سياستها الخارجية، وان يتعامل إعلامها بقدر أكبر من الحكمة مع مضمون الدور الإقليمي لمصر، حتى لا تبدو هذه القضية محل التساؤل بين الحين والأخر.

د. حسن ابوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية