مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حـالـة الاتـحاد وحالة الـرئـيس

عشية خطاب الرئيس الأمريكي حول حالة الاتحاد (الذي ألقاه يوم 31 يناير 2006 في واشنطن)، كشفت استطلاعات الرأي أن 56% من أبناء شعبه لا يوافقون على أسلوب إدارته لشؤون البلاد، وهي أعلى نسبة عدم رضاء عن أداء الرئيس منذ عهد نيكسون Keystone

لم تغب الحرب على الإرهاب عن الخطاب السنوي للرئيس الامريكي حول حالة الاتحاد. كما لم يستطع بوش إخفاء ضعف حالته أمام شعبه، وهو ضعف أكدته أحدث استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة.

سويس انفو التقت بخبيرتين من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمعهد العربي الأمريكي في واشنطن لتحليل ما ورد في خطاب بوش عن العالم العربي.

أكد الرئيس بوش في خطابه عن حالة الاتحاد الأمريكي ليلة الثلاثاء 31 يناير الماضي ما يتمتع به ذلك الاتحاد من قوة تمكنه من قيادة العالم وأخذ زمام المبادرة في نشر الحرية والديمقراطية كوسيلة أساسية لتوفير بديل عن ثقافة العنف والكراهية التي ينتعش فيها الإرهاب ويهدد الأمن القومي الأمريكي.

لكن الرئيس بوش لم يستطع إخفاء ضعف حالته أمام الشعب الأمريكي حيث أظهرت أحدث استطلاعات الرأي العام عشية الخطاب أن نسبة من لا يوافقون على الطريقة التي يدير بها الرئيس بوش شؤون البلاد كرئيس 56% من أبناء الشعب الأمريكي وهي أعلى نسبة عدم رضاء عن أداء الرئيس منذ عهد الرئيس نيكسون.

كما أظهرت تلك الاستطلاعات أن نسبة من يرغبون في تغيير توجه الولايات المتحدة بعيدا عن وجهة الرئيس بوش وباتجاه الديمقراطيين بلغت 51%.

وكانت أكبر نقطة ضعف في تقييم حالة الرئيس هي أن 64% من الأمريكيين أعربوا عن اعتقادهم بأن الولايات المتحدة أصبحت أقل أمنا في مواجهة الإرهاب بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل بدء الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد هجمات سبتمبر 2001. لذلك لم يكن غريبا أن يركز الرئيس بوش في خطابه عن حالة الاتحاد على قضية الحرب على الإرهاب، فكرر النغمة القائلة بأن القمع والدكتاتورية تغذيان الراديكالية والإرهاب، وأن كل خطوة نحو الحرية والديمقراطية في العالم تقرب الولايات المتحدة إلى الأمن والأمان.

ولذلك أيضا كـرر الرئيس بوش القول بأن الحرب على الإرهاب تقتضي القضاء على ثقافة الكراهية والعنف من خلال توفير الحياة الكريمة والإصلاح الديمقراطي وسيادة القانون والشفافية، وأن الولايات المتحدة ستواصل جهودها لنشر الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير بعد أن كتبت صفحة جديدة في تاريخ التحول الديمقراطي في كل من أفغانستان والعراق التي خطت من الدكتاتورية إلى الانتخابات ووضع دستور جديد للبلاد.

“طنطنة خطابية”

وأعلن الرئيس بوش في خطابه تصميمه على مواصلة المهمة في العراق حتى تحقيق النصر. وقال إنه كلما تمكنت القوات العراقية من تولي زمام القيادة بنفسها، كلما أمكن تقليل حجم القوات الأمريكية في العراق، ولكن ذلك لن يتحقق بضغوط من الساسة في واشنطن.

وأكد أن أي انسحاب مفاجئ من العراق سيضع بن لادن والظواهري في موقع المسؤولية في هذا البلد المهم استراتيجيا. وقد أعرب زعماء الحزب الديمقراطي عن اعتقادهم بأن ما ردده الرئيس من طنطنة خطابية عن مواصلة المهمة في العراق دون تقديم استراتيجية واضحة المعالم يعد امتدادا للإخفاق على أرض الواقع في العراق، ومواصلة من الرئيس لرفض الاعتراف بالخطأ في التخطيط للحرب وتبعات ما بعد الحرب ناهيك عن عدم وجود مبرر مقنع لشن تلك الحرب واستنزاف الموارد الأمريكية دون طائل.

وانتهز الرئيس بوش فرصة خطابه عن حالة الاتحاد لتوجيه عدة مطالب لعدد من الأطراف العربية والشرق أوسطية، فطلب من قادة حماس بعد أن فازت حركتهم بالانتخابات التشريعية نبذ العنف والإرهاب وإلقاء السلاح والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والعمل على إيجاد سلام دائم، وطالب النظامين المصري والسعودي بمزيد من التحول نحو الديمقراطية والانفتاح السياسي.

وقال إن سوريا وإيران بحاجة إلى الديمقراطية والحرية وطالب المجتمع الدولي بالعمل على الحيلولة دون امتلاك إيران أسلحة نووية، واتهم بأن قلة من رجال الدين غير المنتخبين أخذوا إيران رهينة وواصلت تحت قيادتهم دعم الإرهاب في لبنان وأراضي السلطة الفلسطينية.

نشر الحرية بعيدا عن الإسلاميين

استطلعت سويس إنفو آراء الخبراء في “مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي” و”المعهد العربي الأمريكي” في واشنطن فيما انطوى عليه الخطاب بالنسبة للعالم العربي، فقالت الدكتورة مارينا أوتاوي، كبيرة الخبراء بمؤسسة كارنيجي، إن المدقق في كلمات الرئيس بوش عن نشر الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير سيرصد تغييرا مستترا أراد به إعادة تعريف الديمقراطية في المنطقة من منظور أمريكي بعد أن أظهرت الانتخابات في مصر والعراق وفلسطين أن الإسلاميين أصبحوا البديل الشرعي الوحيد للأنظمة الاستبدادية الفاسدة.

فمع أن الرئيس بوش أعاد التأكيد على الالتزام الأمريكي بنشر الحرية والديمقراطية في المنطقة، فإنه أكد أيضا أنها لن تكون مطابقة لما هي عليه في الولايات المتحدة، وترك بذلك الباب مفتوحا أمام تفسيرات واشنطن لما يمكن أن تكون عليه الديمقراطية في العالم العربي.

وتوقعت الدكتورة أوتاوي أنه بعد نجاح الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشعب المصري، وقائمة التحالف الشيعي في الانتخابات العراقية، ثم النجاح الباهر لحركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، ستنتهج الولايات المتحدة أسلوبا بالغ الحذر فيما يتعلق بضغوطها السابقة من أجل الشروع في إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن خاصة الانتخابات العامة لأنه أصبح واضحا أنه عندما تنطلق الدعوة إلى الديمقراطية في المنطقة، فإن أول من يلبي النداء هم الإسلاميون الذين يفوزون في الانتخابات مما أصبح يشكل مصدر قلق بالغ للولايات المتحدة.

بوش وحماس..

أما السيدة كريستين ناظر، مسؤولة الإعلام في المعهد العربي الأمريكي، فأعربت عن تفاؤلها بإعادة تأكيد الرئيس بوش على الالتزام الأمريكي بنشر الحرية والديمقراطية في العالم العربي، ولكنها انتقدت الشروط التي وضعها الرئيس بوش للتعامل مع حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية.

ونبهت إلى ضرورة عدم وقف المساعدات المقدمة للفلسطينيين لأن من شأن تلك المساعدات أن تسهم في دعم وتشجيع التوجه الديمقراطي في أراضي السلطة الفلسطينية.

وأعربت المسؤولة بالمعهد العربي الأمريكي عن اعتقادها بأنه يجب ألا تقع إدارة الرئيس بوش في مطب التعبير بشكل أو بآخر عن عدم رضائها عن نتائج أسفرت عنها انتخابات حرة، وأن تحاول بدلا من ذلك مساندة المعتدلين ومساعدتهم على أن يقودوا التحول الديمقراطي من الداخل وليس بضغوط من الخارج.

واتفقت الدكتورة مارينا اوتاوي من مؤسسة كارنيجي مع هذا التحليل وقالت:

“أعتقد أن إدارة الرئيس بوش وضعت نفسها في موقف شائك حينما أعلنت أنها لن تتعامل مع حماس حتى تعترف بإسرائيل ثم عاد الرئيس بوش ليجعل الموقف أكثر سوءا حينما أعلن أنه لن يمكن للولايات المتحدة أن تساند السلطة الفلسطينية إذا أصبحت تحت سيطرة حماس. فإذا التزمت واشنطن بذلك الموقف، فإنها ستدفع حماس إلى تمويل احتياجات السلطة الفلسطينية من مصدر آخر غير المساعدات الأمريكية والأوروبية، وسيأتي التمويل عندئذ إما من المملكة العربية السعودية أو من إيران، ولن ترضى واشنطن عن الخيار الإيراني.”

رسائل بوش لمبارك وعبد الله

وتطرقت الدكتورة مارينا أوتاوي إلى الربط الذي أعاد الرئيس بوش التأكيد عليه في الخطاب بين نشر الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير، وبين توفير الأمن للأمريكيين من خلال دعم التحول الديمقراطي في العالم العربي بهدف استئصال جذور التطرف الناتج من القمع والإحباط، فأشارت إلى الرسالة الموجزة التي تضمنها الخطاب إلى الرئيس المصري حسني مبارك بضرورة توفير مناخ سلمي يسمح بمشاركة المعارضين السياسيين حتى لا تدفع بهم الحكومة المصرية إلى هاوية التطرف، وهى إشارة إلى قضية المعارض الليبرالي أيمن نور الذي زجت به السلطات المصرية إلى غياهب السجون بعد أن كان المنافس الرئيسي للرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية.

لكن الخبيرة الأمريكية حذرت من الأسلوب الأمريكي المتبع في دعم الليبراليين في العالم العربي بالتركيز على أسماء معينة تحظى باهتمام علني أمريكي سرعان ما يجعلهم نهبا للاتهامات بالعمالة للولايات المتحدة سواء من الأنظمة الحاكمة أو حتى في أوساط المثقفين العرب.

أما السيدة كريستين ناظر، مسؤولة الإعلام بالمعهد العربي الأمريكي، فعلقت على الرسالتين اللتين وجههما الرئيس بوش إلى كل من النظام المصري والنظام السعودي فقالت:

“لا يكفي فقط إصدار تصريحات وإنما ينبغي أن تتبع وزارة الخارجية الأقوال الأمريكية بالأفعال وليس بمجرد إرسال مسؤولة الدبلوماسية العامة كارين هيوز في رحلة علاقات عامة إلى مصر والسعودية. فمثلا في حالة مصر ينبغي التأكيد على ضرورة أن تكون أي انتخابات قادمة أكثر نزاهة وتوازنا، وأن تتوفر المنافسة الشريفة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، وأن تتخلى الحكومة المصرية عن سياسة ملاحقة المعارضين السياسيين وسجنهم كما فعلت مع الدكتور أيمن نور. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية يجب على إدارة الرئيس بوش أن تشجع الحكومة السعودية على إتاحة الحريات الشخصية المتفق عليها مثل حرية العقيدة وحرية التعبير والتوقف عن سجن من تراهم السلطات السعودية منشقين بينما هم مواطنون عاديون يطالبون بحرياتهم الأساسية.”

“نصـيحة لـبوش”

وطلبت سويس إنفو من الدكتورة أوتاوي أن تقدم نصيحة للرئيس بوش للتعامل مع حقيقة أن الأنظمة العربية التي همشت المعارضة العلمانية والليبرالية أسهمت في بروز حقيقة على أرض الواقع السياسي العربي تتمثل في أن أي انتخابات حرة في أي بلد عربي سرعان ما تظهر أن الإسلاميين يشكلون البديل الشرعي الوحيد لأنظمة استبدادية غير منتخبة فقالت:

“على إدارة الرئيس بوش وهي تسعى لتأكيد التزامها بنشر الديمقراطية وإظهار احترامها لإرادة الشعوب العربية في اختيار ممثليها، أن تتخلى عن مخاوفها من الإصلاحيين الذين ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، وأن تشرع في تفهم المنظمات الإسلامية المختلفة مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر وامتداداتها في عدد من الدول العربية الأخرى، فقد وجدنا من خلال دراسات عديدة في مؤسسة كارنيجي أن هناك داخل كل منظمة من تلك المنظمات إصلاحيون إسلاميون قبلوا بفكرة أن أفضل طريقة لتغيير الأوضاع الفاسدة القائمة في الدول العربية هي العمل من خلال عملية سياسية ديمقراطية، وأن هناك دائما جناح داخل معظم هذه المنظمات يدفع بالفعل باتجاه التحول الديمقراطي ويؤمن بقيمة الديمقراطية ومستعد للقبول بالتنازلات اللازمة للعمل الديمقراطي.”

وخلصت الخبيرة الأمريكية إلى أنه يتعين على إدارة الرئيس بوش أن تتجنب اتخاذ مواقف كتلك التي اتخذتها بمجرد الإعلان عن فوز حماس بالانتخابات التشريعية لأن من شأن تلك المواقف أن تقوي شوكة المتشددين والمتطرفين الإسلاميين الذين سيقولون للإصلاحيين: “لقد حذرناكم من أن الولايات المتحدة لا تعني ما تقول حينما تدعي أنها تشجع الديمقراطية عن طريق صناديق الانتخابات وستتدخل إذا لم تعجبها النتائج”.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية