مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خرجن بحثا عن عمل… فتحولن رقيقا ابيضا

ألاوضاع الاقتصادية المتردية التى تعاني منها بلدان أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي سابقا ساهمت فى رواج تجارة الرقيق الأبيض Keystone

هن ضحايا الفقر ووعود عمل براقة وزائفة. غادرن بلادهن بحثا عن غد مشرق ليجدن أنفسهن أسيرات شبكة إجرامية دولية. وبين ليلة وضحايا فقدن حريتهن ليلتحقن بأفواج الرقيق الأبيض ممن أجبرن على الدعارة. مشكلة كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة لكن الجهود المبذولة للقضاء عليها تظل ضئيلة. وسويسرا هي أحد مراكز الاستقبال الأوروبية الرئيسية للرقيق الأبيض.

اكثر من 600.000 امرأة تباع وتشتري في سوق الرقيق الأبيض في شتى أرجاء المعمورة. هذا هو الرقم الذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة لعدد النساء والفتيات القاصرات ممن يجبرن تحت التهديد بالقتل على العمل في قطاع الدعارة. لكن دراسة أجرتها حكومة الولايات المتحدة أشارت إلي أن العدد قد يكون اكبر من ذلك بكثير حيث قدرته بين 700.000 ومليوني امرأة.

وألادهى هو أن هذا العدد في تزايد. فتجارة الرقيق الأبيض الدولية، كما يقول المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة جين بيير شاوزي، تدر عوائد مجزية للغاية تتراوح بين 6 إلي 10 مليارات دولار سنويا. في الكوسوفو، على سبيل المثال، يبلغ “ثمن” المرأة المباعة نحو 2700 دولار أمريكي، ومع كل مرة تباع فيها المرأة من جديد، خاصة عند بيعها إلى إحدى الدول الغربية، يتضاعف هذا المبلغ مرتين إلى ثلاث مرات.

وعادة ما يكون الفقر هو الخيط الأول في شبكة المصيدة التي تسقط فيها المرأة أو الفتاة. فالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعايشها النساء والفتيات في بلدان أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي سابقا، إحدى مراكز التصدير الكبرى للرقيق الأبيض، تمثل الدافع الرئيسي وراء سعيهن للبحث عن فرص عمل في الخارج. تحكي إحدى الضحايا الأسلوب الذي تم به بيعها:”كانوا قد وعدوني بفرصة عمل في أوروبا الغربية. لكن عند وصولي إلى الحدود أدركت أن العرض كان زائفا. هددوني ببندقية وأجبرت على عبور أحد الجبال. لا أعرف أين وصلت، لكنني فهمت انهم باعوني وأنني فقدت حريتي.”

إضافة إلي وعود العمل المغرية فإن الزواج يمثل أحد الأساليب الشائعة المستخدمة في الإيقاع بالضحية. في سويسرا، على سبيل المثال، تم اكتشاف مجموعة من النساء في كانتون زيوريخ تزوجن من سويسري في بلدانهن ودخلن البلاد بصورة شرعية. وعند وصولهن إلي المطار تم نقلهن إلي أحد الفنادق حيث اغتصبن على مدي أيام متتالية حتى وافقن على العمل في مجال الدعارة. أما الأزواج السويسريون فقد تلقوا مبلغا شهريا بنحو 2000 فرنك سويسري مقابل تغريرهم بالنساء.

الجهود الدولية لمكافحة الرقيق الأبيض لا تكفى

المشكلة كبيرة، لكن ما يزيد من تفاقمها هو كثرة الحديث عنها دون أن يرافق ذلك إجراءات دولية عملية و فعالة لمواجهتها والقضاء عليها. يعقب رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في مقدونيا السويسري مارتين فايز في حديث لسويس إنفو على هذه العبارة بالقول:” صحيح أن العديد من المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والمنظمة الدولية للهجرة، قد تمّكن مبكرا من تحديد حجم المشكلة ووضعن إستراتيجيات وخطط لمواجهتها، إلا أنه لكي يمكن مكافحة هذه الظاهرة بصورة متواصلة ومستمرة لازال هناك الكثير الذي يجب القيام به. ببساطة، المشكلة ليست في قلة الإجراءات المتخذة بل لان التعامل مع بعض القضايا المتصلة بهذه المشكلة مثل الجريمة المنظمة كان صعبا للغاية.”

لكن التعقيدات المتصلة بشبكة الجريمة المنظمة، لاسيما ما يتعلق منها بعلاقاتها الوطيدة مع السياسيين ورجال الشرطة في بلدان أوروبا الشرقية، تظل وجها واحدا من الوجوه المتسببة في ضعف الجهود المبذولة لمواجهة هذه الظاهرة.

في العديد من البلدان المستقبلة للرقيق الأبيض يتم التعامل مع الضحايا عند القبض عليهن على أنهن مومسات يعملن بصورة غير شرعية في البلاد. وغالبا ما يتم ترحيلهن من البلاد بدون أي تنسيق مع المنظمات الدولية المعنية وبصورة تسبب أحيانا في وقوعهن في الأسر من جديد بسبب تعقب أعضاء الشبكة الإجرامية لأثارهن حتى بعد القبض عليهن.

عدا عن ذلك، فلا توجد في معظم الدول المصدرة أو المستقبلة للرقيق الأبيض قوانين مفصلة تعالج هذه الظاهرة بالتقنين والعقاب. حيث تنفرد هولندا وبلجيكا وإيطاليا عن معظم دول العالم بقوانينها التي توفر مجالات واسعة لرعاية ضحايا الرقيق الأبيض وإدراجهن ضمن برامج لحماية الشهود بدلا من الأسلوب السائد في التعامل معهن علي أنهن مجرمات خرقن القانون.

مساهمة سويسرية لكنها منقوصة

الجهود المبذولة في سويسرا لمكافحة تجارة الرقيق الأبيض ينقصها التنسيق والتعاون المشترك، إذ لا توجد جهة سويسرية محددة تتحمل بصورة واضحة مسئولية مكافحة هذه الجريمة في البلاد. أهمية هذا النقص تبدى بوضوح عند صدور تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أعتبر سويسرا ودول أوروبية عديدة من المراكز الأوروبية الرئيسية لاستقبال الرقيق الأبيض.

إضافة إلي ذلك، انتقدت المنظمة الدولية للهجرة سويسرا بسبب منحها تأشيرات دخول للراقصات يسمح لهن بموجبها بالعمل في الكونفدرالية لمدة ثمانية اشهر في النوادي الليلية. منح هذه التأشيرات يفاقم من تجارة الرقيق الأبيض. حيث تقول المنظمة إن قسما كبيرا من هؤلاء الراقصات يجبرن بعد دخولهن البلاد على العمل في الدعارة رغم أن تصريح الإقامة لا ينص على ذلك.

رغم ذلك، يؤكد رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في مقدونيا السويسري مارتين فايز، فإن سويسرا تظل ملتزمة بتعهداتها بمكافحة هذه الجريمة. رأي السيد فايز نابع من تجربته العملية في منطقة البلقان، حيث قدمت سويسرا العديد من المساهمات المالية لإنشاء برامج ترعاها المنظمة الدولية للهجرة في كل من مقدونيا ومولدافيا الكوسوفو.

تشمل هذه البرامج إجراء حملات توعية إعلامية واسعة النطاق لاسيما في مواقع القوات الأممية التي يعتبر جنودها من الرواد الأساسيين على مراكز الدعارة؛ وإنشاء مراكز لإيواء النساء ممن تمكن من الهرب من أسرهن أو تم تحريرهن من قبل الشرطة وتوفير سبل الرعاية والعلاج النفسي لهن إلى أن يتم إعادتهن إلى ذويهن؛ وتأسيس بنك للمعلومات يتضمن معلومات شاملة حول ضحايا تجارة الرقيق.

إلهام مانع

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية