مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دوامة الفــزع…

سيترك رحيل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق سيرجيو فيرا دي ميللو فراغا كبيرا على الساحة العراقية Keystone

مُـنيت الأمم المتحدة بفاجعة كبرى في العراق بفقدان ممثل الأمين العام، الدبلوماسي البرازيلي المحنّـك سيرجيو فيرا دي ميللو.

فرغم قصر المدة التي قضّـاها دي ميللو في العراق، إلا أنه ترك بصمات واضحة على الساحة العراقية.

عين الأمين العام للأمم المتحدة سيرجيو فيرا دي ميللو ممثلا خاصا له في العراق بموجب القرار الأممي رقم 1483، ويشغل السيد دي ميللو منذ عام 2002 منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

وقد اعتبر هذا التعيين اعترافا رسميا بدور الأمم المتحدة في عراق ما بعد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا خارج إطار الشرعية الدولية ودون تخويل من مجلس الأمن للإطاحة بنظام صدام حسين.

وكانت مهمة السيد دي ميللو وعرة ومعقدة بإقرار المفوض السامي نفسه، حيث قال قبل مغادرته من جنيف إلى بغداد “إن دوره غامض وغير محدد المعالم”.

وهذا الغموض ناتج، حسب اعتفاد الدبلوماسي البرازيلي الراحل، عن أن الدور المناط بالأمم المتحدة في العراق في إطار القرار 1483، تمت صياغته بألفاظ فضفاضة ومائعة، مثل التنسيق والتشجيع وتسهيل الأمور…

سابقة تاريخية

ولئن كان السيد سيرجيو دي ميللو قد اكتسب طوال حياته المهنية خبرة كبيرة وسمعة جيدة من خلال إدارته لإقليم كوسوفو وإقليم تيمور الشرقية في مرحلة انتقالية، فإن مهمته في العراق كانت مختلفة تماما، ذلك أنه كان ممثلا للأمم المتحدة في بلد تحتله أكبر قوة عالمية مهيمنة على الشؤون الدولية وعلى مجلس الأمن، وهذه سابقة في تاريخ الأمم المتحدة.

كما أن مهامه في كل من كوسوفو وتيمور الشرقية كانت أكثر وضوحا، بحيث خولت له صلاحيات إدارة الإقليم، بينما يتطلب الأمر في العراق التعامل مع قوات احتلال لا ترغب، على ما يبدو، في التخلي لأي طرف آخـر بما في ذلك الأمم المتحدة عن صلاحيات القيام بالدور الرئيسي والمحوري في كل المجالات.

كل هذه المعطيات جعلت الأمم المتحدة في وضعية دقيقة تتمثل من جهة في قبول ما توافق عليه القوى المحتلة من تفويض للصلاحيات، ومن جهة أخرى يتعيّـن على المنظمة الدولية أن تحرص على أن لا تكون “ورقة التوت” لقوى الاحتلال، أي أن لا تتحول إلى مبرر للاحتلال ولتبعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية.

الاستماع للشعب العراقي

وفي إطار هذه المهمة المعقدة التي تولاها في ظروف عصيبة، وتجنبا لإثارة أية حساسيات، وفقا لما هو معروف عنه من لباقة وخبرة ومعرفة جيدة بحدود ما هو مسموح به حتى بالنسبة لمسؤول أممي بارز، ما فتئ الدبلوماسي الراحل سيرجيو دي ميللو يردد أنه “سيستمع أولا للشعب العراقي، وسيعمل على مساعدته لإقامة إدارة جديدة تتولى السلطة الحقيقية في البلاد”.

مهمة تجد قوى الاحتلال صعوبات جمّـة في إنجازها رغم استبدال السيناريوهات والقيادات والتحالفات المهيأة سلفا، والتي تبين أنها غير ملائمة مع الواقع الميداني في العراق.

وكان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يتطلّـع إلى مساعدة العراقيين وقوى الاحتلال على تشكيل قوات شرطة عراقية ذات مصداقية وتحترم القانون وحقوق الانسان، لاسيما انه لم يكن يُـخفي انشغاله الكبير بسبب تردي الأوضاع الأمنية والمعاناة التي يعيشها العراقيون نتيجة التسيّـب الأمني والصعوبات المعيشية.

فراغ كبير

ومن المهام التي كان السيد سيرجيو دي ميللو يوليها صدارة اهتماماته، السهر على تنسيق عمل كل المنظمات الإنسانية الأممية. لذا، فإنه ما فتئ يُـطالب الدول التي تؤوي اللاجئين العراقيين “بإبداء نوع من التريث والمرونة في المطالبة بإعادة هؤلاء اللاجئين إلى العراق”.

إن رحيل هذا الدبلوماسي اللامع والعارف بشؤون المنطقة في الظروف المأساوية التي جدت يوم 19 أغسطس في بغداد، سيترك دون شك فراغا كبيرا على الساحة العراقية، حيث أن كثيرا من التيارات السياسية العراقية كانت ترى في تواجد الأمم المتحدة في العراق ضرورة حيوية لمعادلة الكفة والتخفيف من ثقل الاحتلال وسلطاته.

ويبدو أن الذين استهدفوا سيرجيو دي ميللو يتطلّـعون إلى ترك الولايات المتحدة تتخبّـط لوحدها في المستنقع الذي وقعت فيه بارتكابها اخطاء سياسية وتكتيكية فادحة في التعامل مع الأوضاع في العراق.

سويس انفو

ولد السيد سيرجيو فيرا دي ميلو يوم 15 مارس 1948 بالبرازيل
حاصل على دكتورا دولة في العلوم الإنسانية في جامعة باريس الأولى
التحق بالأمم المتحدة منذ عام 1969، حيث بدأ محررا في سكريتاريا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين
1994: ترأس الشؤون المدنية في قوات حفظ السلام الأممية في يوغسلافيا
1998: مساعد الأمين العام للامم المتحدة للشؤون الإنسانية وشؤون الإغاثة
1999 – 2002: الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الإدارة الانتقالية لتيمور الشرقية
منذ سبتمبر 2002: مفوضا ساميا لحقوق الإنسان

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية