مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سقوط ضحايا .. رغم التحذيرات

حبوب "التاي" كانت تدخل سويسرا على أنها مواد غذائية مستودرة من جنوب شرقي آسيا فتنتطلق شرقا وغربا Keystone

نجاح الشرطة السويسرية في كسر أكبر شبكة لترويج المخدرات تنطلق من الكونفدرالية إلى أوروبا، أكد صحة التحذيرات التي كررتها طيلة الفترة الماضية من تزايد أعداد المدمنين على تعاطي الحبوب المخدرة، إلا انه على ما يبدو فإن هذه التصريحات لم تجد، لسبب أو لآخر، طريقها إلى تطبيق عملي.

ساعدت المعلومات التي نشرتها الشرطة الفدرالية في بدايات هذا العام على التنبيه لخطر انتشار المخدرات المركبة، مقابل تراجع ترويج الأنواع التي يمكن تصنيفها بـ”التقليدية” مثل الهيروين والكوكايين، إلا أنها في نفس الوقت نوهت إلى أن عمليات اكتشاف المخدرات تأتي غالبا من قبيل الصدفة المحضة، وليست من خلال خطة مدروسة لمكافحة عمليات التهريب والترويج.

ولعل القانون السويسري الذي لا يتضمن عقوبات رادعة للترويج والتعاطي إضافة إلى ما يمكن اعتباره بالتساهل الاجتماعي في تعاطي المخدرات هما من الأسباب الرئيسية التي تشجع عصابات التهريب والترويج على جلب أصناف جديدة للمتعاطين عملا بالمبدأ التجاري القائل أنه “طالما يوجد مستهلك فلابد أن تتوافر له بضاعته”.

إلا أن الشرطة السويسرية ترد على التهم الموجهة إليها بالتقصير استنادا إلى التيارات الاجتماعية التي تتمادى في التساهل مع الشباب في مسألة تعاطي المخدرات، على اعتبار أنها حرية شخصية، وأن الشاب يستطيع التمييز بين ما يضره وما يفيده، وبالتالي يمكنه التحكم في سلوكه، فالصرعات الشبابية الجديدة لا تتقيد بأية ضوابط من أي نوع تعتبر أول خطوات الإدمان وأحد منابت تعاطي المخدرات تحت شعار “التجربة الشخصية” و”الحرية المطلقة” وذلك بموافقة السلطات بجميع مستوياتها، أضف إلى هذا التفكك الاجتماعي وضعف الروابط الأسرية، التي تخلق جوا من اليأس والإحباط.

هل سبل المكافحة مستحيلة؟

العلاج الاجتماعي لمنع تعاطي المخدرات لم يعرف على ما يبدو إلى الآن الطريق الصحيح، فكل ما يمكن أن تسميتها بالمحاولات تمر دائما بنفس المنعطف، وبدلا من مساعدة الشباب على الابتعاد أو الإقلاع عن المخدرات، نجد أن السلطات تتساهل شيئا فشيئا في تعاطي نوعيات معينة، كما حدث في مطلع هذا العام ووافقت الحكومة على تعاطي “الحشيش” بشكل رسمي!.

إذا وضعنا الاهتمامات التي “تُفْرَضُ” على الشباب في سويسرا تحت المجهر لوجدنا أنها تحول انظاره إلى مجالات تؤدي بشكل غير مباشر إلى الاحتكاك بالمخدرات، فمروجو موسيقى التكنو الصاخبة يبشرون بأن الاستمتاع الحقيقي لها لا يكون إلا بتعاطي نوعيات معنية من الحبوب المخدرة، والانخراط في التمتع بالرقص لساعات طويلة لا يتحقق إلا بخلط المخدرات مع الكحوليات، والتظاهرات الموسيقية المحمومة ليست سوى ملتقى للمروجين.

هذه الأنشطة على الرغم مما يحيط بها من مخاطر تلقى تشجيعا كبيرا من وسائل الإعلام، وتبرزها على انها المتعة الحقيقية للشباب، كما حدث قبل أيام في تظاهرة التكنو الكبيرة في زيورخ، التي أشادت بها وسائل الإعلام كحدث رائع يستحق كل من شارك فيه أن يحصل على وسام، بينما شهد في واقع الأمر توزيع كميات هائلة من الكحوليات والمخدرات على حد سواء، طبقا لتقارير الشرطة وحالات الاسعافات الاولية التي أجريت للمصابين من جراء الجرعات الزائدة.

يبدو أن المشرفين على برنامج مكافحة المخدرات لا يعرفون سبيلا للعلاج، أو أن كلمات مثل “ممنوع” أو “محظور” من الصعب أن تجد مكانا لها في قاموس الحياة اليومية بعد أن أباح المجتمع كل شيء.، ولا يقدمون للمدمنين سوى كلمات الرثاء، وحقن المخدرات، حتى لا يضطروا إلى اللجوء إلى العنف والجريمة للحصول عليها!.

ثمانية وستون كيلوغرام من الهيروين وتسعة وعشرون من الكوكايين، وأكثر من أحد عشر ألف قرص “اكستازي” مخدر وسبعة عشر الف من “LCD ” حصيلة ما تمكنت الشرطة السويسرية من مصادرته من مضبوطات في العام الماضي، الذي أظهر سبعة آلاف وثلاثمائة مخالفة متعلقة بالمخدرات واكتشاف ستمائة مروج لها، أما الضحايا فكانوا أربعة وثلاثين قتيلا والف وسبعمائة مدمن جديد، انضموا إلى قائمة المتعاطين مجانا على حساب الدولة.

وعلى الرغم من التحذيرات التي تنبعث رائحتها بقوة من بيانات وإحصائيات الشرطة الفدرالية، إلا أنه يبدوا أن بريق العوائد المادية من تهافت الشباب على كل ما هو جديد بصالحه وطالحه يدفع بعض الجهات إلى إهمال احتمال الوقوع في فخ المخدرات مع الرغم من أنه احتمال كبير كما تشير الحالات، وهذا يحدث في بلد، تشتكي جامعاته من قلة الطلاب، ويتساءل الاقتصاد فيه عن من سيعمل في المصانع مستقبلا!

تامر أبو العينين

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية