مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شبه إجماع برلماني قبل الحسم الشعبي

على الرغم من تزايد المؤشرات الايجابية حول اتساع نطاق التأييد لانضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة إلا أن الحسم يظل بيد الناخبين Keystone

تتجه سويسرا شيئا فشيئا إلى الالتحاق ببقية بلدان العالم والانضمام إلى الأمم المتحدة. ويبدو أن موافقة الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس الشيوخ، بدون تردد يذكر، على المبادرة الشعبية الداعية لدخول سويسرا إلى المنتظم الأممي سيساعد على إقناع الناخبين بالتصويت إيجابيا في الاستفتاء المقرر إجراؤه العام المقبل حول الموضوع

في عام ألف وتسعمائة وستة وثمانين، رفض ثلاثة أرباع الشعب السويسري الموافقة على انضمام بلادهم إلى منظمة الأمم المتحدة، لكن يبدو أن اقتناع السلطات الفيدرالية والأحزاب السياسية بأن الزمن جزء من العلاج – مثلما يقال – قد بدأ يؤتي ثماره اليوم بعد مرور خمسة عشر عاما كاملة على آخر استفتاء حول هذه القضية.

قد لا يفهم الكثير من الناس أسباب بقاء سويسرا بعيدة عن دخول الأمم المتحدة، لكن الحرص الشديد، في خضم الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، على الاحتفاظ بصفة البلد المحايد القادر على التوسط في النزاعات الدولية، والخوف من أن يؤدي الدخول إلى المنظمة إلى فقدان سويسرا لجزء من استقلالها، دفع أكثر من خمسة وسبعين في المائة من الناخبين إلى رفض ما كان مقترحا عليهم عام ستة وثمانين.

لكن انهيار جدار برلين في موفى الثمانينات، وانتهاء الحرب الباردة، والتغير الهائل الذي طرأ على التوازنات القائمة على الساحة الدولية في غضون العشرية الأخيرة، والدور المتنامي لمنظمة الأمم المتحدة في الساحة الدولية أقنع الكثير من المترددين بأن الوقت قد حان لآلتحاق سويسرا بها.

مبررات عديدة للانضمام

جاء في التبريرات التي قدمها النائب الديموقراطي المسيحي برونو فريك مقرر اللجنة، لدى عرض مشروع المبادرة على التصويت، أن من بين الأسباب المقنعة بالموافقة عليها، تحوّل الأمم المتحدة إلى المنتدى الوحيد الذي تعالج فيه قضايا البشرية بل إنه الوسيلة الوحيدة المتاحة لمخاطبة العالم.

من جهة ثانية، هناك إقرار برلماني بإيجابية حصيلة عمل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها. إذ أن عجز المنظمة عن حل جميع النزاعات القائمة في العالم وفشلها في العديد من الحالات، لا يجب أن يغطي على ما نجحت في تحقيقه من إنجازات فعلية عديدة.

نأتي الآن إلى قضية الحياد، التي كانت المحور الثالث الذي تركز عليه تقرير اللجنة البرلمانية. فالحياد السويسري، كما ينص عليه الدستور الفيدرالي والقوانين السارية، لا يواجه أي تهديد جراء الانضمام إلى الأمم المتحدة. ذلك أن الأمم المتحدة تطالب الدول العضوة بالالتزام بالعقوبات التي تفرضها المجموعة الدولية في بعض الحالات، وهو إجراء تتبعه سويسرا منذ عدة أعوام.

في المقابل، لا ترغم الأمم المتحدة الدول الأعضاء فيها على الاشتراك في عمليات عسكرية، وهي عمليات قد تمثل، في صورة المشاركة فيها، مسّا حقيقيا بالحياد السويسري. يضاف إلى ذلك أن دولا محايدة أخرى مثل النمسا والسويد، انضمت منذ فترة طويلة إلى المنتظم الأممي دون أن ينال ذلك من صفتها أو وضعها الحيادي.

من بين الحجج الأخرى المهمة المقدمة من طرف اللجنة البرلمانية المختصة للدفاع عن مشروع المبادرة، التذكير بأن المشاركة الكاملة على قدم المساواة مع بقية بلدان المعمورة هو الذي سيسمح لسويسرا بتحديد أولوياتها والدفاع عنها. تضاف إلى ذلك، النتائج الوخيمة المترتبة عن رفض الناخبين الانضمام إلى الأمم المتحدة، بالنسبة لمستقبل وضع المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، الذي توفر المنظمات الأممية العاملة فيها شغلا لأكثر من اثني عشر ألف شخص وموارد مالية يستفيد منها اتلقطاع الاقتصادي بشكل ملموس في جنيف وغرب سويسرا بشكل عام.

مخاوف أقلية وتطمينات حكومية

وعلى الرغم من أن حجم الرافضين في مجلس الشيوخ لالتحاق سويسرا بالأمم المتحدة قد تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة إلا أن السيد ريكو فنغر، من حزب الشعب السويسري اليميني، كان العضو الوحيد الذي تمسك بمعارضة المشروع مشددا على أن انضمام سويسرا إلى المنتظم الأممي سيعني فقدانها لسيادتها ومشيرا إلى أن موظفي الحكومة الفيدرالية ووزارة الخارجية هم المستفيدون الوحيدون من هذه الخطوة التي ستوفر لهم وظائف أفضل ونفوذا أوسع على حد زعمه.

السيد جوزيف دايس وزير الخارجية اختار التهدئة في سياق رده على المخاوف المتعلقة بانعكاسات الانضمام المحتملة على الحياد السويسري. وذكّر بالخطوة الهامة التي أقدم عليها الشعب السويسري في العاشر من شهر يونيو حزيران الجاري لدى موافقته على تسليح الجنود السويسريين لدى مشاركتهم في عمليات حفظ السلام الدولية خارج البلاد وأضاف بأن سويسرا ستنضم إلى الأمم المتحدة باعتبارها “بلدا محايدا”.

الان، وبعد موافقة سبعة وثلاثين نائبا ورفض اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ تتحول مناقشة المبادرة إلى مجلس النواب قبل أن تنطلق المرحلة الحاسمة المتمثلة في إقناع الناخبين بالتصويت لفائدة الانضمام وضمان الحصول على الأغلبية المزدوجة في مثل هذا النوع من الاستفتاءات.

أي أنه يتعين حصول المبادرة الشعبية حول انضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة، على أغلبية الأصوات على المستوى الوطني من جهة، وعلى موافقة أغلبية الكانتونات السويسرية الست والعشرين عليها. وهو تحد لا زال قائما على الرغم من استطلاعات الرأي الايجابية في الآونة الأخيرة.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية