مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شهادة مفاوض عربي في أحداث ميونيخ

صورة شهيرة لعملية اختطاف الرهائن الإسرائيليين أثناء دورة الالعاب الأولمبية في ميونيخ عام 1972 (مصدر الصورة: موقع ياهو) swissinfo.ch

مع صدور الشريط الجديد لستيفن شبيلبيرغ، عادت أحداث ميونيخ التي قامت فيها مجموعة فلسطينية باحتجاز رياضيين إسرائيليين مشاركين في الألعاب الأولمبية وانتهت بمجزرة إلى الواجهة.

سويس إنفو التقت الدكتور محمد الخطيب الذي شارك في المفاوضات باسم الجامعة العربية، وسألته عن تفاصيل الوساطة التي قام بها في ميونيخ.

تعود أحداث ميونيخ التي مر عليها 34 عاما كاملة إلى تصدر الأنباء هذه الأيام بسبب الجدل الدائر حول صدور فيلم جديد للمخرج السينمائي العالمي ستيفن شبيلبيرغ يستعرض فيه أحداث قيام مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين في الخامس من شهر سبتمبر 1972 باختطاف أحد عشر رياضيا إسرائيليا كانوا يشاركون في دورة الألعاب الأولمبية بمدينة ميونيخ الألمانية. وهو الحادث الذي انتهى بمجزرة أودت بحياة الرهائن الاسرائيليين وخمسة من الخاطفين الفلسطينيين من بين ثمانية.

وإذا كان فيلم ستيفن شبيلبيرغ الذي شرع في عرضه بالولايات المتحدة الأمريكية والذي سيشرع في عرضه في قاعات السينما الأوروبية ابتداء من يوم 26 يناير القادم، قد تناول بشكل منتقد “سياسة الانتقام” التي انتهجتها السلطات الإسرائيلية لتصفية من كانت تعتقد تل أبيب أن لهم صلة باختطاف الرهائن الإسرائيليين في ميونيخ، فقد يكون من المفيد تذكير الأجيال التي لم تعش تلك المرحلة بوقائع مرحلة من التاريخ الحديث من خلال شهادة شخصية تابعت تطورات أحداث ميونيخ عن قرب باعتبارها الشخصية العربية التي ساهمت، بطلب من السلطات الألمانية، في التفاوض مع الجانب الفلسطيني.

هذه الشخصية هو الدكتور محمد الخطيب الذي كان يشغل أثناء تلك الأحداث منصب مدير مكتب الجامعة العربية في بون عاصمة ألمانيا الاتحادية حينها، والذي تقلد قبل ذلك عدة مناصب في الإدارة السورية من بينها منصب الأمين العام بوزارة الإعلام السورية، والذي التحق فيما بعد بمنظمة الأمم المتحدة حيث تقلب في عدة مناصب الى أن بلغ سن التقاعد.

سويس إنفو: الدكتور محمد الخطيب، ما هي الظروف التي جعلتكم كمدير مكتب الجامعة العربية في المانيا، تشتركون كوسيط في مفاوضات أحداث ميونيخ عام 1972؟

د. محمد الخطيب: مكتب الجامعة العربية في ألمانيا كان مكلفا بإعادة تعزيز العلاقات الألمانية العربية التي انقطعت منذ عام 1965. ومن الطبيعي أن يتم الاتصال بمكتب الجامعة منذ الساعات الأولى للإعلان عن وقوع الحادث لكي يطلبوا مساعدتي في إيجاد حل سلمي لهذا الموضوع.

وبالفعل منذ الساعات الأولى أي في حدود الساعة الثامنة اتصلت بي الخارجية الألمانية وأبلغتني أن وزير الخارجية آنذاك والتر شيل سيكون ممتنا لو رافقت مسؤولي الخارجية الى ميونيخ لمحاولة إيجاد حل سلمي للعملية التي احتجز فيها عدد من الفدائيين الفلسطينيين عددا من الرياضيين الإسرائيليين في ميونيخ أثناء الألعاب الأولمبية.

سويس إنفو: ما الذي طلب منكم كجامعة عربية بالضبط؟

د. محمد الخطيب: طلبوا أن نذهب الى ميونيخ ومساعدتهم في إيجاد حل سلمي. وهذا ما فعلت بحيث قابلت وزير الداخلية في ذاك الوقت غينشر الذي أصبح فيما بعد وزيرا للخارجية. واقترح أن تقدم الحكومة الألمانية لهم مبلغا من المال وأن يسمحوا لهم بمغادرة ألمانيا دون اية مساءلة. ولكنني قلت له، أنني أعتقد أنهم لم يأتوا من أجل المال، واو كان هدفهم المال والسلامة لما تصرفوا بهذه الطريقة.

وعندما سألت الوزير عن نتائج الاتصالات التي تمت بالمختطفين، أراني ورقة كتبت عليها أسماء السجناء الفلسطينيين في إسرائيل في حدود 250 تقريبا، طلبوا أن يطلق سراحهم. فقلت إنه يمكن التفاوض معهم بهذا الخصوص لكن الوزير قال إن هذا قد يحتاج الى كثير من الوقت لأن السجناء موجودون في إسرائيل.

عندما توجهت مع المسؤولين الألمان لمقابلة رئيس المجموعة الفلسطينية، محمد المصالحة، الذي أطلق على نفسه في ذلك الوقت إسم “عيسى”،أكد لي بأن أجوبتي للألمان هي أجوبتهم وأنهم لم يأتوا من أجل القتل وإنما أتوا من أجل عمل إنساني لإطلاق زملائهم الموجودين في السجون الإسرائيلية. وإذا لم يستجب الإسرائيليون سيلجأون الى القوة وربما يهددون حياة الرهائن.

وهذه الرسالة هي التي حملتها الى وزير الداخلية الألماني ونقلت له أن رئيس المجموعة الفلسطينية أوضح “بأن أحد الإسرائيليين قتل، وجرح آخر، وأن ذلك لم يكن عن قصد بل لأنه قاوم وكان علينا أن ننفذ العملية”.

سويس إنفو: كيف كانت تتم عملية التفاوض هل كنت تذهب لوحدك أم مرفوقا بمسؤولين ألمان؟

د. محمد الخطيب: كنت أذهب لوحدي لمقابلة الفلسطينيين وكان حديثي صريحا معهم وكانوا صريحين معي للغاية. سألوني عما يجري فصارحتهم بأنني أخذت ضمانات من الحكومة الألمانية بألا يتم اتخاذ هذه المفاوضات التي أقوم بها كذريعة لكي يتم استخدام نفس الطريقة التي استخدمت في حل أزمة اختطاف طائرة في مطار اللد عندما استغل الإسرائيليون الصليب الأحمر الدولي للقضاء على الخاطفين. ولكنني أوضحت لهم بأن المسؤولية في النهاية هي مسؤوليتهم بأنهم هم أدرى بتقييم طريقة تصرفهم.

سويس إنفو: كيف كان يتم حديثك مع السلطات الألمانية. هل لاحظت بأن هناك رغبة في إيجاد حل، أم أن الأمور كانت قد حسمت من البداية؟

د. محمد الخطيب: أعتقد أن الألمان كانوا يريدون حلا سلميا، لكن الألمان كانوا لا يفاوضون الجانب العربي على الإطلاق، لأن عميد السلك الدبلوماسي العربي سفير تونس محمود المستيري تدخل فيما بعد وذهبنا سويا لمقابلة الفدائيين في المرة الثانية. وشعرنا معا بأن الألمان لا يريدون التفاوض مع الجانب العربي وقد اعترفوا بذلك في الكتاب الأبيض الذي نشر بعد العملية على أنهم كانوا يفاوضون الإسرائيليين.

ويبدو أنهم لم يستطيعوا إقناع الإسرائيليين بإيجاد حل سلمي لأن الإسرائيليين رفضوا رفضا قاطعا بان يتركوا الفدائيين يغادرون ألمانيا برهائنهم. وهذا ما كنت أتوقعه شخصيا وما أوضحته لمتحديثي الألمان أثناء تنقلي معهم من بون الى ميونيخ شارحا بأن سياستهم تقوم على الانتقام..

سويس إنفو: كم دامت فترة المفاوضات المباشرة وكيف انتهت؟

د. محمد الخطيب: ذهبت مرة منفردا لمقابلة الفدائيين. وفي المرة الثانية كنت مرفوقا بالسفير محمود المستيري عميد السلك الدبلوماسي العربي، وفي المرة الثانية قبل الفدائيون تمديد الإنذار ساعتين بناء على طلب السفير المستيري. وعند الانتهاء شددت على يدي زعيم المجموعة الفلسطينية وقلت له إذا لم أعد فمعنى ذلك أن الألمان لم يقبلوا طلباتكم. وهذا ما تم بالفعل.

سويس إنفو: ما هي الدلائل التي جعلتك تصل الى هذه القناعة؟

د. محمد الخطيب: أولا عندما قابلت رئيس المجموعة الفلسطينية وعدت لمقابلة وزير الداخلية الألماني، وجدت أن كل اهتمامه منصب على مسالة التأجيل ولم يدخل في صلب الموضوع على الإطلاق.

وفي المرة الثانية عندما قابلناه برفقة السفير المستيري أوضح السفير المستيري للوزير الألماني ما الفائدة من العودة لزيارتهم إذا لم يكن هناك رد على مطالبهم؟

وبعد الزيارة غادر السفير المستيري لأنه رأى أن لا مجال للبقاء في غياب رغبة في التفاوض. لكنني قررت البقاء في عين المكان بموافقة السفير المستيري حتى لا يعاب علينا فيما بعد بأن الجامعة العربية لم تقم بشيء .

وبالفعل مشاركتنا – وإن لم تأت بالنتائج التي كنا نتمناها – فقد ساعدتنا في تعاملنا مع وسائل الإعلام والأوساط السياسية فيما بعد عندما شنت هجمات عنيفة ضد العرب واعتبر رئيس الدولة آنذاك بأن الدول العربية مسؤولة عما جرى.

سويس إنفو: فيما يتعلق بالمسئولية، هناك روايات عديدة ولكن من خلال ما عايشته عن كثب: من المسئول عن المجزرة التي أودت بحياة الرهائن وعدد من مختطفيهم؟

د. محمد الخطيب: أنا كنت مقتنعا منذ أن قابلت رئيس المجموعة الفلسطينية بأنه كان صادقا فيما يقوله من أنه لم يأت للقتل وإنما يريد فقط أطلاق سراح السجناء. وأعتقد بما أنه درس في ألمانيا ويعرف الشعب الألماني… فقد كان يتصرف بحذر كبير لأنه كان يشك في امكانية نصب فخ له.

فعند تنقله من القرية الأولمبية الى مكان تواجد طائرات الهيليكوبتر الذي لا يبعد سوى حوالي سبعين مترا، رفض التنقل مشيا وطلب حافلة ثم ثانية مخافة أن يكون هناك غاز يشل الأعصاب. لقد فضل، على ما يبدو، المجازفة بحياته وحياة مجموعته بدل ارتكاب مجزرة لا تخدم القضية الفلسطينية.

فلو كان هدفه القتل لأمكنه قتلهم واحدا واحدا وأن يسلم نفسه إذ يعرف الجميع أن القانون الألماني لا يحكم بالإعدام. بالاضافة الى أننا رينا فيما بعد أن الفلسطينيين الثلاثة الذي بقوا على قيد الحياة في هذه العملية أطلق سراحهم بعد شهرين او ثلاثة أشهر تقريبا.

سويس إنفو: هناك من تحدث عن مسؤولية الشرطة الألمانية في بداية المجزرة؟

د. محمد الخطيب: ما أعرفه هو ما نشر في ألمانيا وهو أن الألمان هم الذين اتخذوا المبادرة بناء على طلب الإسرائيليين وأن مجموعة الفدائيين ردت على ذلك. وأعتقد أن تنفيذ الحكومة الألمانية لقرار إسرائيلي أثار في ألمانيا مشكلة. وإن الإفراج بعد شهرين أو ثلاثة على الفلسطينيين الثلاثة الناجين هو مؤشر على أن ألمانيا كانت تشعر بأن خطأ ما تم ارتكابه في إتباع الحل الإسرائيلي الذي قاد الى المجزرة.

سويس إنفو: كيف كان وقع هذا الحادث على العلاقات العربية الألمانية، وكيف عالجتم الوضع؟

د. محمد الخطيب: كان بالإمكان أن يؤدي هذا الحادث الجديد الى قطع للعلاقات العربية الألمانية خصوصا وأن العلاقات بين الطرفين كانت مقطوعة منذ عام 1965 ولم تستأنف إلا في بداية عام 1972. لكننا تمكنا من تدارك الأمور بشننا حملة مضادة ونجحنا الى حد كبير في أن نضع أمام الشعب الألماني والمسئولين الألمان شيئين هامين: أولا أننا ذهبنا منذ الساعات الأولى لمساعدة الألمان. وثانيا أن الحكومة الإسرائيلية هي المسئولة عما جرى بغلقها كل الأبواب، لأنه لو قبلت أن يذهب الفدائيون ورهائنهم الى القاهرة لما جرت المجزرة على الإطلاق.

وعندما استشرت من قبل المفاوضين الألمان (ومن بينهم وكيل وزارة الخارجية فون براون شقيق فون براون صانع الصواريخ الأمريكية المشهور)، عما إذا كان المختطفون سيوفون بوعدهم وعدم تعريض حياة الرهائن للخطر، قلت بأن هذا هو الحل هو أفضل حل يمكن يطرح، والحكومة المصرية حكومة مسئولة، ولا بد من أن تكون هناك مفاوضات والافراج عن بعض من الأسرى الفلسطينيين إن لم يكن كلهم، كما جرى في عدة محاولات اختطاف انتهت في الجزائر او سوريا، البلدان اللذان كانا يتهمان آنذاك بالتطرف.

لكن الإسرائيليين رفضوا هذا الأمر وهذا ما أبرزناه للألمان وقد اقتنعت وسائل الإعلام الألمانية بذلك والدليل هو نشرها لبيان الجامعة العربية كاملا وعلى الصفحات الأولى. وقد أدى ذلك الى بداية شن حملة ضد إسرائيل لحد أن رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مايير هددت في جلسة بالبرلمان الإسرائيلي ألمانيا بخصوص استمرار الحملة المضادة لإسرائيل.

للحديث بقية

بعد هذه الشهادة حول سير عمليات التفاوض في أحداث ميونيخ عام 1972 من خلال شهادة الدكتور محمد الخطيب ، سنعود معه في حوار قادم للحديث عن تجديد الاهتمام بهذه الأحداث اليوم من خلال الفيلم السينمائي الذي أنجزه المخرج ستيفن شبيلبيرغ والاتصالات التي أجريت بين الاثنين وكذلك اهتمام التلفزة الألمانية بالحدث من خلال إعداد فيلم وثائقي شارك الدكتور الخطيب في إثرائه.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

في 5 سبتمبر 1972، وأثناء انعقاد دورة الألعاب الأولمبية في مدينة ميونيخ، احتجزت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين الوفد الرياضي الإسرائيلي كرهائن، للمطالبة بلإفراج عن أكثر من 200 أسير عربي في السجون الإسرائيلية.

تدخل قوات الشرطة الألمانية أدى الى مقتل الرياضيين الإسرائيليين الأحد عشر ، إضافة الى خمسة من بين الفدائيين الفلسطينيين الثمانية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية