مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صراع البقاء…

بدء العمل بالإتفاقيات الثنائية سيغير الكثير من الأفكار والممارسات في سويسرا Keystone

مع انطلاق العمل بالإتفاقيات القطاعية السبع المبرمة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي في غرة يونيو - حزيران، تتجه الأطراف السياسية والإقتصادية والإجتماعية في الكونفدرالية إلى مزيد من التفاعل - سلبا وإيجابا- مع بروكسل..

“المكتسب الإتحادي” تعبير جديد على الأذن السويسرية لكنه سيتحول مثلما يتوقع الخبراء إلى معزوفة مكرورة إلى حد الملل خلال أشهر معدودة! فتعبير المكتسب الإتحادي (l’acquis communautaire) يرمز إلى مجمل القوانين والإجراءات والإتفاقيات المعمول بها في إطار الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي والتي يتوجب على كل عضو جديد فيه التقيد بها دون أي نقاش.

لكن سويسرا التي رفض مواطنوها منذ عام اثنين وتسعين مجرد الإلتحاق بالمجال الإقتصادي الأوروبي، تبدأ منذ يوم السبت غرة يونيو – حزيران في العمل ببنود سبع اتفاقيات قطاعية محددة استمر التفاوض حولها ستة أعوام تقريبا، وهو ما سيعني تغييرا جوهريا في النظرة إلى أوروبا وطبيعة العلاقة معها.

فقد اختارت الكونفدرالية نمطا يكاد يكون فريدا في التعامل مع بروكسيل يقتصر على علاقات ثنائية محددة باتفاقيات في مجالات معدودة، حفاظا على ما تبقى من معالم السيادة واستقلال القرار.

لكن المشهد من العاصمة البلجيكية يبدو مغايرا تماما، لأن التحدي المطروح هناك لا يتعلق بالسيادة أصلا بل بحجم القدرة على المشاركة في سلطة كبرى تتخذ القرارات التي تحدد ملامح المستقبل. فقد تنازلت الدول الأعضاء في الإتحاد منذ أعوام طويلة عن أجزاء معتبرة من خصائص السيادة الوطنية المتعارف عليها مثل التشريعات أو الحدود الداخلية أو العملات، وحولتها إلى المفوضية الأوروبية والهياكل التابعة لها.

قوى الضغط الأوروبية تبادر بالتحرك

لذا فان سويسرا، سواء انضمت إلى الإتحاد الأوروبي أو تمسكت بالعلاقة الثنائية الخاصة التي أقامتها معه، لن تتمكن من تجاهل الوزن المتنامي لمجموعة الخمسة عشر على الساحة الدولية أو الإقليمية. ولعل السلطات الهائلة التي تتمتع بها المفوضية الأوروبية في مجال مكافحة الإحتكارات تمثل أحسن تجسيد لتحديات الوضع الجديد الذي ينتظر سويسرا.

إذ يكفي التذكير بأن هذه اللجنة التي يترأسها المفوض ماريو مونتي رفضت اندماج شركتي جنرال أليكتريك وهونيوال الأمريكيتين(!) وأنها فرضت غرامة قياسية بلغت قيمتها 675 مليون فرنك على شركة روش السويسرية لصناعات الأدوية بسبب الدور الذي لعبته في ما عرف بـ “كارتيل الفيتامينات”.

ومن المتوقع أن تواجه سويسرا استحقاقات الوضع الجديد بشكل مبكر جدا، حيث تدخل اللوبي المعني بشؤون النقل مؤخرا لدى المفوضية الأوروبية مطالبا إياها بالتصدي للإجراءات التي اتخذتها سويسرا لتنظيم عبور الشاحنات الثقيلة عبر نفق الغوتهارد استنادا إلى بعض ما جاء في بنود الإتفاقية الثنائية المتعلقة بالنقل البري. في المقابل، طالبت الأوساط المؤيدة لحماية البيئة من بروكسيل تقديم الدعم للإجراءات السويسرية!

أما المعارضون للإتفاق الجوي المبرم مؤخرا بين سويسرا وألمانيا فقد سارعوا إلى الإستنجاد بالإتفاقية الثنائية المتعلقة بالنقل الجوي للتنديد بالتضييقات المتوقع تطبيقها على الرحلات الجوية في مطار زيوريخ – كلوتن والمطالبة بإلغائها.

تحول في مركز الثقل..

وفي انتظار ما ستسفر عنه المحاولات التي تبذلها مجموعات الضغط فيما يتعلق بهذين الملفين، فان سويسرا لن تستطيع بالمرة تجاهل القرارات المتخذة من طرف التكنوقراط في بروكسيل سواء كانت لفائدتها أو جاءت ضدها.

وعلى الرغم من التحذير الذي وجهه يوم الخميس وزير الخارجية جوزيف دايس إلى الأطراف التي قد تسعى لاستغلال الإتفاقيات الثنائية بشيء من “سوء النية” أو لغير ما وضعت له، فانه من الواضح أن بعض مراكز الثقل بدأت في التحول.

فسويسرا لا زالت “بعيدة” عن أوروبا من الناحية الرسمية والمؤسساتية لكن طبيعة العلاقات الثنائية تغيرت الآن بل “تعمقت بحكم تبادل المنافع الذي صار قائما بين الجانبين” على حد قول بعض المصادر السويسرية.

في المقابل، يثير هذا التطور منذ الآن جدلا غير مريح في صفوف أوساط سويسرية لا تتقبل بسهولة بقاء الكونفدرالية على هامش الأحداث نظرا لغيابها عن المشاركة في بلورة المكتسبات الإتحادية والقوانين الجديدة لأنها ببساطة ليست عضوة في الإتحاد الأوروبي!.

فالتعامل مع كيان قوي وضخم كالإتحاد الأوروبي، المنافس الرئيسي للولايات المتحدة في السوق العالمية والذي يستعد لضم المزيد من دول القارة خلال السنوات القليلة القادمة، لن يكون سهلا في المستقبل في ظل اتفاقيات ثنائية محدودة على الرغم مما تتميز به من توازن ومراعاة للإحتياجات السويسرية.

وفي انتظار ما ستسفر عنه الجولة الثانية من المفاوضات، يؤكد الخبراء أن الكثير من القناعات سوف تتغير بحكم الممارسة اليومية وأن تأثير الإتحاد على التشريعات والرؤى في داخل سويسرا سيتعاظم حتما.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية