مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صراع حول حق تسجيل “الحياة”

التطور السريع في مجال التقنيات الحيوية يجذب اموال المستثمرين، إلا أن الأبحاث في هذا المجال تواجه مسؤولية اخلاقية جسيمة Keystone

ترغب الحكومة السويسرية في السماح بتسجيل الملكية الفكرية للكائنات الحية، وهو ما يتطلب تعديلا في قانون براءات الاختراعات لا يعارضه اليساريون والخضر فقط بل نقابات الأطباء أيضا.

دفع التطور السريع في علوم الأحياء والفروع المتعلقة به الحكومة السويسرية لإعادة النظر في قانون تسجيل براءات الاختراعات ليواكب النسق الأوروبي لحماية الابتكارات المتعلقة بمجال علوم الأحياء لا سيما ما بات يعرف بعلم الأحياء التقني.

قطاعات الاقتصاد المختلفة وبعض الجمعيات الوطنية لا ترى في رغبة الحكومة سوى مجرد تعديل بسيط ليتماشى مع التطورات الأخيرة، بينما يعترض الحزب الديموقراطي والخضر ونقابات الأطباء والعديد من المنظمات المهتمة بهذا الأمر على مشروع تعديل القانون.

فالحزب الديموقراطي المسيحي يرى أن مقترحات الحكومة تتعارض مع ما وصفه بالقيم الأخلاقية المتعلقة بالأبحاث التي يتم إجراؤها على الإنسان والحيوان والنبات، أما حزب الخضر فلديه قناعة بأن الطبيعة الحية ليست قابلة للتسجيل تحت نصوص براءات الاختراعات والملكية الفكرية، ويتفق الحزب الديموقراطي مع هذه الرؤية بل يضيف أن الأصل في براءات الاختراع هو الحصول على وثيقة حماية لشيء تم اكتشافه نتيجة بحوث ودراسات، بينما لم يصنع البشر الحياة على الارض أو يتحكمون في مسريتها، وكل ما توصل إليه الانسان هو اكتشاف بعض الآليات التي تفسر سير الظواهر البيولوجية.

راي المختصين

ويرى اتحاد الأطباء السويسريين والأكاديمية السويسرية لعلوم الطب أن اللجوء إلى تسجيل الجينات الوراثية يتعارض مع طبيعة الحياة البشرية، مع مراعاة أنه “من وجهة النظر الطبية لا يمكن استحداث أو ابتكار أعضاء بشرية حية لجسم الإنسان ، وأقصى ما توصل إليه علم الطب الحديث هو معرفة أسرار الجسم البشري”، كما طلبت منظمة السلام الأخضر بفرض حظر على ما وصفته بتسجيل الحياة في براءات الاختراع.

وعلى الرغم من هذه المعارضة لا سيما من صفوف المتخصصين إلا أن اتحاد الأطباء والأكاديمية الطبية، لا تعارضان تماما ما ذهب إليه الاتحاد الأوروبي في هذه الصدد، حيث لا يزال موضوع تسجيل الجينات محل جدل بين أروقة المتخصصين في الاتحاد الأوروبي، وتؤكد ثلاثون جمعية فلاحية وبيئية وأخرى مهتمة بحقوق المستهلك والمواطن أن أربع دول فقط من أعضاء الاتحاد الأوربي هي التي اعتمدت قوانين تسجيل براءات الاختراعات المتعلقة بالجينات، وأعربت هذه المنظمات والجمعيات عن دهشتها لمنحى الحكومة السويسرية بينما لم يتم الاتفاق أوروبيا حتى الآن على نسق موحد في هذا الصدد.

الرؤية الاقتصادية تختلف

في المقابل يطالب حزب الشعب اليميني وحزب الأحرار بتعديل القانون بشكل جزئي لحماية الابتكارات والاختراعات متجاهلين بذلك ما أعلنه المتخصصون بأن الجديد ما هو سوى اكتشاف ما كان خافيا عليهم.

أما القطاع الاقتصادي فله رؤية أخرى ، فجمعية الاقتصاد السويسري Economiesuisse ترى أن رأس مال أية شركة جديدة تعمل في مجال التقنية الحيوية يتمثل في الاكتشافات التي تتميز بها عن غيرها، وتشير إلى أن التعديلات المقترحة لا تعتبر توسيعا لقانون تسجيل براءة الاختراعات ولا يجب أن تكون عائقا أمام مواصلة البحث والاكتشاف في هذا المجال، مؤكدة في الوقت نفسه على عدم الاخلال بالقيم والمبادئ الإنسانية المرتبطة بهذا المجال.

وتضيف الجمعية السويسرية للجينات Gen Suisse بأن التعديلات المقترحة تعمل على تنظيم العمل التجاري في مجال التقنيات الحيوية، ولن يعمل القانون الجديد بعد التعديات إلا على تقنين الوضع الراهن الذي تتعامل به الشركات مع عملائها مع غياب سند قانوني يحمي الطرفين.

يرجع اهتمام القطاع الاقتصادي السويسري بهذا القانون إلى محاولة البقاء على حجم الاموال المستثمرة في هذا المجال إن لم يكن زيادتها، حيث يعتقد بعض خبراء الاقتصاد أن وجود دعم قانوني لتجارة التقنيات الحيوية سيعمل على زيادة حجم الاستثمارات فيه، وتسعى سويسرا لاتخاذ مكانة متميزة في هذا المجال الذي شهد إقبالا كبيرا من رؤوس الاموال في السنوات الاخيرة، اعتمادا على خبرة علمائها في هذا المجال وفرص البحث العملي المتاحة بشكل أوفر حظا من بعض الدول الاوروبية الاخرى.

ردود الأفعال التي تباينت بين أغلبية علمية متخصصة تؤيدها جمعيات ومنظمات غير حكومية رافضة لمشروع تعديل القانون المقترح، وبين أقلية تنظر إلى الامر من الزاوية الاقتصادية فقط ستجعل من إجراء أي تعديلات على القانون عملية معقدة للغاية ولن تحسم على الأرجح قبل بضعة شهور إن لم تؤجل إلى العام القادم.

سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية