مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صيف مغربي ساخن!

Keystone

كان الصيف المغربي هذا العام ساخنا. وسبب هذه السخونة في بلد اعتاد ان يمضي عطلته في هدوء هم الأصوليون الذين احتلّـت أخبارهم صدارة الاهتمامات السياسية والإعلامية.

فقد بدأت عطلة الصيف المغربي بأخبار أصوليين، قالت السلطات إنهم قادمون من الخارج، وتواصلت مع حكايات أصوليين مغاربة تقول السلطات إنهم مارسوا القتل منذ أربع سنوات، ويبدو أن الصيف سينتهي وحكايات الأصوليين هي شاغل الشارع المغربي رغم قرب موعد الانتخابات العامة.

بدأ الصيف المغربي بإعلان السلطات الأمنية عن تفكيك شبكة تابعة لتنظيم القاعدة مُكوّنة من ثلاثة سعوديين أعضاء في التنظيم الذي يتزعمه مواطنهم أسامة بن لادن، ومع هؤلاء زوجتا اثنين منهم وشقيقة أحدهما ومواطنون مغاربة قالت السلطات انهم قدّموا تسهيلات لأفراد الخلية.

كانت الخلية، حسب الرواية الرسمية، مكلفة بالقيام بهجمات مسلحة على أهداف حربية أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق وأيضا تفجيرات في حافلات الركاب وساحة جامع الفنا، المكتضّة، في مراكش.

لم تكن روايات السلطات محبوكة بإتقان، وأثارت زلاّت وكثيرا من الشكوك حول صحتها، دون أن تُنسف من أساسها، إذ لا ينكر المعتقلون السعوديون انهم كانوا في أفغانستان أعضاء في تنظيم القاعدة لكنهم يؤكدون، ومن يعرفهم، انهم قدموا إلى المغرب للاستقرار بعد أن ضاقت بهم الآفاق وأغلقت أمامهم الأبواب.

شغلت أخبار “الخلية النائمة” المغاربة وتداول المواطنون حكاياتها وما نسج حولها من مبالغات، وبدا الاهتمام يتلاشى شيئا فشيئا دون أن تتضح الصورة الحقيقية للخلية او أهداف السلطات من إثارة قضيتها.

وما إن تلاشى الاهتمام بخلية القاعدة النائمة وبمضاعفات أزمة جزيرة ليلى والعلاقات مع إسبانيا، حتى عاد الأصوليون مرة أخرى إلى رأس قائمة الاهتمامات المغربية. هذه المرة، الأصوليون مغاربة أتوا من الأحياء الفقيرة والمهمّـشة في المدن المغربية، احتلوا صدارة الاهتمامات بمسلسل دم سال أو مواجهات مع السلطات لازالت مستمرة.

أعلنت السلطات عن مداهمة منزل في الدار البيضاء كان أصوليون ينتمون لتنظيم السلفية الجهادية يتخذونه مقرا لهم، وبه كانت مواجهة دموية جرح فيها شرطي والزعيم الروحي للتنظيم (أبو حارث). وقد تمت المداهمة إثر اعتقال أجهزة الأمن يوسف فكري، أمير جماعة التكفير والهجرة في الدار البيضاء، وكشف التحقيق معه ومع آخرين انهم نفّذوا عمليات تصفية لأشخاص عديدين قالت السلطات انهم ستة أشخاص من بينهم عم يوسف فكري. ومرجعية هذه التصفيات كانت التكفير للخروج عن تعاليم الإسلام.

مجموعات متطرفة محلية

كما في خلية القاعدة النائمة كذلك في جماعات التكفير والهجرة أو السلفية الجهادية، كان التشكيك المتولد عن سيناريو الحكاية وزمنها والمرحلة السياسية التي يعيشها المغرب ويستند المشككون إلى الحرب الإعلامية التي اندلعت بين الأحزاب السياسية والتيارات الأصولية المعتدلة.

كما في التعاطي مع خلية القاعدة النائمة، قللت صحف التيارات الأصولية وتصريحات مسؤوليها من أهمية ما أعلن عن المواجهات بين السلطة والنشطاء الأصوليين المتشددين، مع تشكيك وأحيانا تكذيب لما تورده السلطات من بيانات ومعلومات، فيما وجدت صحف الأحزاب والتيارات الديمقراطية في حكايات بداية الصيف وما تلاها فرصتها لتعبئة الرأي العام من “المخاطر الزاحفة على المغرب”.

كانت أفغانستان والجزائر نموذجين حاضرين في الحملات المتبادلة. وإذا لم توجه الأحزاب الديموقراطية الاتهام المباشر للتيارات الأصولية المعتدلة، خاصة حزب العدالة والتنمية الممثل في البرلمان بأربعة عشر نائبا، فإنها تخلص دائما إلى أن المتشددين نتاج طبيعي بل وحتمي للتيارات الأصولية المعتدلة.

الصحف حفلت بالاتهامات المتبادلة والغمز واللمز والتحقيقات تكثّفت إلى درجة أن صحيفة مقربة من الديموقراطيين نشرت تحقيقات مطولة تحت عنوان ماذا لو حكم الإسلاميون المغرب. والأجوبة بالتأكيد كانت نهاية الدولة المغربية بما لها من ديموقراطية واستقرار وأمان وتنمية.

الاستعداد للانتخابات

ما يُجمع عليه المعنيون بالشأن المغربي أن الانتخابات التشريعية القادمة تشكل الخلفية التي تحرك كل أطراف حكايات الأصوليين التي يعيشها المغرب، سلطة وتيارات أصولية معتدلة وأحزاب ديموقراطية.

الانتخابات ستجرى في 27 سبتمبر القادم، وكثير من المراقبين يحاولون تحذير السلطات من خطر فوز ملفت للتيارات الأصولية في هذه الانتخابات، وان عليها ألا تركن كثيرا لما تومي به هذه التيارات من أمان وعدم رغبة في اكتساح السلطة التشريعية. ففيما تؤكد جماعة العدل والإحسان عدم خوضها الانتخابات التشريعية القادمة، فأن حزب العدالة والتنمية يؤكد انه يقدم مرشحين في كل الدوائر الانتخابية وانه لا يطمح بأكثر من عشرين بالمائة من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 325 مقعدا.

جعلت الحمّى الانتخابية التيارات الأصولية هدفا للأحزاب الديموقراطية الطامحة لاستمرار تجربتها في الحكم، خاصة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعد أن أثبتت قدرتها على إدارة دفة الحكم في اكثر اللحظات الانتقالية صعوبة في تاريخ البلاد.
وتحاول هذه الأحزاب التنويه بما أنجزته طوال السنوات الخمس الماضية، وتذكير المراجع العليا بدورها في استقرار البلاد وتجنيبها الصعوبات والتعقيدات التي سادت إقليميا ودوليا بعد أحداث 11 سبتمبر.

المراجع العليا لم تحسم حتى اليوم موقفها، فإذا كانت أجهزتها قد قدمت خلية القاعدة النائمة ثم جماعات التكفير والهجرة، بالصورة التي قدمتها بها، فإنها كانت حريصة على عدم خلق أي خيط يربط بين أي من خلية القاعدة أو الجماعات من جهة وأي جماعة أو حزب أصولي معترف أو شبه معترف به. فلا أحد من نشطاء هذه الأحزاب اعتقل أو لوحق، ولم يتحدث أي مصدر رسمي عن ارتباطات بينها بشكل أو بآخر. ولعل كل ذلك لتسخين أجواء انتخابات تؤكد السلطة أنها ستكون نزيهة وديموقراطية.

محمود معروف – الرباط

تعتبر السلطات المغربية أن الاعتقالات التي قامت بها في الأوساط الأصولية المتشددة خلال الأشهر القليلة الماضية، تؤشر على أن الفصائل المتطرفة، سواء التي تعمل في العلن أو في الخفاء، تمثل خطرا لا يمكن تجاهله على التوازنات المغربية الهشّة. وقد فرض قرب الانتخابات التشريعية التي ستجرى في 27 سبتمبر على معظم الأحزاب السياسية أجندة جديدة بشأن التعامل مع الحركات الأصولية المتشددة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية