مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ضحايا الانتهاكات سيفتقدون صوتا حاول جلب الانتباه لمعاناتهم

السيدة ماري روبنسن لدى اعلانها عن الانسحاب من منصب المفوضة السامية لحقوق الانسان في سبتمبر ايلول المقبل Keystone

أعلنت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، السيدة ماري روبنسن عدم ترشحها لفترة أخرى على رأس مكتب حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة، على الرغم من إلحاح الأمين العام كوفي انان.

اعلان السيدة التي ارادت أن تكون “الصوت الاخلاقي للضحايا”، عن انسحابها من الحلبة، يكشف عن النقائص التي تعاني منها هيئة أممية، مكلفة بالدفاع عن موضوع بمثل حساسية ملف حقوق الإنسان، ولكن دون ان توضح مهامها بدقة، او تزود بالوسائل المالية الضرورية لعملها.

السيدة ماري روبنسن تقلدت منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان في شهر سبتمبر من عام الف وتسع مائة وسبعة وتسعين، وهي واثقة من أن خبرتها في مجال المحاماة وخبرتها على رأس حكومة ايرلندا، ستساعدها على الدفاع عن ملف حقوق الإنسان، وهي ثقة قد تكون دفعتها إلى أن تصرح في أول لقاء مع الصحافة في جنيف، بأنها ترغب في أن تصبح “الصوت الاخلاقي للضحايا”.

الان، وبعد ثلاثة اعوام ونصف في منصبها الاممي، أعلنت في خطوة لم تكن متوقعة حتى من اقرب مساعديها، أنها سوف لن ترشح نفسها لدورة ثانية عند انتهاء الفترة الحالية في شهر سبتمبر القادم.

ولعل السيدة روبنسن استبقت التساؤلات المنتظرة حول سبب اتخاذها لهذا القرار، فصرحت امام الجلسة الافتتاحية للدورة السابعة والخمسين للجنة حقوق الإنسان ب “أنها ستواصل العمل بجدية من أجل حقوق الإنسان بالطريقة التي تعرفها جيدا، أي المحاماة”. وأضافت “أعتقد أنني أستطيع أن أحقق الكثير في هذا الميدان، بعيدا عن القيود التي تفرضها منظمة متعددة الأطراف”.

هذه القيود عديدة وقد واجهتها السيدة روبنسن منذ بداية توليها لهذا المنصب، الذي لازال يعاني من غموض في التعريف بمشمولاته، يتسع مجاله ويتقلص وفقا للغة المستعملة.

فالمصطلح الفرنسي يتحدث عن “المفوضية السامية لحقوق الإنسان”، فيما تشير التسمية الرسمية إلى “مكتب للمفوضة السامية لحقوق الإنسان” لا اكثر ولا اقل.

هذا الغموض في التعريف ترتبت عنه مشاكل مالية وادارية، وهذا ما انتقدته السيدة روبنسن في خطابها، حيث اشارت الى ان اجمالي المساهمات الطوعية من جانب الدول والمقدرة في عام ألفين بأربعة وأربعين مليون دولار، فاقت بمرتين الميزانية العادية المخصصة من قبل الأمم المتحدة للمفوضية والتي لا تتجاوز العشرين مليون دولار.

رئيسة الوزراء الارلندية السابقة انتقدت الدول النامية والدول المتقدمة على حد السواء، نظرا لقيامها بعرقلة كل المحاولات الرامية للرفع من حجم التمويل العادي للمفوضية.

يضاف إلى ذلك الوضع الاداري غير المستقر للموظفين العاملين فيها والمضطرين للاكتفاء بعقود عمل قصيرة المدى في ظل غياب القدرة على التوظيف الدائم او لفترات طويلة، وهو ما يمثل عائقا من وجهة نظر السيدة روبنسن من اجل القيام بعمل جدي وطويل المدى.

وعلى الرغم من النزاهة التي عرفت بها المفوضة السامية لحقوق الانسان في بلدها وفي شتى المسؤوليات التي تقلدتها، الا ان واقع العمل داخل منظمة متعددة الأطراف وفي ميدان دقيق، مثل ميدان حقوق الإنسان، كشف لها عن الهوة القائمة بين الحديث عن المعايير في المحافل الدولية وبين الواقع المعاش في مجال حقوق الإنسان.

من المؤكد أن السيدة روبنسن، تعرضت لشتى الضغوط وراء الكواليس، وعاينت بنفسها الانتقائية التي تطبق بها معايير حقوق الإنسان، حيث يحاسب البعض بشدة على الانتهاكات المرتكبة فيما يستثنى البعض الآخر وفقا للمصالح والتحالفات.

ولعل هذا ما دفعها الى القول في خطابها في افتتاح اشغال الدورة “إن ما أثار قلقي هو عمق الهوة الفاصلة بين التطلعات النبيلة لميثاق حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الأخرى وبين الواقع المر الذي يعيشه الكثير من الناس في حياتهم اليومية”.

الإشكالية الأخرى، التي ربما تكون قد أثرت في عزيمة المفوضة السامية وأرغمتها على عدم الاستمرار في لعب الدور الذي حددته لنفسها في بداية الأمر كصوت للضحايا، المواجهة الدائمة التي كانت قائمة بينها وبين الدول الاعضاء في لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة.

فالسيدة ماري روبنسن لم تتمكن من ارضاء الجميع. فالبعض الذي كان يتوقع منها ان تكتفي بدور دبلوماسي على غرار سلفها السيد أيالا لاصو، وجه اليها الانتقاد الشديد ، كما انها لم تسلم من لوم اطراف اخرى اعتبرت انها لم تكن جريئة بما فيه الكفاية للتنديد بالتجاوزات والانتهاكات.

الاكيد هو أن مغادرتها لمنصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان في نهاية شهر سبتمبر القادم، سيفقد ضحايا الانتهاكات – مهما كانت جنسياتهم واصولهم – صوتا صادقا حاول بكل موضوعية ونزاهة، أن يجلب الانتباه إلى مشاكلهم في المحافل الدولية.


محمد شريف – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية