مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عقبات داخلية تواجه خطة “التجميع” الإسرائيلية

زاد الجدار الفاصل الذي شيدته إسرائيل من معاناة العائلات الفلسطينية التي لم يلتئم شملها وقلص قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الأخير من فرص اجتماعها Keystone

جاءت مصادقة المحكمة العليا على قانون يحظر لم شمل فلسطينيين مع عائلاتهم في إسرائيل "مُـنسجمة" مع قرار تل أبيب الاستراتيجي بالانفصال عن الفلسطينيين.

لكن هذا المسار الذي بدأ ببناء الجدار، ومن ثمّ بالانسحاب من قطاع غزة، والآن في خطة التجميع التي أعلنها أولمرت مؤخرا، لا زالت تحتاج إلى مباركة واشنطن..

استشاط مُـراد الصّـانع غضبا اليوم في أروقة المحكمة العليا الإسرائيلية “من يبحث عن أطفال، فليأت ليأخذ أطفالي مجانا.. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع على هذا الحال، لا يمكن أن تعيش زوجتي في بيت لحم وأنا في بئر السبع وأن نبقى عائلة واحدة.. لا يمكن”.

مُـراد المحامي، ابن الرابعة والثلاثين، المتزوج من فتاة فلسطينية من مدينة بيت لحم والأب لطفلين، عقّـب بهذه الكلمات على قرار محكمة العدل الإسرائيلية بعدم إلغاء قانون إسرائيلي سن في الكنيست يوما واحدا قبل عودته وعروسه من شهر العسل قبل أكثر من سنتين.

فهذا القانون يمنع العائلات الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر من الالتقاء. وهو يعني أن الفلسطينيين من حاملي الجنسية الإسرائيلية ممنوعون، بحسب قرارات الجهات العسكرية في إسرائيل، من دخول المناطق الفلسطينية، وأن سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة عام سبعة وستين ممنوعون من الدخول إلى إسرائيل.

عاش مراد مع زوجته حتى اليوم بتصريح مؤقت أجاز لزوجته البقاء في بيت الزوجية في إسرائيل، إلا أنه يتوجب عليها المغادرة، بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، إلى بيت لحم.

وفي نفس الوقت، انبعث صوت روني بار اون، وزير الداخلية الإسرائيلي من مذياع قريب في أروقة المحكمة مرحِّـبا بالقرار، وعن ضرورة الفصل بين الشعبين للحفاظ على أمن ومستقبل الإسرائيليين، ومؤكدا أن “قرار المحكمة هذا جاء مُـنسجما مع قرار إسرائيل الاستراتيجي بالانفصال عن الفلسطينيين”.

هذا القرار الذي بدأ ببناء الجدار، ومن ثمّ بالانسحاب من قطاع غزة، والآن في خطة التجميع الإسرائيلية التي أعلنها أولمرت عشية الانتخابات الأخيرة، التي سيعرضها على الإدارة الأمريكية خلال زيارته إلى واشنطن يوم 23 من شهر مايو الجاري، طمعا في الحصول على مباركة الإدارة الأمريكية لها، الأمر الذي يبدو غير أكيد، على الأقل حتى اللحظة.

مأزق أولمرت

“خطة التجميع ليست أكثر من حالة نفسية يمر بها المجتمع الإسرائيلي”، حسب قول عوفر شيلح، الكاتب في صحيفة يديعوت احرنوت الإسرائيلية واسعة الانتشار.

“الخطة حتى الآن مجرّد شعار لا أكثر، وإمكانيات تنفيذها تقارب الصفر”، بناءا على ما قاله شيلح، لتعقيداتها ولتكلفتها، وربما أيضا لأن المجتمع الإسرائيلي يبحث، بعد خمس سنوات من مواجهة دامية مع الفلسطينيين، عن حل سحري يخلّـصه من كابوس التكاثر الطبيعي للفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، ويضمن له الهدوء والازدهار الاقتصادي بعيدا عن الفلسطينيين.

غير أن العديد من المعلقين الإسرائيليين كشيلح، يعتقدوا أن إخفاء الفلسطينيين عن الأعيُـن من خلال الجدار، وحتى من خلال خطة التجميع لا يُـلغي حقيقة أنهم ما زالوا يعيشون هناك على مرمى حجر في الجهة الأخرى للجدار، والواقع الجغرافي لا يسهّـل تحقيق رغبة العديد من القيادات السياسة والعسكرية بالتخلّـص من الفلسطينيين وإعادتهم وقضيتهم على مختلف تبِـعاتها إلى أحضان العالم العربي.

إصرار أولمرت على تنفيذ خطة التجميع، مستغلاّ تأييد الشارع الإسرائيلي لها، يجعل رئيس الحكومة الإسرائيلية غير آبه، على الأقل علنيا، بهذه التحفظات على خطته، خصوصا وأنه تبنّـاها خلال المعركة الانتخابية بقوة، فهو لا يملك أجندة سياسية بديلة، وإن توقف عن الحديث عنها والشروع بتنفيذها، فستفقده الشرعية السياسية أمام الناخب الإسرائيلي، غير أن ظروف أولمرت لا تبدو مثالية في هذه الفترة لتنفيذ الخطة.

طالب الصانع، عضو الكنيست العربي عن كتلة القائمة العربية الموحدة قال في حديث لسويس انفو “إن تنفيذ خطة التجميع من خلال اتفاق سلام مع الفلسطينيين، سيكون أسهل لأولمرت من تنفيذها بصورة أحادية”.

صحيح أن اليمين البرلماني في إسرائيل قد تعرّض لنكسة في الانتخابات الأخيرة، لكن اليمين على الأرض خارج البرلمان، وتحديدا في الضفة الغربية، ما زال على حاله، وربما ازداد قوة وتنظيما بعد الانسحاب من غزة، وهؤلاء المستوطنين سيحوِّلون حياة أولمرت إلى جحيم في الشارع الإسرائيلي، كما أن اليمين داخل البرلمان لن يتردّد بنقل هذه المعركة إلى داخل الكنيست، ولهذا، فإن تسويق اتفاق سلام مع الفلسطينيين سيكون أسهل لأولمرت من خوض مواجهة شاملة مع المستوطنين.

ائتلاف غير ملائم

اليمين المهشّـم، الذي تحدّث عنه الصانع، جاء مع نتائج انتخابات أفرزت ائتلافا غير مريح لأولمرت ولأجندته السياسية.

فقد حصل حزب “شاس” ضمن اتفاقياته الائتلافية مع كاديما على حق معارضة خطة التجميع عند عرضها في الكنيست بدون أن يجد نفسه خارج الائتلاف. وعلى الرغم من أن الأحزاب العربية، التي تتمثل بعشرة مقاعد في الكنيست، قد تصوت مع تنفيذ الخطة، بالإضافة إلى حزب ميرتس اليساري، إلا أن ائتلافا من سبعة وستين عضوا أو أقل من ستين عضوا يهوديا مؤيدا للخطة، لا يمكن ضمان تنفيذها، وتصويت العرب معها قد يشكل سببا يفقدها شرعيتها في الشارع الإسرائيلي اليهودي. إذن، فإن ائتلاف أولمرت الحالي، بنظر العديد من المحللين في إسرائيل، غير ملائم للقيام بهذه المهمة.

مشاكل أولمرت مع شركائه في الحكومة لا تقتصر على حركة شاس، فزعيم حزب العمل الشريك الأساسي لكاديما في الحكومة له وجهة نطر مختلفة بدأت تثير موجات من المشاكل والصِّـدام والتصدّع بين الشريكين المركزيين في الحكومة.

عمير بيرتس، زعيم حزب العمل وزير الدفاع يُـصر على ضرورة التحدث، وفي أسرع وقت ممكن، مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن، وعن ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات للتوصّـل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن أحد البنود الأساسية لخطة أولمرت تتحدّث عن “البحث عن شريك فلسطيني لإجراء مفاوضات معه، وفي حال عدم وجود مثل هذا الشريك، يجب العمل باتجاه تطبيق الخطّـة بشكل أحادي”، غير أن أولمرت وطاقم مستشاريه يرفضون توجّـه بيرتس، ووفق بعض التسريبات التي وصلت إلى الصحافة الإسرائيلية، فإن “معركة كلامية حادّة” نشبت الأسبوع الماضي بين أولمرت وبيرتس على هذه الخلفية.

إذا استمرت هذه المعارك بينهما، فإن مستقبل الشراكة بين الحزبين ستظل على كفّ عفريت، خصوصا وأن عمير بيرتس صرّح لمقرّبيه يوما واحدا فقط بعد توليه صلاحياته كوزير للدفاع، بان “عمر هذه الحكومة لن يتجاوز السنتين”، وهذه المدة غير كافية إطلاقا لتنفيذ خطة التجميع، بالإضافة إلى أن السقف الزمني لتطبيقها يسير مع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش في نوفمبر 2009، وربما سنة قبل هذا الموعد، إذا أُخِـذت التحضيرات للانتخابات الأمريكية بعين الاعتبار.

مستقبل غامض

السياق الأمريكي في خطة أولمرت لا يقتصر فقط على الانتخابات الأمريكية، بل ربما يكون السياق والمحور الأساسي لهذه الخطة. فبدون التأييد السياسي والمالي الأمريكي لإسرائيل، لا يستطيع أولمرت، حتى تشكيل طاقم مِـهنِـي متخصص لوضع الخُـطط والأفكار وجدول الأعمال والجدول الزمني والدراسات المطلوبة لإخراج الخطة إلى حيّـز التنفيذ، هذه الخطة، التي تبدو حتى اللحظة، مجرّد فكرة عامة أو إطارا واسعا خاليا من أي مضمون.

إلا أن التأييد السياسي الأمريكي للخطة، يعني موت خطة أمريكية أخرى، هي خارطة الطريق، التي تحمل رؤية الرئيس الأمريكي للحل القائم على أساس دولتين للشعبين، يعيشان بأمن وباحترام متبادل وهو “ما يراه عديدون خطوة صعبة”، إلا أن جزءا من الأجوبة المتعلقة بهذا الموضوع تحديدا، قد تُـعطى في اللقاء القريب بين أولمرت وبوش.

غير أن هناك حالة تشكك في إسرائيل، فحتى وإن وافقت واشنطن على إعطاء المباركة السياسية للخطة، فإنها لن تشارك في تمويلها، وعندما يدور الحديث عن تكلفة حدّ أدنى للخطة قد تصل إلى خمسة مليارات دولار، فإن إسرائيل لوحدها غير قادرة على تحمّـل هذه التكاليف.

وإلى حين أن يتّـضح مستقبل الخطة، فإن مستقبل مُـراد وعائلته يبدو غير واضح، وإن كانت السيناريوهات السلبية في يوم اتخاذ القرار في المحكمة العليا الإسرائيلية أكثر ترجيحا، وإذا لم تتراجع إسرائيل عن مشروع الفصل المطلق أو تُـراجع قانونها أو تتوصّـل إلى سلام مع الفلسطينيين، فإن مستقبل مُـراد والعائلات التي تعيش نفس التجربة، سيبقى على حاله متشحا بالسواد.

قاسم الخطيب – القدس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية